رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

يبني «بيت مصر» في باريس.. وليد عرفة معماري عالمي يؤسس مبانيه بـ «أصول الفقه»

نشر
المعماري العالمي
المعماري العالمي وليد عرفة

- حصل تصميمه لمسجد "باصونة" على جائزتين عالميتين مؤخرًا

- الدكتور أسامة الأزهري استدعاه من لندن لوضع تصور لمسجد "باصونة"

- يعتبر دروس الأزهر التي تلقاها على يد الدكتور على جمعة هي ما ميزته

- لم يكن يتوقع التكريم الرئاسي في منتدى شباب العالم بأسوان

- 11 مكتبا فرنسي طلبوا التحالف معه لتصميم "بيت مصر بباريس"

فاز مؤخرًا بجائزتين عالميتين في فن العمارة الذي يتقنه بحرفية وموهبة شديدة، واستطاع أن يحصد المركز الثاني بجائزة المباني المكتملة إنشاءً في مهرجان العمارة العالمي بالبرتغال، كما فاز بجائزة عبداللطيف الفوزان للعمارة الإسلامية مؤخرًا، عن تصميمه لمسجد "باصونة" بسوهاج.

هو المهندس المعماري العالمي وليد عرفة، أحد أبرز المكرمين من الرئيس عبدالفتاح السيسي في النسخة الثالثة لمؤتمر الشباب، والذي وضع اسم مصر مع 6 دول أخرى حصلوا على جائزة الفوزان للعمارة الإسلامية لهذا العام، وهم" لبنان، وتركيا، والسعودية، وإندونسيا، وبنجلاديش، ومالي."، والذي يتحدث عنه لـ"مستقبل وطن نيوز" قبل ساعات من سفره لفرنسا لمتابعة إشرافه على تصميم وإنشاء "بيت مصر بباريس"....

** رغم عمرك الذي ليس بالكبير.. إلا أنك في فترة صغيرة جدًا وصلت إلى العالمية من هو المهندس وليد عرفة؟

تخرجت من كلية الهندسة- جامعة عين شمس، دفعة 2001، وفي عام 2015 حصلت على شهادة الدراسات العليا في الحفاظ على المباني التاريخية من الرابطة المعمارية" بلندن، وحاليًا أحضر ماجستير في تاريخ العمارة والفن الإسلامي بالجامعة الأمريكية.

وليد عرفة

** ما حصلت عليه من شهادات ومؤهلات علمية متاحة للجميع وحصل عليها الكثير من المهندسين لكن ما الذي ميزك عن الآخرين؟

التعليم الأكاديمي مهم لا شك في هذا، لكن الأهم التعليم بالممارسة، والثقافة، فهناك فرق كبير بين كلمتي "الإنشاء" و"العمارة"، فكلمة "العمارة" أشمل وأعم، "العمارة" هي المعبرة عن المجتمع، فإذا كانت عمارة المجتمع غير جيدة، فلن يكون المجتمع جيد، والعكس صحيح، والثقافة جاءت من الجامع الأزهر والدراسة الحرة التي تلقيتها بين أعمدته على يد الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق.

وليد عرفة أثناء العمل

** ما علاقة دراسة الدين والأمور الفقهية بفن العمارة والهندسة؟

علوم الدين ليست أمورا دينية بحتة، فهي علوم شاملة جميع مناحي الحياة، لأن الدين نفسه هو طريقة حياة، فمثلاً علم "أصول الفقه"، علم يعلمك تختار بين أشياء مختلفة مع نظرة بعيدة المدى فيما يخص مآلاتها، وهذا هو فكر ولب "فن العمارة"، فمثلا إذا كان عندك قطعة أرض فضاء، وتريد أن تشيد عليها منزل، -فن العمارة- فهذه مسألة -كما نقول في علم نظرية العمارة- لها عدد لا نهائي من الحلول، ويتلخص عمل المعماري في إيجاد الحل الأمثل والأنسب من بين كل تلك الحلول.

وليد عرفة في احد الدروس الدينية مع الدكتور على جمعة والدكتور أسامة الأزهري

** ما الذي يميز معماري عن آخر؟

المعماري الذي ينتبه إلى ما يسمى بالمشخصات، والتي تشمل الزمان والمكان، فالقدرة على فهم المشخصات؛ والتي تشمل الزمان والمكان والأحوال والأشخاص (المعماري والعميل)، وبالتالي يعرف متى يرفع تلك المشخصات ليصل إلى التجريد ويميز بين الثوابت والمتغيرات في كل مسألة أو مشروع معماري جديد، هي في نظري العلامة الفارقة.

فيمكن اليوم المعماري يعرف أن يبني بشكل معين، وبعد 10 سنوات في نفس المكان يبني بطريقة آخري لكونه تعلم علوما جديدة، وبالمناسبة هذا مرتبط بعلوم "أصول الفقه"، مع تغير موضوع البحث لكن طريقة البحث واحدة.

** هل درجة الثقافة تفرق في عمل معماري عن آخر؟

بالطبع درجة تثقيف المعماري، وإلمامه واطلاعه على مختلف العلوم تفرق في شكل وطريقة عمله، فأنظر إلى المعمارين المخلد أسمهم في تاريخ العمارة تجدهم جميعهم كانوا على درجة كبيرة من الثقافة والوعي، مثل المعماري الرائع حسن فتحي، أما إن تجرد المعماري من الثقافة فيكون قد تحرد أيضا من صفة المعماري وصار مجرد "منشيء".

وليد عرفة

** ما المطلوب بشكل دائم من المعماري؟

أن يظل في حالة إطلاع، والأهم أن يكون لك صداقات حقيقية ممتدة في كل مجال، حتى يتعرف من خلالها على أحدث ما وصل إليه العلم في مختلف فروعه، والجديد في كل هذه المجالات، وأن يتتلمذ على عدد من الأساتذة في تخصصات مختلفة. وهذا هو الذي وفقني الله إليه من أساتذة في قيمة وقامة الدكتور على جمعة والدكتور أسامة الأزهري والفنان الدكتور أحمد مصطفى وعالم الطب النفسي الدكتور مصطفى بدوي وغيرهم.

** هل نعتبر انطلاقتك الحقيقية من مسجد "باصونة" بسوهاج، أم "بيت مصر" في باريس، أم مكتبة مكة، أم الترنيمة الجنائزية؟

كل مشروع وله قصة وحكاية مختلفة، وأضاف خطوة في المشوار المهني، عقب تخرجي في 2001 عملت مع المعماري العالمي طارق أبو النجا في "نجا استوديو" والذي صمم ونفذ بنفسه عملا معماريا فنيا متعدد الوسائط بعنوان "الترنيمة الجنائزية" كعمل افتتاحي لفراغ العرض الفني الكائن في مبنى الفلكي الجديد بالجامعة الأمريكية، وهذا العمل المعماري له قصة، ففي وقت بناءه شهد العالم حادثين هزا ضمير الإنسانية؛ الأول استشهاد الطفل محمد الدرة وهو في حضن والده على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والثاني تفجير برجي التجارة العالميين، وكان هذا العمل يستعرض هذين الحدثين ويناقشهما من خلال التعبير المعماري. ولشدة تعقيد العمل لم يستطع العمال تنفيذه فكنت مع 6 خريجين جدد ننفذ هذا العمل بأيدينا بقيادة المعماري طارق أبو النجا.

وليد عرفة يعمل بيديه

** ما أكثر شيء يضايقك في مهنتك؟

السلوكيات المتراخية لدى الكثير من العاملين في مجال البناء سواءا أكانوا مهندسين أو فنيين أو عمال، وهذا على خلاف ما يثبته التاريخ لنا من قدرة باهرة لدي العامل المصري منذ فجر التاريخ، والذي كان يبني بحب وإتقان، وأكثر ما كان يضايقني عندما كنت أجد عمل غير منضبط، فأعاتب العامل، فيقول لي: "نحن في مصر"، فيكون ردي هذه ليست مصر هذا استهتار منك، مصر من  أكثر من 7 آلاف سنة بنت الأهرامات، بنسبة خطأ تقارب "الصفر".

** ما هي أبرز المحطات الأخرى في حياتك؟

لقائي وتعرفي في لندن على الفنان المصري أحمد مصطفى، هذا الفنان كبير الموهبة، التي طلبت منه ملكة بريطانيا أن يقوم بعمل فني مخصوص حتى تهديها إلى البرلمان الباكستاني، وهو أول فنان عربي مسلم يقام له معرض فني في الفاتيكان، ويفتتحه بابا الفاتيكان، والذي فك شفرة نظرية الخط المنسوب لابن مقلة واستنتج منها نظرية متكاملة في علم الجمال من وجهة نظر الاسلام، فهذا أحد من تعلمت منهم.

وليد عرفة مع الدكتور على جمعة

** ما هي قصة جامع "باصونة"؟

في عام 2015 كنت بحضر الدراسات العليا في الحفاظ على المباني التاريخية بلندن، وطلب منى وقتها الدكتور أسامة الأزهري، أن أعود لمصر لمعاينة مسجد "ال أبو ستيت" بقرية باصونة، مركز المراغة، بسوهاج، ووضع تصور إما لترميم النسخة الثانية من هذا المسجد والتي كان عمرها وقتذاك ٧٠ عاما أو إعادة تصميمه وبناءه بشكل أفضل. زرت القرية وكتبت تقرير مفصل عن المسجد كانت خلاصته أفضلية إعادة التصميم والإنشاء.

** ما هو تقريرك الذي كتبته عن مسجد "باصونة"؟

لم يكن هناك أي نوع من أنواع القيمة الملموسة أو المعنوية التي تبرر الحفاظ على تلك النسخة السبعينية من المسجد مع كثرة مشاكلها من ناحية السلامة الانشائية وسلامة المستعملين خصوصا من خطر الحريق حيث كانت بعض الاسقف مصنعة من مواد عضوية قابلة للاشتعال، إضافة إلى وجود المراحيض في مدخل الجامع مطلة على الشارع وفي اتجاه القبلة وغير ذلك مما يعيب المباني عموما والمساجد خصوصا، فقررت أن أمتثل لما طلبه الأهالي أصلا من استكمال هدم أنقاض الجامع، ليبنى من جديد، لكن كيف يتم البناء؟
في هذا المسجد أخرجت كل ما تعلمته من دراستي، وما تعلمته في الجامع الأزهر علي يد الدكتور على جمعة، وما عرفته من الدكتور أسامة الأزهري، وما تعلمته من الفنان أحمد مصطفى، كل مخرجات حياتي في تلك اللحظة ظهرت في تصميمي لهذا المسجد.

** كم من الوقت احتجته حتى يخرج مسجد "باصونة" بهذا الشكل الجمالي؟

التصميم استغرق 6 شهور، والبناء وصل لعامين، وانتهيت منه في يناير 2019.

مسجد باصونة

** ما هو سبب تكريمك في النسخة الثالثة لمؤتمر شباب العالم من الرئيس عبد الفتاح السيسي؟

أعتقد أنه بسبب ترشحنا لجائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد،  وكوننا المعماريون المصريون الوحيدون الذين دخلوا القائمة القصيرة للجائزة، والخبر سمع بشكل إعلامي كبير، ففوجئنا بعدها بتكريمنا في مؤتمر الشباب في أسوان، وهذا التكريم الحقيقة كان له وقع مهم ومؤثر بالنسبة لنا، ورسالة تقول أن أي إنسان يحصل على ما يستحق من تكريم بقدر إتقانه لعمله.

** "بيت مصر في باريس".. كيف رشحت لوضع تصميماته؟

يوجد في باريس مدينة منذ عام 1920، يطلق عليها "المدينة الجامعية الدولية بباريس"، للأسف مصر لم يكن لها بيت داخل تلك المدينة مثل باقي الدول، الرئيس عبدالفتاح السيسي طلب من الرئيس الفرنسي في أخر زيارة له لمصر أن يكون لمصر بيت داخل تلك المدينة، ويخصص لها قطعة أرض، ونشر خبر عن مسابقة لوضع تصميم لذلك البيت في الصحف المصرية والفرنسية، لكن أنا علمت موضوع المسابقة من 11 مكتب هندسي فرنسي، وجدتهم يتصلون بي ويطلبون التحالف مع مكتبي لوضع تصميمات هذا البيت، لأن المسابقة تشترط أن يكون بها جانب مصري وفرنسي.

وزير التعليم العالي أثناء تفقده بيت مصر بباريس

** هل كانت المنافسة شرسة؟
أكثر من 60 تحالف مصري وفرنسي قدموا في المسابقة، دخلنا المنافسة، وتم التصفية حتى وصلنا القائمة القصيرة، التي تضم 5 تحالفات، وفي النهاية فزنا بالتصميم، وسوف يتم الانتهاء من الانشاء خلال العام القادم 2023 بإذن الله.

عاجل