تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى معجزة لا تنطفئ.. 21 دقيقة من الدهشة

فى مشهد مهيب يتكرر مرتين كل عام، فى 22 فبراير و22 أكتوبر، تتسلل أشعة الشمس الذهبية عبر أروقة معبد أبو سمبل لتستقر على وجه الملك رمسيس الثانى داخل قدس الأقداس، وكأنها تعيد إليه الحياة لبرهة قصيرة من الزمن.
ظاهرة تعامد الشمس، واحدة من أعجب وأدق الظواهر الفلكية فى التاريخ الإنسانى، ودليل لا يُخطئ على براعة المصريين القدماء في علم الفلك والهندسة والرمز الديني.
فخلال دقائق محدودة، تمتد الأشعة لتضيء وجوه ثلاثة تماثيل من أصل أربعة المعبود رع- حوراختي، وآمون رع، ورمسيس الثاني نفسه، بينما يظل وجه بتاح، إله الظلام والعالم السفلي، غارقًا في الظل، في مشهد رمزي يجمع بين النور والإله والعظمة الإنسانية.
يوم ميلاد وتتويج الملك دقة لا تعرف المصادفة
لم تكن تلك الدقة الفلكية الرهيبة وليدة الصدفة، بل ثمرة معرفة المصري القديم بحركة الشمس والكواكب، وإلمامه العميق بتقويم الفصول ومواسم الزراعة والاحتفالات الدينية.
ويعتقد علماء الآثار أن يومي التعامد يوافقان ميلاد رمسيس الثاني ويوم تتويجه على العرش، في رمز مزدوج للحياة والخلود، ولأن الملك في العقيدة المصرية هو ظل الإله على الأرض، كان لابد أن يحتفي به الكون نفسه مرتين كل عام، في مشهد لا تصنعه سوى حضارة آمنت بالنظام الكوني قبل آلاف السنين.
رحلة الضوء داخل المعبد 21 دقيقة من الدهشة
يقول الأثري الدكتور عبد المنعم سعيد إن الظاهرة تبدأ في تمام الساعة 6:21 صباحًا، وتستمر 21 دقيقة حتى 6:42، وهي المدة التي تقطع فيها أشعة الشمس نحو 60 مترًا داخل المعبد، مرورًا بصالة الأعمدة حتى تصل إلى قدس الأقداس.
هناك، تتشكل حزمة من الضوء تنساب فوق وجه تمثال رمسيس الثاني، ثم تتسع لتملأ المكان نورًا دافئًا ينعكس على وجوه الآلهة الثلاثة، كأن المعبد كله يستيقظ على تحية الشمس للملك والإله.
ويضيف الدكتور سعيد أن هذه الظاهرة لغز علمي وهندسي لا يزال يبهر علماء الفلك حتى اليوم، وأنها كانت تقع قديمًا يومي 21 فبراير وأكتوبر، قبل أن تتغير إلى 22 من الشهرين بعد نقل المعبد عام 1963 أثناء مشروع إنقاذ آثار النوبة، حين جرى رفع المعبد 63 مترًا بعيدًا عن موقعه الأصلي.
مهرجان الضوء الذي يجذب العالم
من الناحية السياحية، يرى عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير أن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني يمثل فرصة سنوية نادرة للترويج لمصر كوجهة ثقافية فريدة لا نظير لها.
ففي كل عام، يتوافد الآلاف من السياح من مختلف دول العالم إلى أبو سمبل لمشاهدة لحظة التعامد، لكن كما يشير حسين عبد البصير فإن الاستفادة السياحية والإعلامية من الحدث لا تزال محدودة مقارنة بما يمكن تحقيقه.
ويقول، يمكن أن يكون هذا الحدث الفلكي نقطة انطلاق لبرنامج وطني متكامل يجمع بين الآثار والفلك والسياحة الثقافية، عبر تنظيم مهرجان فلكي عالمي في أبوسمبل، يضم محاضرات علمية وعروضًا موسيقية وفنية مستوحاة من التراث النوبي والمصري القديم.
إن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني ليس مجرد مشهد سياحي مدهش، بل هو رسالة من الحضارة المصرية القديمة إلى العالم الحديث، تؤكد أن المصري القديم كان عالمًا وفيلسوفًا وفنانًا في آنٍ واحد، وأن مصر لا تزال قادرة على إبهار العالم كما أبهرت الإنسانية قبل آلاف السنين.