رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ذكرى رحيل «ملك الموسيقى».. بليغ حمدي ألحان خالدة على أوتار العود

نشر
بليغ حمدي
بليغ حمدي

تحل علينا اليوم الجمعة، ذكرى رحيل الموسيقار الكبير بليغ حمدي، أحد أبرز أعمدة الموسيقى العربية في القرن العشرين، وصاحب المدرسة المتفرّدة التي جمعت بين الأصالة والتجديد، النغمة الباقية في قلب كل عشاق الفن، وعبقري الألحان الذي ترك بصمته على تاريخ الأغنية العربية الحديثة.

وُلد بليغ عبد الحميد حمدي سعد الدين مرسي في حي شبرا العريق بالقاهرة يوم 7 أكتوبر 1931، نشأ في بيت يزاوج بين العلم والفن؛ والده كان أستاذًا للفيزياء ويعزف على البيانو، فيما كانت أجواء المنزل عامرة بجلسات موسيقية ضمّت كبار الملحنين مثل زكريا أحمد والقصبجي، ومنذ طفولته أبدى ولعًا بالموسيقى، فتعلم العزف على العود وهو في التاسعة من عمره، وأهداه والده عودًا خاصًا في سن العاشرة، ليبدأ رحلة عشق مع الأوتار استمرت طوال حياته.

في عام 1954 ظهر اسم بليغ حمدي  للمرة الأولى كمطرب حين بثّت الإذاعة المصرية أغنية بعنوان "قلبي من الشوق يا جميل سهران"، لكنه سرعان ما وجد طريقه الحقيقي في التلحين، وكانت أغنية "ليه لأ" لفايدة كامل بداية انطلاقته، تواصلت بعدها نجاحاته في بيروت ودمشق، حيث لحّن خلال أربعة أشهر 22 أغنية لمطربي سوريا ومطرباتها، ثم عاد إلى القاهرة ليثبت نفسه كواحد من أبرز الملحنين.

عام 1960، أصبح أصغر من لحن لكوكب الشرق أم كلثوم حين قدّم لها أغنية "حب إيه"، لتغني له لاحقًا 11 عملًا، مثّل لقاء أم كلثوم وبليغ بداية عهد جديد، ليس في تجربتهما وحدهما، بل في مسيرة الموسيقى العربية كلها.

كما تعاون مع معظم عمالقة الطرب العربي، فلحن لعبد الحليم حافظ 31 أغنية، ولوردة الجزائرية أكثر من 80 عملًا، ولشادية حوالي 20 أغنية، ولفايزة أحمد، صباح، نجاة الصغيرة، محمد رشدي، سميرة سعيد، ميادة الحناوي، هاني شاكر، سيد النقشبندي، علي الحجار، عفاف راضي، وغيرهم، حتى تجاوز رصيده 1500 لحن.

لم يكن بليغ حمدي مجرد ملحنا للأغنية العاطفية، بل رائدًا في التجديد الموسيقي؛ أدخل إيقاعات جديدة على الأغنية العربية، وابتكر في المزج بين القوالب الشرقية والغربية، فقدّم بليغ حمدي أغانٍ مستوحاة من التراث مثل «أنا كل ما أقول التوبة» و«سواح» لعبد الحليم حافظ، و«آه يا أسمراني اللون» لشادية، كما كان من أوائل من أدخلوا الكورس كعنصر درامي مؤثر في الأغنية.

تنوعت ألحانه بين القوالب الغنائية المختلفة: ففي العاطفية لحّن «بعيد عنك» و«سيرة الحب» لأم كلثوم، وفي الوطنية برز في «عدى النهار»، و«عاش اللي قال» لعبد الحليم، و«يا حبيبتي يا مصر» لشادية، و«على الربابة» لوردة الجزائرية، أما في الديني فقدّم تجربة رائدة مع الشيخ سيد النقشبندي في «مولاي».

كما أسهم في المسرح الغنائي بتقديم نحو سبعة أوبريتات منها «جميلة»، «مهر العروسة»، «الزفة»، «الأرملة الطروب»، «ياسين ولدي»، «تمر حنة» و«حلاق بغداد»، وحصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام 1966، وفي الفلكلور تعاون مع محمد رشدي وعبد الرحمن الأبنودي في أعمال مثل «عدوية»، «ميتى أشوفك»، «على الرملة»، «مغرم صبابة» و«طاير يا هوى».

أما في السينما والمسرح والتليفزيون، فقد وضع الموسيقى التصويرية لأفلام منها «شيء من الخوف»، «أبناء الصمت»، «العمر لحظة»، «مسافر بلا طريق»، «آه يا ليل يا زمن»، و«أضواء المدينة»، وفي المسرحيات «ريا وسكينة» و«زقاق المدق»، وفي الدراما التلفزيونية «أفواه وأرانب» و«بوابة الحلواني» الذي كان آخر ما لحّنه في حياته.

ورغم المجد الفني، لم تخلُ حياته من المحن؛ إذ اضطر إلى الغربة في باريس ولندن في منتصف الثمانينيات بعد أزمة شهيرة، قبل أن يعود إلى مصر عام 1990 حاملًا مشاريع موسيقية كبرى لم يمهله القدر لتحقيقها.

وفي 12 سبتمبر 1993 رحل بليغ حمدي عن عمر ناهز 61 عامًا، بعدما ترك للمكتبة العربية رصيدًا موسيقيًا ثريًا جمع بين مختلف الألوان، فلبّى الأذواق كافة، ورسّخ مكانته كأحد أبرز مجددي الموسيقى العربية في القرن العشرين.

عاجل