رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

النهج الأمريكي الجديد تجاه فنزويلا يؤتي ثماره

نشر
الرئيس الفنزويلي
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو

التقى نائب رفيع المستوى من نواب رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو بزعيم مجموعة من أحزاب المعارضة في أواخر نوفمبر بفندق في مكسيكو سيتي ليعلنا في صباح ذاك السبت التوصل لاتفاق من شأنه السماح بتدفق مليارات الدولارات من الأموال المجمدة واستخدامها في إعادة بناء البنية التحتية المتداعية في البلاد.

باركت إدارة الرئيس جو بايدن اتفاق الخصوم على الفور وخففت بعد ساعات قليلة العقوبات فسمحت لشركة "شيفرون" الأمريكية بضخ مزيد من نفط فنزويلا.

يمثل الاتفاق دليلاً واضحاً على تغيير استراتيجية واشنطن وحلفائها في فنزويلا تجاه مادورو، الزعيم المستبد الذي كان يتعرض لازدراء شديد قبل سنوات قليلة لدرجة بلغت إعلان إدارة ترامب عن مكافأة 15 مليون دولار لقاء اعتقاله، كما فرضت عقوبات على إدارته.

بدأ مبعوثو بايدن في مارس محادثات مع حكومة مادورو بعد سنوات من المحاولات الأمريكية الفاشلة لتغيير النظام وذلك بعد فترة وجيزة من حظر واشنطن لواردات الطاقة الروسية رداً على غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.

مهدت المحادثات الطريق لتبادل السجناء في أكتوبر لكن الولايات المتحدة أبلغت مادورو بضرورة استئناف المفاوضات مع المعارضة كشرط للحصول على مزيد من الامتيازات مستقبلاً.

يرجع التقارب نسبياً إلى رغبة إدارة بايدن ببذل جهود مضاعفة للحد من اضطراب سوق النفط وارتفاع الأسعار. رغم تهالك صناعة النفط الفنزويلية بسبب سنوات من سوء الإدارة، حيث يبلغ متوسط إنتاج النفط نحو 690 ألف برميل يومياً مقارنة بإنتاج أكثر من مليوني برميل يومياً في 2017، ما يزال لدى فنزويلا أكبر احتياطي نفط عالمياً.

تُمثل عودة العلاقات مع كاراكاس اعترافاً ضمنياً بفشل سياسة إدارة ترمب الرامية لإقصاء مادورو ودعم زعيم المعارضة خوان غوايدو.

قالت ريسا غريس تارغو، المحللة لدى مجموعة "يوراسيا" (Eurasia): "أسعار الطاقة العالمية أحد العوامل العديدة المُحركة للسياسة الأميركية تجاه فنزويلا، لكن الخطوة الأخيرة تهدف أيضاً إلى كسر الجمود الدبلوماسي حول جوايدو".

لا يتوقع أحد أن تعيد "شيفرون" ومقرها كاليفورنيا البلاد لسابق مجدها كقوة نفطية أو أن تنجح بتخفيف أزمة الطاقة العالمية، كانت "شيفرون" آخر الشركات الدولية التي لم تتوقف عن ضخ النفط من فنزويلا إلا بعد 2019 عندما أوقفت الولايات المتحدة التعامل مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية.

قد تصبح "شيفرون" خلال عام قادرة على زيادة الإنتاج لنحو 200 ألف برميل يومياً من المشاريع الأربعة التي تديرها بالشراكة مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية، لكن الإنتاج الإضافي لن يعوّض نقص الإمدادات نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، التي تصدر نحو 3 ملايين برميل يومياً.

سيكون مادورو أكبر الفائزين فقد كان معزولاً دولياً ، فقبل 3 سنوات وكان الاقتصاد الفنزويلي يُعاني من ركود استمر 7 سنوات وتضخم أتى على قيمة عملتها ما اضطر 7 ملايين للفرار من البلاد خلال فترة ولايته بعدما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي لأقل من رُبع ما كان عليه قبل عقد، لكن مع اقتراب مرور عقد على تولي الزعيم الستيني السلطة، يبقى أسوأ ما في الأمر أنه يبدو أنه سيتخطى الأزمة بسلام.

أصبح مادورو يسافر خارج البلاد كما صافح خلال قمة المناخ الأخيرة في مصر المبعوث الأمريكي جون كيري وتبادل حديثاً ودياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كما أعادت حكومات يسار الوسط المنتخبة حديثاً في أميركا اللاتينية العلاقات مع حكومته، داخلياً، تزخر اليوم شوارع كاراكاس التي ازدحمت من قبل بالمحتجين المطالبين بتنحيه، بمطاعم جديدة وإعلانات لحفلات موسيقية ومتاجر لعلامات تجارية فارهة.

كما انتهى الركود بفضل قرار الحكومة في 2019 بالسماح بتداول الدولار الأميركي إلى جانب البوليفار، كما تشير التوقعات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي 7.6% هذا العام و3.9% في 2023، وفقاً لاستبيان بلومبرج لأراء الاقتصاديين.

أشار لويس فيسينتي ليون، مدير شركة البحوث "داتاناليسيس" (Datanalisis)، ومقرها كاراكاس إلى أن التفاوض مع الولايات المتحدة يساعد مادورو على تحسين وضعه عالمياً، وقال: "تفتح المفاوضات الباب لإعادة تأسيس شكل من أشكال علاقة مع الولايات المتحدة...كما تسهم في عقد اتفاقات سياسية تسمح لمادورو ببعض المرونة السياسية التي تساعده على تعزيز حكومة معترف بها أكثر مستقبلاً.".

يستمر بايدن بعدم الاعتراف بشرعية مادورو زعيماً لفنزويلا في ظل التزوير الذي شاب الانتخابات الرئاسية في 2018، كما يواصل ما بدأه ترامب من دعم رئيس الجمعية الوطنية التي تقود المعارضة، غوايدو (39 عاماً)، الذي تتراجع مكانته داخلياً ودولياً حيث توقفت حكومات حول العالم وكذلك الاتحاد الأوروبي عن الاعتراف به، كما هددت بعض أحزاب المعارضة بسحب دعمها لما يُعرف بالحكومة المؤقتة الشهر المقبل.

يقول مايكل بنفولد، الأستاذ بمعهد دراسات الإدارة المتقدمة في كاراكاس: "الآن يمكن لبايدن تعديل سياسة ترمب الخارجية الفاشلة تجاه فنزويلا وتطبيق سياسة أكثر واقعية تستخدم العقوبات كحافز للتفاوض وليس عقاباً للأبد.".

يَعِد مسؤولو بايدن بتخفيف العقوبات أكثر في حالة استمرار إبرام مادورو اتفاقات مع المعارضة في مكسيكو سيتي، عادت المفاوضات الشهر الماضي بعد توقفها وانسحاب مادورو في أكتوبر 2021 وبعد فشل عدة جولات سابقة بتحقيق إنجاز يُذكر.

تدفع المعارضة والولايات المتحدة مادورو في المفاوضات الحالية نحو تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في 2024، والسماح لترشح بعض السياسيين الممنوعين من الترشح مع دعوة مراقبين أجانب للإشراف على التصويت والعملية الانتخابية.

يرى ستالين جونزاليس، عضو وفد المعارضة، أن التفاوض بالمكسيك يفتح باب للتنازلات الأميركية وتخفيف العقوبات، قال: " المجتمع الدولي مستعد، كما قال دائماً، لتقديم حوافز إذا تحققت مطالب الشعب الفنزويلي".

قال جونزاليس إن الخطوة الأولى تتمثل بالإفراج عن 3 مليارات دولار من الأموال المجمدة في حسابات مصرفية أجنبية لتمويل خطة البنية التحتية.

عقد مادورو مؤتمراً صحفياً نادراً للترحيب بالاتفاقية بعد أيام قليلة من توقيعها، وقال إنها ستستخدم في إصلاح 2300 مدرسة وأجزاء من شبكة الكهرباء وشراء لقاحات وأدوية، لكنه شكك في الوقت نفسه حول مستقبل المحادثات بعدما بدا وكأنما يربط إجراء الانتخابات برفع العقوبات الأميركية، فقد قال: "هل تريد انتخابات حرة؟ عادلة وشفافة؟ ارفع كافة العقوبات".

عاجل