حصاد 2025.. وزارة السياحة تحول استراتيجي وانطلاقة كبرى نحو العالمية
شكل عام 2025 علامة فارقة في تاريخ قطاع السياحة المصري، حيث نجحت وزارة السياحة، بالتنسيق مع مختلف أجهزة الدولة، في تحقيق طفرة غير مسبوقة أعادت صياغة مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية، فقد جاء هذا العام تتويجًا لسنوات من التخطيط الاستراتيجي، والعمل المؤسسي المتكامل، والاستثمار في الإنسان والمكان، ليصبح قطاع السياحة أحد أهم محركات النمو الاقتصادي وأكثرها تأثيرًا في خلق فرص العمل وتعزيز صورة الدولة المصرية إقليميًا ودوليًا.
وعلى الرغم من التحديات الإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على حركة السفر العالمية، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية والتغيرات المناخية وتقلبات الاقتصاد الدولي، استطاعت وزارة السياحة أن تدير المشهد بكفاءة ومرونة، وأن تحول هذه التحديات إلى فرص، معتمدة على رؤية وطنية طموحة تستهدف جعل مصر ضمن أهم الوجهات السياحية في العالم، ليس فقط من حيث الأعداد، بل من حيث جودة التجربة وتنوع المنتج السياحي واستدامته.
وسجل قطاع السياحة خلال عام ٢٠٢٥ معدلات نمو قياسية، حيث بلغ عدد السائحين الوافدين إلى مصر حتى نهاية أكتوبر نحو 15.6 مليون سائح، بنسبة نمو تجاوزت 21٪ مقارنة بالعام السابق.. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد السائحين بنهاية العام قد يقترب من 19 مليون سائح، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ السياحة المصرية.
كما حققت الإيرادات السياحية قفزة تاريخية، لتصل إلى ما يقرب من ١٧ إلى ١٨ مليار دولار، مسجلة أعلى إيراد سنوي للقطاع، وهو ما يعكس نجاح وزارة السياحة في التحول من سياسة "زيادة الأعداد فقط" إلى سياسة “تعظيم العائد”، من خلال جذب شرائح سياحية ذات إنفاق مرتفع، وإطالة متوسط مدة الإقامة، وتنويع الأنشطة السياحية.
وشهدت الليالي السياحية ارتفاعًا ملحوظًا، حيث تجاوز عددها 240 مليون ليلة بنهاية العام، ما يعكس ارتفاع معدلات الإشغال الفندقي واستقرار الطلب على المقصد المصري على مدار العام، وليس فقط خلال المواسم التقليدية.
ويُعد الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في نوفمبر 2025 أحد أبرز إنجازات الدولة المصرية ووزارة السياحة خلال العام، وأحد أهم الأحداث الثقافية والسياحية عالميًا.. فالمتحف، الذي يُعد الأكبر من نوعه في العالم، لا يمثل فقط إضافة معمارية أو أثرية، بل يُجسد رؤية متكاملة لربط السياحة بالثقافة والتعليم والاقتصاد.
ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد، في تجربة عرض متحفي حديثة تضاهي كبرى المتاحف العالمية.. ومن المتوقع أن يستقبل المتحف ما بين 5 إلى 7 ملايين زائر سنويًا، ما يسهم في تنشيط السياحة الثقافية وزيادة متوسط إنفاق السائح، خاصة في منطقة أهرامات الجيزة.
وقد لعبت وزارة السياحة دورًا محوريًا في الترويج العالمي للمتحف، من خلال حملات دعائية دولية، وتنظيم زيارات لكبار الإعلاميين والمؤثرين، وربط المتحف ببرامج سياحية متكاملة تشمل القاهرة التاريخية والجيزة وسقارة.
وفي الوقت نفسه، واصلت وزارة السياحة خلال عام 2025 تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى تنويع المنتج السياحي وعدم الاكتفاء بالسياحة الثقافية التقليدية. فقد شهد العام توسعًا كبيرًا في السياحة الشاطئية من خلال دعم وتطوير مقاصد البحر الأحمر وشرم الشيخ ومرسى علم والساحل الشمالي، التي سجلت نسب إشغال تراوحت بين 90٪ و95٪.
كما واصلت الوزارة دعم السياحة البيئية عبر تطوير المحميات الطبيعية في سيناء والصحراء الغربية والدلتا، وتشجيع السياحة المستدامة التي تحافظ على البيئة وتدعم المجتمعات المحلية.. كذلك السياحة الرياضية باستضافة بطولات دولية في الغوص والسباحة ورياضات التحمل، ما ساهم في جذب شرائح جديدة من السائحين.. بالإصافة إلى سياحة المؤتمرات والمعارض من خلال الترويج لمصر كمركز إقليمي لاستضافة الفعاليات الدولية، خاصة في القاهرة وشرم الشيخ والعاصمة الإدارية الجديدة.
وشهد عام ٢٠٢٥ طفرة ملحوظة في الطاقة الفندقية، حيث تمت إضافة ما بين 30 إلى 40 ألف غرفة فندقية جديدة، ليرتفع إجمالي عدد الغرف إلى أكثر من 229 ألف غرفة على مستوى الجمهورية، وتركز هذا التوسع في مناطق البحر الأحمر والعلمين الجديدة والساحل الشمالي، بما يتماشى مع خريطة الطلب السياحي.
وأولت وزارة السياحة اهتمامًا كبيرًا بتطوير جودة الخدمات، من خلال برامج التدريب ورفع كفاءة العاملين، وتطبيق معايير الجودة والاستدامة، وتشجيع التحول الرقمي في الخدمات السياحية، بما في ذلك الحجز الإلكتروني والترويج الرقمي.
وفي خطوة تنظيمية، أصدرت وزارة السياحة والآثار قرارًا بإدخال نمط جديد من الإقامة السياحية تحت مسمى شقق الإجازات (Holiday Home) ضمن المنظومة الفندقية الرسمية، بهدف سد فجوة الغرف الفندقية ودعم السياحة والعقار معًا.
والقرار ينظم أوضاع وحدات كانت تعمل بشكل غير رسمي، ويشترط أن يكون المبنى مخصصًا بالكامل لهذا النشاط وبحد أدنى 8 وحدات، مع الالتزام بمعايير الأمان والجودة والترخيص الإلكتروني.
ويرى خبراء أن الخطوة تعزز ثقة السائح، ترفع جودة الخدمات، تفتح فرصًا استثمارية جديدة، وتُدخل قطاعًا كبيرًا في الاقتصاد الرسمي، بما يدعم الإيرادات السياحية والضريبية للدولة.
وارتفعت مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى نحو ٨.٥ – ٨.٦٪ خلال عام ٢٠٢٥، مع توقعات بزيادة هذه النسبة خلال السنوات المقبلة، كما وفر القطاع ما بين 2.7 إلى 2.9 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ليظل أحد أكبر القطاعات المشغلة للعمالة في مصر.
وقد ساهم الأداء القوي للقطاع في دعم احتياطي النقد الأجنبي، وتحسين ميزان المدفوعات، وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري، خاصة في ظل الإشادة الدولية بالإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الدولة.
وحصدت مصر خلال عام ٢٠٢٥ العديد من الجوائز والتصنيفات الدولية، حيث احتلت المركز الأول أفريقيًا في عدد السائحين للعام الثالث على التوالي، كما جاءت ضمن أفضل 10 دول عالميًا من حيث نمو السياحة، وفازت بجائزة أفضل وجهة تراثية في العالم حسب كثير من تصنيفات المواقع المتخصصة، كما احتلت مراكز متقدمة في تصنيفات كبرى المجلات والمؤسسات السياحية الدولية.
كما تم إعادة انتخاب مصر لرئاسة المكتب التنفيذي للمجلس الوزاري العربي للسياحة، تأكيدًا لدورها القيادي في صياغة السياسات السياحية على المستوى الإقليمي.
ودعمت وزارة السياحة عددًا من المشروعات القومية ذات البعد السياحي، من أبرزها مشروع التجلي الأعظم في سانت كاترين، الذي يهدف إلى جعل المنطقة مركزًا عالميًا للسياحة الروحية والثقافية، وتطوير مدينة العلمين الجديدة، التي حصلت على لقب عاصمة المصايف العربية لعام ٢٠٢٥ إضافة إلى التكامل مع مشروعات البنية التحتية مثل الطرق والمطارات والموانئ، بما يسهل حركة السياح ويعزز تجربة الزائر.
وفي ضوء كل ما تحقق من إنجازات، يمكن القول إن عام 2025 يمثل بداية مرحلة جديدة في تاريخ السياحة المصرية، مرحلة تقوم على التخطيط العلمي، والتنفيذ الاحترافي، والشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، ومع استهداف الوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام ٢٠٣٠، تواصل وزارة السياحة العمل بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية متكاملة، تجمع بين عبق التاريخ وروعة الطبيعة وحداثة الحاضر.
لقد أثبتت التجربة أن السياحة المصرية قادرة على الصمود والنمو، وأن الاستثمار في هذا القطاع هو استثمار في مستقبل الوطن، وفي صورة مصر الحضارية أمام العالم.

