«كوب 30».. قادة العالم يجتمعون في البرازيل لمواجهة تفاقم أزمة المناخ
تتجه أنظار العالم، غدا الاثنين، إلى مدينة بيليم البرازيلية، حيث تنعقد الدورة الثلاثون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي "كوب 30"، وسط توقعات بأن تشكل القمة اختبارا حقيقيا لقدرة النظام الدولي على مواجهة تفاقم أزمة المناخ وتسريع تنفيذ التعهدات.
ويأتي انعقاد القمة في منعطف حيوي تواجهه الأرض، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الاحترار العالمي تجاوز للمرة الأولى خلال عام 2024 مستوى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، فيما سجلت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ارتفاعا غير مسبوق منذ بدء القياس، وعلى الرغم من مرور 10 سنوات على توقيع اتفاق باريس، تؤكد البيانات أن التزامات الدول الحالية لا تزال بعيدة عن المسار المطلوب للحد من ارتفاع الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، ويفضل 1.5 درجة.
وتقدم البرازيل، التي تستضيف القمة للمرة الأولى منذ قمة الأرض في ريو عام 1992، المؤتمر باعتباره "قمة التنفيذ والتكيف"، في محاولة لإعادة إحياء روح الطموح التي طبعت المفاوضات الأولى، لكن السياق العالمي اليوم أكثر تعقيدا سياسيا واقتصاديا وبيئيا، مع تباطؤ التقدم الفعلي في خفض الانبعاثات وتزايد حدة الظواهر المناخية المتطرفة حول العالم.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في أكتوبر الماضي حول المساهمات المحددة وطنيا، فإن التعهدات المقدمة حتى الآن من 64 دولة ستؤدي بحلول 2035 إلى خفض قدره 17% فقط من الانبعاثات مقارنة بمستويات 2019، وهو أقل بكثير من نسبة 55% المطلوبة لاحتواء الاحترار عند 1.5 درجة، كما لم تتمكن سوى أقل من 10% من الدول من تقديم خططها المناخية الجديدة ضمن المهلة المحددة في فبراير 2025، وغالبية الخطط الواردة تفتقر إلى أهداف طموحة.
وتسعى البرازيل لدفع دول العالم إلى تحقيق تقدم ملموس في 3 محاور رئيسية خلال القمة؛ تمويل المناخ، وخفض الانبعاثات، وتعزيز جهود التكيف، ومن المتوقع أن تتركز المفاوضات حول كيفية تفعيل الهدف المالي الجديد المتفق عليه في قمة العام الماضي بأذربيجان، والذي يتراوح بين 300 مليار دولار سنويا بحلول 2035 وقد يصل إلى 1.3 تريليون دولار، كما سيعاد بحث آليات صندوق الخسائر والأضرار، الذي ما زالت مساهماته غير واضحة بعد انسحاب الولايات المتحدة منه.
ويزداد المشهد تعقيدا مع موقف الإدارة الأمريكية الحالية، التي انسحبت من اتفاق باريس وأعلنت أنها لن ترسل وفدا رفيع المستوى إلى هذه القمة المرتقبة، بل إن واشنطن اتخذت مؤخرا خطوات تعرقل جهود الحد من الانبعاثات على المستوى العالمي، منها تعطيل الاتفاق الدولي الأول لفرض رسم كربوني على الشحن البحري، والضغط على الاتحاد الأوروبي للتراجع عن تشريعاته الخاصة بخفض انبعاثات الشركات.
ورغم غياب التمثيل الفيدرالي الأمريكي رفيع المستوى، سيشارك في القمة أكثر من 100 من حكام الولايات ورؤساء البلديات الأمريكيين، ضمن تحالفات محلية تقول إنها ماضية في تنفيذ خطط خفض الانبعاثات على مستوى الولايات والمدن، بمعزل عن موقف الحكومة الفيدرالية.
في المقابل، تطرح الصين نفسها باعتبارها شريكا رئيسيا في النظام المناخي العالمي، مستندة إلى قوتها الصناعية في الطاقة المتجددة، ورغم إعلانها عن مساهمة منقحة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، فإن أهدافها ما زالت أقل من المطلوب لتحقيق المسار الآمن للمناخ.
وتحمل قمة بيليم جدولا مزدحما بملفات تفاوضية معقدة، أبرزها ملف التمويل المناخي للدول النامية، حيث توصلت قمة المناخ السابقة "كوب 29" إلى هدف تعبئة 300 مليار دولار سنويا بحلول 2035، لكن ما يزال الخلاف قائما حول كيفية توزيع الأعباء، ومن سيدفع، وهل ستكون الأموال على شكل منح أم قروض، كما سيجري تقييم صندوق "الخسائر والأضرار"، وسط تساؤلات حول سرعة الدعم ومقداره ومسار وصوله للدول المتضررة.
أما ملف خفض الانبعاثات، من المتوقع أن يشهد نقاشات حادة خاصة بعد نتائج "المراجعة العالمية" لاتفاق باريس، التي أكدت بوضوح أن العالم بعيد عن المسار المطلوب، وستضغط بعض الدول لطرح التزام صريح بالتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، بينما ستدفع دول أخرى نحو صياغة أقل حدة تركز على "خفض الانبعاثات" بدلا من "التخلي الكامل عن النفط والغاز والفحم".
ومع ذلك، تحذر منظمات الشباب المناخي من أن استمرار التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري من شأنه أن يقوض أي تقدم في مسار خفض الانبعاثات، معتبرة أن "العدالة المناخية" تتطلب تسريعا لخطط التخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم.
ومن المنتظر أن يُعتبر المؤتمر ناجحا إذا خرج بنتائج عملية تشمل تعهدات مالية واضحة، والتزامات محددة لخفض الانبعاثات على مستوى جميع القطاعات، وآليات فعالة لتعويض الخسائر والأضرار، واعتماد منهج عالمي موحد لقياس التقدم في التكيف.
ولا يخفي المسؤولون البرازيليون صعوبة المهمة، حيث قال رئيس القمة أندريه أرانه كوريا دو لاجو، نائب وزير الخارجية البرازيلي لشؤون المناخ والطاقة والبيئة، إن "المسار نحو التوافق العالمي بشأن المناخ أصبح أكثر انحدارا"، ومع ذلك تراهن البرازيل على أن قمة بيليم قد تكون خطوة لإعادة إحياء المسار الدولي بدلا من الاكتفاء بتكرار الوعود.