رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

المفتي: أحاديث خيرية الجيش المصري صحيحة المعاني والأسانيد ولا مطعن عليها

نشر
مستقبل وطن نيوز

أكد الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: أن المقولات المشككة في خيرية الجيش المصري العظيم لم تتردد إلا بعد أحداث ثورة يونيو 2013، فالجيش المصري العظيم انحاز لإرادة شعبه في جميع التغيرات السياسية، وهذا الانحياز لم يعجب البعض فأخذ يشكك في وطنية الجيش المصري الذي يقف بجانب الشعب على مدار التاريخ، فضلًا عن أن هؤلاء المتطرفين كانوا يستشهدون بهذه الأحاديث قبل ثورة 30 يونيو؛ مما يدل على افتقادهم للصدق والمنهجية، مضيفا وأن هؤلاء يرددون كلامًا باطلًا من الناحية العلمية والواقعية، وعلى المصريين أن ينفضوا عن أنفسهم كل هذه الأكاذيب التي ليس لها أساس من الصحة.

وقال مفتي الجمهورية- في تصريحات الليلة- إن تشكيك هؤلاء المتطرفين في الأحاديث النبوية المذكورة في خيرية الجيش المصري والأحاديث التي وردت في فضله لا أساس له من الصحة، وأن هذه الأحاديث صحيحة المعاني والأسانيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا مطعن على مضامينها بوجه من الوجوه، وقد وردت بأكثر ألفاظها في خطبة عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهي خطبة ثابتة مقبولة صحيحة بشواهدها، رواها أهل مصر وقبلوها، ولم يتسلط عليها بالإنكار أو التضعيف أحد يُنسَب إلى العلم في قديم الدهر أو حديثه، ولا عبرة بمن يردُّها أو يطعن فيها في هذه الأزمان هوًى منه أو جهلًا.

وأضاف مفتي الجمهورية، أن الأدلة التي يتخذها هؤلاء مبررًا لإعلان حرب مفتوحة ضد الأبرياء والآمنين، ومنها الآية المسماة بآية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة قائلًا: "لا يوجد في القرآن الكريم لفظ السيف، ولكن فهم المتطرفون الآية فهمًا خاطئًا من منطلق أنهم يأتون على كل المجتمعات التي لا توافق أفكارهم بالتكفير" مؤكدًا أن تفسير الآية التي يستشهدون بها على ذلك وهي قوله عز وجل: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ...} يجب أن يتم بقواعد لغة العرب، ولفظ المشركين الوارد في الآية ليس على العموم، بل يقصد به مجموعة معينة من المشركين المعيَّنين المحددين، بمعنى أن "الـــــ" هنا للعهد وليست للجنس كما يقول العلماء، ولا تفيد العموم، أو يمكن القول بأن لفظ المشركين هو للعموم ولكنه عموم أُريد به الخصوص، فهؤلاء الناس المخصوصون المحدودون الذين يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمهم المسلمون هم هؤلاء الذين ورد النص بخصوصهم ولا ينسحب على كل إنسان بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال بعد هذه الآيات: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]".

وقال مفتي الجمهورية:" إن تفسير القرآن يجب أن يتم في إطار كلي متكامل، وفي إطار تاريخ الرسول الكريم وسيرته، ونلاحظ أن غير المسلمين كانوا موجودين في مكة على عهده، وكذلك فقد أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى الحبشة وهي بلد غير مسلمة، وفى عهده أيضًا لما قدم المسلمون المدينة كان هناك غير مسلمين كاليهود وغيرهم.

وأوضح مفتي الجمهورية، أنه لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورًا بقتل كل أحد كما يفهم هؤلاء المتطرفون خطأ لأُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل أحد، ولكنه لم يقتل كل أحد إلا هؤلاء الذين ناصبوه العداء واعتدوا بالفعل، ولكن من كان مسالمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قتله.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى كثرة الآيات التي تدعو إلى التعايش والرحمة والهدنة والمودة، والتي تدل على أن المجتمع في مساحة كبيرة من الحرية ولا يجوز أن يُكره على الإيمان، فضلًا عن أن يُقتل من أجل ذلك لأنه غير مسلم، منها قوله عز وجل: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وغيرها من الآيات التي لم يفهمها المتطرفون التي ضيَّقت دائرة العيش المشترك عندهم.

وفنَّد المفتي، اعتقاد المتطرفين القائل بأن هذه الآية المسماة بآية السيف ناسخة أو مزيلة لأحكام وآيات الرحمة والمودة قائلًا: "هذا غير صحيح مطلقًا لأنها نزلت قبل فتح مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم فَتَحَ مكةَ ومن قبل الفتح صلح الحديبية، وصلح الحديبية كان يُعد فتحًا، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المشركين ولا غير المسلمين في ذلك الوقت، فالثابت أن بعضهم لم يدخل الإسلام بدليل أن أبا سفيان بن حرب لم يزل بعدُ على الشرك، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ».

ولفت مفتي الجمهورية، النظر إلى بعض النماذج التي وقعت أثناء فتح مكة وعززت مبدأ الرحمة والسماحة والعفو، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْيوم يوم المرحمة» ردًّا على قول أحد الصحابة "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ"، بل أن عدد ما قتلهم المسلمون من أعداء على عهد الرسول الكريم لا يتعدى 300 شخص على مدار سنوات طويلة، وربما هذا العدد يقتلهم إرهابي واحد في بعض العمليات الإرهابية في العصر الحاضر.

وعن دعوى بعض الإرهابيين والمتطرفين لاتخاذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبررًا للقتل والتخريب قال المفتي: إن هذا الأمر يطبقه ولي الأمر أو من ينوب عنه بصورة مؤسسية ومنضبطة؛ فالتجربة المصرية رائدة في الحفاظ على الهوية الدينية والحضارية مزامنة مع عدم التخلف عن الأخذ بمقتضيات العصر وما انتهى إليه التطوُّر في تنظيم الدولة الحديثة والاستفادة من مبادئ الشريعة الإسلاميَّة التي يأتي مبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" على رأس أولوياتها، حيث تتم ممارسته وبصورة عملية ومتخصصة عبر المؤسسات التثقيفية والتعليمية والصحية والأجهزة الرقابية والمعلوماتية، والجهات الأمنية والتنفيذية، والمؤسسات التشريعية والقضائية؛ بما يضمن تقويم ومتابعة حركة الناس والمجتمع بشكل دائم ومستمر، ويحول دون شيوع تزييف الحقائق وتشويه الهوية والخروج على قواعد النظام العام وعموم الفساد والانحراف. ولا يخفى أنها مظاهر واضحة تكشف زيف شعارات ومرتكزات أهل التطرف التي تتستر وراء العناوين البراقة واختزال وتحريف الأدلة والمفاهيم الشرعيَّة السامية.

وقال مفتي الجمهورية، إن الفقهاء رأوا أن انتزاع الاختصاصات من ولي الأمر أو منازعته فيها أو القفز فوق سلطاته يُعد من الافتئات عليه، مما جعلهم يَنصُّون على عقوبتها؛ وهذا يعني أنهم اهتموا بحفظ كيان الدولة. أما المتابع لأقوال المجموعات المتطرفة المعاصرة وأفعالهم فيجد أنها انطلقت من قضية التكفير فادَّعوا أنهم وحدهم مَن يفهمون الشرع، وأنهم وحدَهم مَن يطبِّقونه، بل هم وحدهم المسلمون وغيرهم دون ذلك، فهم لم يفهموا النص الشرعي ولم يُحسنوا تطبيقه.

وأضاف مفتي الجمهورية، "أن هؤلاء الإرهابيين فهموا بعض آيات القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ونزعوها من سياقها ولم يعولوا في الحقيقة على الظروف التي قيلت فيها ولا حتى ما جاء بعدها ولا ما قبلها ولا مسلك سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذه أمور ضرورية في فهم النص الشرعي، ومن نماذج الفهم الخاطئ لنصوص السنة وهو حديث "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ...".

وتطبيقًا لهذه القواعد على هذا الحديث قال مفتي الجمهورية: "إن الحديث ثابت، ولكن نريد أن نفهم هذا الحديث في ضوء الألفاظ الواردة فيه أولًا، ثم في ضوء السياق العام لمسلك سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفى التطبيق لهذا الحديث".

وتوقف مفتي الجمهورية، عند ثلاثة ألفاظ في هذا الحديث الشريف وهى: "أُمِرْتُ "، "أُقَاتِلَ"، "النَّاسَ"، فعن أول لفظ وهو "أُمِرْتُ" قال : "يقصد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه المخاطب، ولم يأتِ بلفظ أُمرنا، أو أمرتكم حتى لا ينسحب الأمر على الأفراد أو الأمة"، وكأن النبي (صلى الله عليه وسلم ) يقعِّد قاعدة وهي أن أمر الحرب شأن من شئون الدولة، بل أضاف مفتي الجمهورية أن القتال لا يكون إلا تحت راية وسلطة الدولة، مشيرًا إلى أن قرار الحرب قرار خطير جدًّا يتخذه ولي الأمر لأنه هو من يقدر الوضع، فليس بيد أحد وإنما بيد الإمام أو الخليفة أو بيد الدولة في معناها المعاصر.

وأوضح مفتي الجمهورية، الفرق بين "أمرت أن أقتل" وبين "أمرت أن أقاتل"، قائلًا: "أقتل هو الأمر بالقتل، أما أقاتل مِن المقاتلة والمشاركة، وهي المفاعلة التي تحدث بين طرفين، فلا بد من وجود طرفين في المسألة"، فالذي يبدأ منهما هو قاتل والثاني هو المقاتل وهو الذي يدفع عن نفسه الاعتداء، فالحديث يشير إلى دفع الاعتداء لا إلى الاعتداء بداية، وهذا الفرق ملموس في استعمالات الناس كأمر المحكمة لمنفذ حكم الإعدام بقتل فلان وليس قتال أو مقاتلة فلان. وكذلك الفرق بين القتل والمقاتلة معروف في استعمالات الجيش المصري بوصف الجندي بأنه مقاتل وليس قاتلًا؛ أي إنه يدفع كل اعتداء على وطنه وحدوده.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن تفسير الأدلة الشرعية يجب أن يتم من خلال فقه لغة العرب، كلفظ "الناس" الوارد في حديث: «أُمرت أن أقاتل الناس...» بأنه ليس على العموم، بل إن "الــــ" فيه للعهد أي الناس المعهودين، ويُفهم من الحديث أنه نزل في مجموعة معينة من الأشخاص المعيَّنين، وليس كل أحد، وهذا هو الفهم الصحيح، بمعنى أن "الـــــ" هنا للعهد وليست للجنس كما يقول العلماء، ولا تفيد العموم، فهؤلاء الناس المخصوصون المحدودون الذين يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمهم المسلمون هم هؤلاء الذين ورد النص بخصوصهم ولا ينسحب على كل إنسان بدليل أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله الكريم بأنه لو جاء أحد من المشركين يستجيره فلا يقاتله، بل يبلغه مبتغاه كما في قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]".

واختتم مفتي الجمهورية تصريحاته قائلًا: إن مسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تؤكد أنه لم يبدأ بالقتال في مكة ولا غيرها، بل لم يثبت أنه فعل ذلك في المدينة ولم يفعل ذلك الصحابة في الآفاق التي انطلقوا إليها، ولم يفهم الصحابة ولا التابعون ولا أصحاب المذاهب الفقهية أي فهم آخر للثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

عاجل