بين الحق والواجب.. شارك ولا تخن نفسك

في كل استحقاق انتخابي، تتكرر الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية، بحجج متكررة فقدت منذ زمن طويل وجاهتها. هناك من يرفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع بحجة أن «الانتخابات لا تغير شيئًا»، وآخرون يروجون لفكرة أن البرلمان «وافق على قوانين لا ترضيهم»، مثل قانون الإيجار القديم. وبين هذا وذاك، تضيع الحقيقة الأهم: أن المقاطعة ليست موقفًا ناضجًا، بل انسحاب سلبي يخدم خصمك ويضعف موقفك.
من يرفض المشاركة عليه أن يسأل نفسه أولًا: هل نعيش في دولة فوضى، أم دولة مؤسسات؟ الحقيقة التي لا يمكن أن يغفلها إلا جاحد أن مصر دولة مستقرة، قائمة على مؤسسات دستورية وتشريعية فاعلة، أهمها البرلمان بغرفتيه. وهذه المؤسسات، مهما اختلفنا مع قراراتها، تظل هي القنوات الشرعية الوحيدة للتعبير، والمشاركة، والتغيير.
البرلمان هو المكان الذي تُصنع فيه القوانين، ويُمارس فيه الرقابة على الحكومة، ويُناقش فيه المواطن ممثلَه الذي انتخبه. المقاطعة لا تُسقط قانونًا، ولا تُصلح خطأ، بل تسلّم القرار لمن لا يمثل صوتك، وتمنح خصمك تفويضًا مجانيًا.
المقاطعة لا تُسقط قانونًا ولا تُصلح خطأ
بل تسلّم القرار لمن لا يمثل صوتك، وتمنح خصمك تفويضًا مجانيًا
من يحتج على قانون مثل الإيجار القديم ويجعل منه سببًا لمقاطعة الانتخابات، يخلط بين رفض قرار وبين مقاطعة الدولة ذاتها. القانون من الممكن مراجعته، تعديله، أو حتى إسقاطه عبر القنوات التشريعية، لكن بشرط أن يكون لنا صوت داخل هذه القنوات. أما المقاطعة، فهي ببساطة تنازل طوعي عن هذا الحق، وهدية مجانية لمن لا يؤمن بحقك من الأساس.
اقرأ أيضًا:
«اختار اللي يناسبك».. حزب مستقبل وطن يشعل الشارع السياسي بشعار «السياسة للجميع وتكاتف لا تناحر»
«الحمد لله إننا صحينا»| 30 يونيو ..حين أفلت المصريون بلدهم من «لعنة البيعة»
لدينا إشراف قضائي كامل، وصندوق انتخابي مفتوح للجميع. من يزعم أن "النتيجة محسومة" أو "المال السياسي يتحكم"، عليه أن يدرك أن المال لا يشتري وعيًا، وأن العزوف الجماعي لا يمنع التزوير بل يسهل حدوثه. أما المشاركة، فهي السبيل الوحيد لحماية نزاهة العملية الانتخابية.
الانتخابات ليست مجرد مناسبة سياسية
بل لحظة اختبار للوعي العام..
شارك لتُعبّر عن نفسك
الحجج من نوع: «مافيش فايدة»، «الناس بتاخد فلوس»، «أنا مش فارق معايا»، هي حجج العاجزين. من لم يقدّم مشروعًا، ولم يرشّح ممثلًا، ولم يمارس حقه، لا يملك الحق في الشكوى لاحقًا. التغيير لا يحدث بالصراخ على السوشيال ميديا، بل بصوتك في الصندوق، وموقفك في الشارع، ورأيك تحت قبة البرلمان.
أخيرًا..
الانتخابات ليست مجرد مناسبة سياسية، بل لحظة اختبار للوعي العام. شارك لتُعبّر عن نفسك. شارك لأن الصمت خيانة للصوت. شارك لأننا دولة قانون، ودولة مؤسسات، ولكي تحاسب من يُخطئ، لا بد أن تملك الأداة: صوتك الانتخابي.