مهلة الـ30 يومًا تنتهي خلال ساعات.. مصير قانون الإيجار القديم بعد موافقة مجلس النواب

خلال ساعات تنتهي المهلة الدستورية المقررة لرئيس الجمهورية، والتي تمتد لـ30 يومًا من تاريخ موافقة مجلس النواب على مشروع قانون الإيجار القديم، الذي أُقر نهائيًا في جلسة البرلمان المنعقدة يوم 2 يوليو الماضي.
وتأتي هذه اللحظة الحاسمة وسط حالة من الترقب الشديد بين الملايين من المستأجرين والملاك، الذين يتابعون مصير القانون الذي طال انتظاره، بعد سنوات من الجدل القانوني والمجتمعي حول طبيعة العلاقة الإيجارية بين الطرفين في ظل التشريعات القديمة.
وكان مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، قد وافق بشكل نهائي على مشروع القانون المقدم من الحكومة، والهادف إلى تعديل قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981، بما يتماشى مع ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بتاريخ 9 نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية المادتين (1 و2) من القانون المشار إليه، فيما يتعلق بتنظيم العلاقة الإيجارية للوحدات السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين.
ويتضمن مشروع القانون الجديد مجموعة من التعديلات الجوهرية، في مقدمتها تحديد فترة انتقالية لإنهاء عقود الإيجار القديمة، تمتد لسبع سنوات للأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وخمس سنوات للوحدات المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، ويهدف هذا الإجراء إلى تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، ومنح فترة كافية لتوفيق الأوضاع قبل سريان الأحكام الجديدة بالكامل.
وينص مشروع القانون صراحة على إلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة وردّها إلى المالك عقب انتهاء الفترة الانتقالية، مع التأكيد على إلغاء جميع القوانين الاستثنائية السابقة المنظمة للإيجارات القديمة بانقضاء تلك الفترة، ليخضع بعدها تنظيم العلاقة الإيجارية للأحكام العامة في القانون المدني، وفقًا لما يقرره الطرفان من شروط تعاقدية.
زيادة القيمة الإيجارية حسب طبيعة المناطق
ومن بين البنود المهمة التي أوردها المشروع، إعادة النظر في القيمة الإيجارية للوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم، بحيث ترتفع وفقًا لتصنيف المناطق. فبالنسبة للأماكن المؤجرة لغرض السكنى، تقرر أن تكون الزيادة بواقع عشرين ضعفًا للقيمة الإيجارية السارية في المناطق المتميزة، على ألا تقل عن 1000 جنيه شهريًا، وعشرة أضعاف في المناطق المتوسطة بحد أدنى 400 جنيه، وفي المناطق الاقتصادية بحد أدنى 250 جنيهًا. أما الوحدات المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، فتكون الزيادة المقررة خمسة أضعاف القيمة الحالية.
ويُفهم من ذلك أن الحكومة تستهدف من هذه الزيادات تصحيح التشوه التاريخي في أسعار الإيجارات القديمة، التي ظلّت لفترة طويلة لا تتماشى مع تطورات السوق العقاري ولا تعكس القيمة الحقيقية للوحدات السكنية والتجارية في مختلف المناطق.
استجابة لحكم المحكمة الدستورية
تأتي هذه التعديلات استجابة مباشرة لحكم المحكمة الدستورية العليا، والذي أكد في منطوقه أن المادتين (1 و2) من قانون الإيجار القديم تخالفان أحكام الدستور، وأمهل الجهات التشريعية حتى نهاية دور الانعقاد الحالي للبرلمان لتصحيح الوضع القانوني، وبالفعل، قامت الحكومة بإعداد مشروع قانون جديد وأحالته إلى البرلمان، الذي أقرّه في 2 يوليو 2025، قبل أيام قليلة من فض دور الانعقاد.
وينص الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية، وفق المادة (195) من الدستور المصري، على أن أحكامها ملزمة للكافة، وتتمتع بحجية مطلقة، بما يعني أن المشرّع كان ملزمًا بإعادة صياغة القانون بصورة تتوافق مع المبادئ الدستورية، ولا تحتمل التأخير أو المماطلة، وهو ما حرصت الحكومة ومجلس النواب على تنفيذه ضمن الإطار الزمني المحدد.
العد التنازلي للتصديق الرئاسي
وفقًا لأحكام المادة (123) من الدستور، يملك رئيس الجمهورية مهلة لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ تسلّمه القانون من البرلمان للتصديق عليه أو الاعتراض عليه، وفي حال عدم الرد خلال تلك المدة، يُعدّ القانون مُصدقًا عليه بقوة الدستور، ويتم نشره في الجريدة الرسمية ليبدأ سريانه، وبالتالي، فإن غدًا الجمعة 1 أغسطس يمثل اليوم الأخير في المهلة الدستورية المحددة، ما يجعل الساعات المقبلة حاسمة في تحديد مصير القانون.
وإذا قرر رئيس الجمهورية الاعتراض على مشروع القانون، يُعاد مرة أخرى إلى البرلمان لمناقشته مجددًا، ويشترط في هذه الحالة موافقة ثلثي الأعضاء لإقراره، وفقًا لما نصت عليه المادة (123)، لكن نظرًا لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، فإن أي اعتراض رئاسي من شأنه أن يُعطّل إصدار القانون لحين تشكيل مجلس نواب جديد بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، ما قد يُطيل أمد انتظار دخول القانون حيّز التنفيذ، ويُبقي على الوضع الحالي لحين البت فيه مجددًا.
مراحل القانون الدستورية.. من الاقتراح إلى النشر
مر مشروع قانون الإيجار القديم بجميع المراحل الدستورية الأربعة التي ينص عليها النظام التشريعي في مصر، وهي:
مرحلة الاقتراح: أعدت خلالها الحكومة مشروع القانون وأحالته إلى البرلمان لدراسته ومناقشته.
مرحلة الإقرار: شهدت مناقشة المشروع داخل مجلس النواب، ووافق عليه الأعضاء في الجلسة العامة بشكل نهائي.
مرحلة التصديق (الصدور): وهي المرحلة الحالية، حيث ينتظر القانون توقيع رئيس الجمهورية للتصديق عليه، أو صدوره تلقائيًا إذا انتهت المهلة دون رد.
مرحلة النشر: عقب التصديق، تُنشر نسخة القانون في الجريدة الرسمية، لتُصبح نافذة وتُطبق أحكامها فعليًا على العقود الخاضعة لها.
ومع نشر القانون رسميًا، يُفترض أن تبدأ المرحلة الانتقالية مباشرة، لتُمهّد الطريق نحو تحرير العلاقة الإيجارية وفق قواعد السوق والعقد المدني، ما من شأنه إعادة ضبط الإطار القانوني للعقارات المؤجرة منذ عقود بأسعار رمزية.
يُعدّ قانون الإيجار القديم من أكثر القوانين إثارة للجدل في الشارع المصري، نظرًا لحساسية العلاقة بين المستأجرين القدامى الذين استقروا في منازلهم لعقود طويلة، والمالكين الذين يرون أن الإيجارات الحالية لا تتناسب بأي شكل مع قيم العقارات التي يملكونها، بل ولا تُغطي في بعض الأحيان حتى تكاليف الصيانة.
وفي ظل حالة الانقسام تلك، جاء القانون الجديد محاولًا تحقيق توازن بين الجانبين، من خلال فترة انتقالية مرنة وزيادات تدريجية في القيمة الإيجارية، تمهيدًا لتحرير كامل للعلاقة الإيجارية على أسس قانونية مدنية، تحترم إرادة التعاقد وتراعي الاعتبارات الاجتماعية.