رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«هواوي» تنتقم والصين تلحق بركب تطور أشباه الموصلات

نشر
أشباه الموصلات
أشباه الموصلات

خالفت "هواوي" مألوف قطاع الأجهزة الإلكترونية في أسلوب طرحها لهاتفها الذكي الجديد (Mate 60 Pro) في أغسطس. بدل أن تروج للهاتف في حفل تسويق مبهر، اكتفت بأن باشرت بيعه عبر الإنترنت دون ضجيج، حتى أنها لم تكشف عن كثير من خصائصه التقنية. مع ذلك، نفد المعروض منه في غضون ساعات وابتهجت الصين فخراً بالإنجاز الوطني.

يسهل فهم دوافع طرح جهاز (Mate 60 Pro) بهذه الطريقة إن تعاملنا معه كرسالة وجهتها قوة دولية عظمى إلى أخرى أكثر من النظر إليه كمجرد هاتف. فقد استهدفت الولايات المتحدة شركة "هواوي تكنولوجيز" لسنوات في إطار مساعيها لعرقلة التقدم التقني الصيني. وكانت إدارة الرئيس دونالد ترمب أدرجت "هواوي" على قائمة سوداء تسمى قائمة الكيانات، فقلّص ذلك قدرة الشركة على الحصول على التقنية الأمريكية، ودمّر عملياً أعمالها في مجال الهواتف الذكية. ثمّ شدّدت كلّ من إدارتَي ترمب وبايدن ضغوطهما على قطاع التقنية الصيني، وكان آخر ذلك قيوداً على الصادرات أعلنتها وزارة التجارة الأمريكية في أكتوبر 2022.

تزامن طرح (Mate 60 Pro) مع زيارة وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو إلى الصين، التي ألهمت إنتاج موجة ميمز تضمّنت صوراً لها ترفع إبهامها وكأنما تثني على الهاتف، مع عبارة "سفيرة علامة هواوي".

قيود على الصادرات

رأى الوطنيون الصينيون في الهاتف ضربة لرايموندو والولايات المتحدة برمتها، لأنه تضمّن وحدة معالجة مركزية مصمّمة ومصنّعة في الصين، تستخدم تقنية رقائقبقياس 7 نانومتر. (تتمايز الرقائق عبر صغر أبعادها التي تقاس بالنانومتر أو الألف مليون من المتر. وكلّما كان الترانسيتور أصغر، أمكن وضع كميات أكبر منه ضمن رقاقة واحدة، ما يزيد من قوتها. إن سبعة نانومتر أصغر قليلاً من ثلاثة أضعاف حجم شريط واحد من الحمض النووي البشري).

رغم أن رقاقة "كيرين" ليست متطورة بقدر رقاقات 3 نانومتر المستخدمة في تشغيل أجهزة "أيفون" الحديثة الأكثر تطوراً من إنتاج "أبل"، إلا أن القيود على الصادرات ترمي أساساً لإبقاء الصين على بعد 8 إلى 10 سنوات عن الولايات المتحدة على الصعيد التقني، لكن الهاتف أظهر أن شركة صناعة الرقائق "سيميكوندكتر مانوفاكتشرينغ إنترناشيونال" (Semiconductor Manufacturing International) أو (SMIC) في شانغهاي وهي شريكة "هواوي"، ربما لا تبعد إلا أربع سنوات عن التقنية الأمريكية. وقد رفضت (SMIC) التعليق في حين لم تستجب "هواوي" إلى طلبات التعليق.

بعد سنوات من التصعيد، بلغ الصراع بين الولايات المتحدة والصين لحظة حاسمة. إذ يُتوقع أن تحدّد إدارة بايدن هذا الخريف الصيغة النهائية لقيود الصادرات وتوسّع قائمة التقنيات الأمريكية التي تسعى لمنعها من الوقوع في أيدي زبائن صينيين.

كما فرضت بكين حديثاً قيوداً على استخدام "أيفون" في بعض الشركات والهيئات المدعومة من الدولة، في خطوة وصفها مجلس الأمن القومي الأمريكي بـ"ردّ فعل عدائي وغير مناسب ضد الشركات الأمريكية". ترسل الصين عبر استعراض قدرتها على صنع أشباه الموصلات محلياً رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن جهود واشنطن للحفاظ على تفوقها التقني تتداعى.

الصراع الحقيقي من حيث الهدف ليس على الأجهزة الذكية، بل على التطبيقات ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل الذكاء الصناعي والحوسبة الفائقة، بما فيها التقنيات ذات الأغراض العسكرية. وقالت ريفا غوجون من مجموعة "روديوم" (Rhodium) الاستشارية: "إذا كانت هذه الرقائق تصل إلى يد (هواوي) لتستخدمها في الهواتف الذكية، فإلى أين يمكن أن تصل أيضاً؟".

ما يزال الوضع معقداً بالنسبة لكلّ من بكين وواشنطن. ففي الصين، يُنظر إلى العقوبات الأمريكية على أنها تهديد مستمرّ. أمّا في الولايات فتزداد المخاوف من أن ترتد سياساتها عليها عكسياً، فيما يتلكأ كثير من حلفاء أميركا الأساسيين بشأن الانضمام إلى مساعيها لعزل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

تقنيات متباينة

تواجه حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ عائقاً رئيسياً هو افتقارها إلى أجهزة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية الشديدة التي تعدّ الأكثر تطوراً في مجال صناعة الرقائق. تعمل هذه الآلات من خلال توجيه أشعة فوق بنفسجية بطول موجات لا يستشعرها البشر نحو قواطع السليكون المعالجة لحفر الأنماط اللازمة لصنع أشباه الموصلات المتقدمة. لقد استغرق تطوير مثل هذه الآلات عقوداً وكلّف مئات ملايين الدولارات، ويقتصر إنتاجها على شركة واحدة هي "إيه إس إم إل" (ASML) القابضة في هولندا، التي يُحظر عليها بيعها لأي زبائن صينيين، في حين أن قدرة بكين على صنع بدائل محلية قريباً موضع شك.

تمكنت شركات صينية من شراء أجهزة طباعة حجرية بالأشعة فوق البنفسجية العميقة التي تعمل بشكل مشابه للأجهزة فوق البنفسجية الشديدة، ولكنها تستخدم أشعة موجاتها أطول، وتنتج بالتالي رقائق أقلّ تطوراً. وقد نجحت الشركات بالدفع بهذه الآلات نحو صنع منتجات متطورة نسبياً، مثل رقاقة هاتف (Mate 60 Pro) الرئيسية، ولكن لم يتضح بعد إلى أي مدى يمكن لشركات الصين أن تتقدّم.

كشفت إدارة بايدن عن قرارها بتقييد الصادرات في العام الماضي، قبل أن تستقطب حلفاء مثل هولندا واليابان لينضموا إلى خطتها. تمكّن زبائن صينيون من تخزين المعدات اللازمة من (ASML) و"كانون" (Canon) و"نيكون" (Nikon), إلا أن الصين لم تعد قادرة على استغلال هذه الثغرة هذا العام، بالتالي سيصبح تشغيل الأجهزة العاملة بالأشعة فوق البنفسجية العميقة أصعب، مع توقف الشركات عن مدّ الصين بالخدمات والصيانة.

سيزيد ذلك من التحديات التي تواجهها الشركات الصينية التي تتخبط سعياً لأن تلحق بركب التطوّر. فثمة احتمال أن تكون (SMIC) صنعت عدداً محدوداً من الرقائق بقياس 7 نانومتر كاستعراض للقوة، رغم أنها لم تتوصل بعد إلى صناعتها بكميات ضخمة وبطريقة مستدامة اقتصادياً. قالت رايموندو في شهادة أمام الكونغرس في 19 سبتمبر إن الولايات المتحدة لا تملك أي أدلة تشير إلى أن الصين قادرة على صنع المكوّنات الأساسية لهواتف "هواوي" بكميات ضخمة. إلا أن محللين، مثل ديلان باتيل من شركة "سيماي أناليسيس" (SemiAnalysis) يبدون أكثر تفاؤلاً حيال القدرات الصينية في مجال صناعة الرقائق. قال: "لا سبب يمنعهم من إنتاج مئات الملايين منها"، يُتوقع أن تطرح "هواوي" 40 مليون هاتف يحتوي على رقاقة (SMIC) في السوق العام المقبل. حسب الشركة البحثية "أي دي سي" (IDC)، فإن مجمل قطاع الهواتف الذكية حول العالم طرح 1.21 مليار وحدة في السوق عام 2022.

عاجل