رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«الشؤون النيابية»: المنظومة القانونية تحتاج تطوير تشريعات واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي

نشر
وزير الشؤون النيابية
وزير الشؤون النيابية

قال المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، إن العدالة ليست مجرد نصوص، بل هي ضميرٌ مؤسسيٌ حيّ يوازن بين الحق والواجب، وبين القانون والرحمة، وبين السلطة والمسئولية.

وأكد فوزي، في كلمته خلال المؤتمر الدولي الرابع للاتحاد العربي للقضاء الإداري الذي يناقش مستقبل العدالة الإدارية في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي، أن اختيار موضوع المؤتمر يعكس وعيًا مؤسسيًا مُتقدمًا من القضاء الإداري العربي في استشراف المستقبل، وتعامل العدالة الإدارية العربية مع تحديات التكنولوجيا لا برفضها، بل بالتكيف معها وبتطويعها لخدمة الإنصاف والشفافية وسيادة القانون.

العدالة الإدارية

وقال: «حينما نتحدث عن العدالة الإدارية، فإننا لا نتحدث عنها من منظورها القضائي فحسب، بل من منظورها الإداري أيضًا؛ فمن منظور إداري تكون بمقتضاه التزامٌ ذاتي على أجهزة الدولة بأن تُدير شؤونها بروح العدل قبل أن تخضع لمقاييسه، وأن تجعل من العدالة سلوكًا إداريًا متجذرًا في ضمير المرفق العام، لتكون بموجبه الدولة قوية بمؤسساتها، شفافة في إدارتها، ومُلزَمة في قراراتها بحدود القانون، ومن منظور قضائي تكون بمقتضاه العدالة الإدارية هي تلك الرقابة التي يمارسها القاضي الإداري على تصرفات الإدارة، ضمانًا لعدم خروجها عن مقاصد المصلحة العامة، ومن هنا كانت العدالة الإدارية أداةَ ضبطٍ وتطويرٍ في آنٍ واحد: تضبط السلطة إن هي جاوزت حدودها، وتُطوّر الإدارة لتبلغ معايير الإدارة الرشيدة».

ولفت إلى أن العدالة الإدارية عبر تاريخها، كانت رائدة في ترسيخ مبدأ المشروعية، وحاميةً لحقوق الأفراد، واليوم، تواجه تحديًا جديدًا يتمثل في تحول أدوات الإدارة والقضاء إلى فضاء رقمي تحكمه الخوارزميات وتوجهه البيانات.

وتابع وزير الشؤون النيابية: «كيف نستفيد من القدرات التقنية الهائلة التي تتضمنها منظومة الذكاء الاصطناعي التي توفر الوقت والجهد وتزيد من الجودة والفاعلية، وفي الوقت ذاته نتجنب أضراره وتحدياته، وكيف نحافظ على روح العدالة الإنسانية في زمن الآلة والمعادلات والأكواد؟».

وأكد، أن العالم دخل عصرًا جديدًا أصبحت فيه التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي جزءًا من بنية العدالة ذاتها؛ فالدعاوى تُقَيَّد إلكترونيًا، والمرافعات تُدار رقمياً، والبيانات تُحلَّل آليًا لاستنباط السوابق وتوحيد المبادئ؛ بل إن بعض الدول شرعت في تجارب لما يُعرف بالقاضي الإلكتروني (AI Judge)، وهي تجارب لا تعني استبدال الآلة بالقاضي، بل تعني أن التكنولوجيا باتت مساعدًا ذكيًا يعين القاضي على إدارة عبء العمل، ويمنحه قدرة أوسع على الإحاطة بالمادة القانونية والواقع الموضوعي للدعوى.

وأشار وزير الشؤون النيابية، إلى أنه في المقابل، يفرض هذا التحول ضرورة أن يظل العقل الإنساني هو الحَكَم النهائي، لأن العدالة - في جوهرها - ليست عملية حسابية، بل قيمة أخلاقية تُبنى على الوعي والضمير، وتختلف باختلاف الوقائع والحالات، ومن ثم يختلف التقدير والحكم.

ولفت، إلى أنه على هدي من ذلك، فإنه عند تنظيم هذه الممارسات في بيئتنا العربية، تبرز ثلاثة تحديات رئيسية ينبغي التعامل معها بعقلانية وتخطيط.

وأوضح فوزي، أن التحدي الأول هو تحد تشريعي، قائلًا: «تحتاج منظوماتنا القانونية إلى تطوير تشريعات واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، سواء في العمل القضائي أو الإداري وتحدد المسئولية الناجمة عن هذا الاستخدام؛ فمن يتحمل المسؤولية عن خطأ أو تحيز خوارزمي؟ هل هي الآلة؟ أم مبرمجها؟ أم الجهة التي اعتمدت استخدامها؟ كما تبرز أهمية حماية البيانات القضائية بوصفها جزءًا من سيادة الدولة القانونية لا يجوز المساس به إلا بضوابط تشريعية دقيقة تضمن الأمان الرقمي للعدالة».

ولفت إلى أن التحدي الثاني، فهو تحدي مؤسسي وبشري، فالتحول الرقمي الشامل لا يقتصر على ميكنة الإجراءات، بل يتطلب بناء قدرات بشرية قادرة على فهم منطق الخوارزميات واحتمالات تحيزها ومخاطرها القانونية والأخلاقية، فإدخال الذكاء الاصطناعي دون تأهيل الكوادر قد ينتج ما يمكن تسميته (أتمتة بلا فهم)، أي استخدامًا شكليًا بلا جودة ولا شفافية، ولذلك يجب أن يصاحب ادخال الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة الإدارية بمشروع للتثقيف والتدريب وبناء الوعي القضائي للقضاة والمعاونين يقوم  على معرفة آليات عمل الذكاء الاصطناعي ابتداءاً، وفهم منطق الخوارزميات، وقراءة نتائجها نقديًا، لا مجرد تشغيلها آليًا، وعندئذ يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عدد من الملفات منها إدارة القضايا الكترونياً، وتحليل وتصنيف السوابق القضائية، والمساعدة في صياغة الأحكام.

وأوضح وزير الشئون النيابية، أن التحدي الأخير يتمثل في التحدي القيمي والإنساني، فالعدالة الإدارية في جوهرها إنسانية النزعة؛ توازن بين النص والضمير، بين القاعدة والرحمة، بين الخصم القوي والخصم الضعيف، بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، أما الذكاء الاصطناعي، فهو يعمل وفق معادلات احتمالية لا تعرف معنى الإحساس أو التقدير، حيث أن الآلة – مهما بلغت قدرتها الحسابية – لن تستطيع أن تتفهم ملابسات القرار الإداري، وهو ما يتضح معه أن الذكاء الاصطناعي قد يكون ذكيًا لكنه ليس بالضرورة سيكون عادلًا لأن العدالة تتجاوز المنطق إلى الضمير الإنساني.

وقال: لهذا، يجب أن تبقى اليد العليا للإنسان، وأن تظل الخوارزمية أداةً خاضعة للرقابة لا حَكَمًا في مصائر الناس، وأن نحافظ على أن تبقى العدالة إنسانية المضمون، رقمية الوسيلة، وأن يكون الذكاء الاصطناعي خادماً للعدالة لا متحكماً بها.

تطوير منظومة العدالة والتحول الرقمي

وأشار إلى أن مصر قطعت شوطاً مهماً في تطوير منظومة العدالة والتحول الرقمي، بتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إدراكاً بأن تحديث القضاء والإدارة هو جزء أصيل من بناء الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون وحسن الإدارة، وانطلاقاً من قناعة راسخة بأن التحول الرقمي ليس هدفاً تقنياً، بل مسار إصلاحي شامل يعزز الشفافية ويصون الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

وأكد، أن العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تكون عادلة إلا إذا ظلت إنسانية في جوهرها، موضوعية في أدواتها، منضبطة في مرجعيتها القانونية.

وقال الوزير: «مسؤوليتنا جميعاً - قضاةً ومشرعين ومسؤولين - أن نؤسس لإطار عربي مشترك ينظم توظيف الذكاء الاصطناعي في الإدارة والقضاء، على نحو يحقق الكفاءة دون الإخلال بضمانات العدالة وحقوق الإنسان، وأن نضمن أن تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا أن يصبح الإنسان خاضعاً لها، بحيث نقيم عدالة رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات، والاستفادة منها لتحقيق الشفافية والسرعة والدقة، دون أن تفقد بعدها الإنساني أو أن يمس باستقلال القاضي».

ووجه فوزي، الشكر والتقدير للاتحاد العربي للقضاء الإداري، ولمجلس الدولة المصري على تنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يشكل منصة رفيعة للحوار والتنسيق وتبادل الخبرات بين الدول العربية، بما يعزز وحدة الفكر القانوني العربي ويجعل من العدالة الإدارية الذكية عنواناً لنهضتنا القادمة.

وأوضح، أن انعقاد هذا المؤتمر في رحاب القاهرة، مقر أقدم مجلس دولة في العالم العربي، يبعث برسالة واضحة بأن العروبة القانونية ما زالت قادرة على التجدد والإبداع، وأن العدالة الإدارية كانت وستبقى ركيزة أساسية في بناء دولة القانون في منطقتنا.

عاجل