استحوذت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا على عناوين صحف القاهرة الصادرة اليوم الثلاثاء، حيث سلطت الضوء على النشاط الواسع الذي قام به الرئيس السيسي هناك، والذي شمل عقد عدة لقاءات مع المسؤولين الفرنسيين، على رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، وعمدة باريس آن هيدالجو.

وأبرزت صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" إعراب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن التطلع لمزيد من انخراط فرنسا عبر آليات مؤسساتها التنموية المختلفة في أولويات خطط التنمية المصرية بمختلف المجالات، فضلاً عن العمل على مضاعفة حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر، ودفع عجلة التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خاصةً في ضوء الإصلاحات التي دشنتها الحكومة المصرية لتحسين البيئة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار والأعمال في مصر، وكذلك الفرص الواعدة المتاحة بالمشروعات القومية الكبرى.

جاء ذلك خلال لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقصر الإليزيه في العاصمة الفرنسية باريس.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي بأن الرئيس الفرنسي رحب بزيارة الرئيس السيسي لباريس، مثمناً الروابط الوثيقة بين مصر وفرنسا، والزخم غير المسبوق الذي تشهده العلاقات بين البلدين الصديقين بشكل ملحوظ مؤخراً، لاسيما على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية، مؤكداً أن مصر تعد أحد أهم شركاء فرنسا بالشرق الأوسط في ظل ما تمثله من ركيزة أساسية للاستقرار والأمن بالمنطقة.

وأعرب الرئيس السيسي عن تقديره للقاء الرئيس الفرنسي، مشيداً بالطفرة النوعية التي تشهدها العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا في المجالات كافة، مؤكداً تطلع مصر لتعظيم التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة وتعزيز التنسيق السياسي وتبادل الرؤى بشأن مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك.

من جهته، أكد الرئيس ماكرون حرص فرنسا على دعم الإجراءات الطموحة التي تقوم بها مصر في المجال الاقتصادي والتنموي، لاسيما من خلال زيادة الاستثمارات ونقل الخبرات والتكنولوجيا وتوطين الصناعة الفرنسية، أخذاً في الاعتبار إشادات المؤسسات المالية الدولية بأداء الاقتصاد المصري الذي حقق أعلى معدل نمو في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية لعام 2020.

وأضاف المتحدث أن اللقاء تناول سبل تعزيز أطر التعاون الثنائية بين البلدين على مختلف الأصعدة، بما فيها جهود تعزيز التعاون العسكري والتسليح والتدريب وتبادل الخبرات الفنية وإجراء المناورات المشتركة، بالإضافة إلى جذب السياحة الفرنسية إلى المقاصد المصرية، وزيادة التبادل التجاري بين مصر وفرنسا، فضلاً عن تعظيم التعاون المشترك مع الجانب الفرنسي في تطوير منظومة التعليم الفني والمهني في مصر، ونقل الخبرات الفرنسية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والأمن السيبراني.

وأشار المتحدث إلى أن المباحثات تطرقت كذلك إلى استعراض سبل تنسيق الجهود مع مصر كشريك رائد للاتحاد الأوروبي في عدد من الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفى مقدمتها الأزمة في ليبيا، خاصةً في ضوء الجهود المصرية الحثيثة لدعم المسار السياسي الليبي، من خلال العديد من الفعاليات التي استضافتها مصر بدايةً من إطلاق إعلان القاهرة، ومروراً بعقد لقاءات مكثفة مع رموز الشرق والغرب الليبيين، إذ تم التوافق حول تضافر الجهود المشتركة بين مصر وفرنسا سعياً لتسوية الأوضاع في ليبيا على نحو شامل ومتكامل يتناول جوانب الأزمة، وبما يسهم في القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة ومؤسساتها الوطنية، ويحد من التدخلات الخارجية.

ونوه بأنه تم التطرق أيضاً لآخر مستجدات الأزمة السورية، خاصةً سبل الدفع بالحل السياسي لتسوية الأزمة، حيث أكد الرئيس في هذا الصدد موقف مصر الداعم للحل السياسي في سوريا بما يحفظ كيان ووحدة الدولة السورية وسلامة أراضيها.

وأشار المتحدث إلى أن الجانبين ناقشا كذلك تطورات الأوضاع في لبنان، في إطار نتائج المؤتمر الثاني لدعم الشعب اللبناني المنعقد مؤخراً بمبادرة مشتركة بين فرنسا والأمم المتحدة، إذ تم التوافق حول أهمية استمرار جهود المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته.

وأوضح أنه تم التباحث حول سبل مكافحة الفكر المتطرف وخطاب الكراهية في ضوء التوترات الأخيرة بين العالمين الإسلامي والأوروبي، إذ أكد الرئيس السيسي إدانة كافة أشكال العنف، وضرورة عدم ربط الإرهاب بأي دين أو حضارة بعينها، والفصل الكامل بين الإسلام الذي تؤكد مبادئه على التسامح ونبذ العنف وقبول الآخر وبين أية جماعات إرهابية تتستر خلف الدين لتبرير جرائمها المدانة والمرفوضة، مشدداً في هذا الإطار على أهمية تعزيز جهود نشر الفكر الإسلامي الصحيح والمعتدل في أوساط الجاليات الإسلامية، ورفض أية إساءة للقيم والثوابت والرموز الدينية، ومن ثم أهمية مراجعة القوانين التي تسمح بالمساس وعدم احترام الأديان المختلفة.
وتابع المتحدث أن الجانبين تناولا أيضًا آخر تطورات ملف سد النهضة، إذ اتفق الرئيسان على أهمية كسر الجمود الحالي في مسار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن حول ملء وتشغيل السد، على نحو يراعي مشاغل ومصالح وحقوق الدول الثلاث، وتم التطرق كذلك إلى سبل تعزيز التعاون الثلاثي بين مصر وفرنسا في عدد من الدول الأفريقية، خاصةً في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، وذلك لدفع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها.

وفي السياق ذاته، تناولت صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر وفرنسا تجمعهما علاقات ذات طبيعة استراتيجية وصداقة ممتدة على الأصعدة كافة.

وقال الرئيس السيسي - خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بقصر الإليزيه - إن "أوجه التعاون الثنائي بين مصر وفرنسا شهدت خلال السنوات الماضية خطوات نوعية في جميع المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية".

وأضاف أن "المحادثات مع الرئيس الفرنسي اتسمت بالصراحة والشفافية، وعكست مدى تقارب وجهات النظر بيننا حول الكثير من الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية، حيث استعرضنا وبصورة تفصيلية كافة أواصر التعاون، خاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وكيفية تطويرها لترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة بين بلدينا، والتي شهدت كذلك قوة دفع واضحة في السنوات الأخيرة".

وأوضح الرئيس السيسي أنه تم الاتفاق خلال المحادثات على أهمية العمل المشترك نحو زيادة قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر، والاستفادة من الفرص الكبيرة التي توفرها المشروعات القومية العملاقة في مصر حاليا، بالإضافة إلى ضرورة الدفع قدما لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، وتحقيق التوازن به عبر إتاحة الفرصة لمزيد من نفاذ الصادرات المصرية إلى السوق الفرنسية.

كما تم الاتفاق على تعزيز التعاون في القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، خاصة في مجال التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي والاتصالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتحول الرقمي والصحة والبنية الأساسية.

وأشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أنه خلال المحادثات مع الرئيس الفرنسي، تم استعراض أوجه التعاون العسكري، وسبل تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية بما يعكس الميراث الثقافي والحضاري الكبير للبلدين.

وتابع الرئيس السيسي: "كما ناقشنا أهمية زيادة تدفقات السياحة الفرنسية إلى المقاصد السياحية في الغردقة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان، وذلك في ضوء التدابير الاحترازية المشددة التي تطبقها مصر في تلك المقاصد، والتي جعلت معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد بها تكاد تكون منعدمة".

وفي هذا السياق، أوضح الرئيس السيسي أن مصر تتعامل مع هذا الموضوع والمعدلات، سواء كانت في الموجة الأولى أو الثانية، لافتا إلى أن المعدلات معقولة جدا قياسا بالحالة الموجودة في العالم كله، منوها بأنه في المقاصد السياحية، مثل شرم الشيخ والغردقة، فإن نسب الإصابات تعتبر منعدمة، ولا توجد مشاكل بسبب فيروس كورونا.

وأعرب الرئيس السيسي لنظيره الفرنسي عن إشادته بقرار استئناف الرحلات السياحية بين البلدين اعتبارا من 4 أكتوبر الماضي، مضيفا أنه "في هذا السياق، تبادلنا الرؤى حول التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية لانتشار كورونا، واستعرضت من جانبي الجهود الدؤوبة للتعامل مع هذه الأزمة، حيث نجحت مصر باقتدار في تحقيق التوازن الدقيق بين تطبيق الإجراءات الاحترازية لاحتواء انتشار الفيروس من جانب، واستمرار النشاط الاقتصادي وتفعيل نظام الحماية الاجتماعية لمعالجة الآثار السلبية لهذه الجائحة من جانب آخر، مما جعل مصر واحدة من الدول المعدودة التي استطاعت تحقيق معدلات نمو اقتصادي إيجابية في العالم".

وأكد أن المحادثات مع الجانب الفرنسي كانت فرصة مهمة لتأكيد ضرورة العمل المشترك لتشجيع قيم التسامح والاعتدال والتعايش المشترك بين الأديان والحضارات والشعوب، ومحاربة ظواهر التطرف والإرهاب وكراهية الآخر والعنصرية، بما يساهم في تعزيز الحوار بين أصحاب الأديان والثقافات المختلفة.

وشدد الرئيس السيسي على ضرورة عدم ربط الإرهاب بأي دين، وعدم الإساءة للرموز والمعتقدات المقدسة، وأهمية التمييز الكامل بين الإسلام كديانة سماوية عظيمة وبين ممارسات بعض العناصر المتطرفة، التي تنتسب اسما للإسلام وتسعى لاستغلاله لتبرير جرائمها الإرهابية، لافتا إلى أن "عدد المسلمين يتجاوز المليار في العالم، فإذا كان هناك واحد في المائة منهم أو واحد في الألف هو المتطرف، فهذا يعني أننا نواجه عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من المتطرفين، وهو ما لا يشكل الواقع".

كما شدد على ضرورة التعامل مع مشكلة الإرهاب بهدوء وتوازن، مشيرا إلى أن مصر من أكثر الدول تأثرا بالإرهاب، حيث دفعت ثمنا باهظا للممارسات الإرهابية والمتطرفة باستشهاد العديد من طوائف الشعب، وليس فقط من قوات الأمن.

وأوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي الجهود الجارية لصياغة آلية جماعية دولية للتصدي لخطاب الكراهية والتطرف بمشاركة المؤسسات الدينية من جميع الأطراف، بهدف نشر قيم السلام الإنساني وترسيخ أسس التسامح وفكرة التعايش السلمي بين الشعوب جميعا.

وقال: تضمنت المحادثات حوارا معمقا حول موضوعات حقوق الإنسان والعنصرية والإسلاموفوبيا، في ضوء ما تشهده القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط من تحديات متصاعدة واضطرابات ونزاعات مسلحة، بما يضع على عاتقنا مسئولية كبيرة للموازنة بين حفظ الأمن والسلام والاستقرار الداخلي من جهة، والحفاظ على قيم حقوق الإنسان بمفهومها الشامل من جهة ثانية".

وأشار الرئيس السيسي إلى أنه في هذا الصدد، تم استعراض الجهود المصرية الرامية لمزيد من تعزيز حقوق الإنسان لكافة المواطنين دون تمييز عبر ترسيخ مفهوم المواطنة وتجديد الخطاب الديني وتطبيق حكم القانون على الجميع دون استثناء، بالإضافة إلى تحديث البنية التشريعية، خاصة إقرار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي لتسهيل عمل منظمات المجتمع المدني وتعزيز قدراتها التنظيمية والمالية، فضلا عن إطلاق أول استراتيجية وطنية شاملة لحقوق الإنسان التي يجري إعدادها بمشاركة أطياف المجتمع المدني.

ولفت إلى أن الأوضاع الإقليمية في شرق المتوسط والشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي حظيت خلال المحادثات بأولوية كبيرة في ضوء ما تمثله من تحديات جمة ومخاطر متصاعدة على الأمن القومي لكل من مصر وفرنسا والمصالح المتبادلة، منوها بأنه تم الاتفاق على أهمية تصدي المجتمع الدولي للسياسات العدوانية والاستفزازية التي تنتهجها قوى إقليمية لا تحترم مبادئ القانون الدولي وحسن الجوار وتدعم المنظمات الإرهابية وتعمل على تأجيج الصراعات في المنطقة.

وأكد الرئيس السيسي ضرورة استمرار المساعي النشطة لتسوية النزاعات الإقليمية بصورة سلمية استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، وتوافقنا على أهمية تهيئة المناخ الملائم لاستئناف عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما يتفق مع المرجعيات المتفق عليها ومبدأ حل الدولتين بما يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس".

و شدد على أن الحل السياسي الشامل في ليبيا، الذي يعالج كافة جوانب الأزمة، هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لهذا البلد الشقيق والحفاظ على وحدته الإقليمية، مؤكدا ضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة وخروج كافة القوى الأجنبية من ليبيا تنفيذا لما تم الاتفاق عليه خلال اجتماعات اللجنة العسكرية (5+5)، فضلا عن تناول آخر تطورات مفاوضات سد النهضة والمساعي المصرية للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن للملء والتشغيل يراعى مصالح مصر والسودان وإثيوبيا".

وأعرب الرئيس السيسي عن امتنانه لدعوته لزيارة فرنسا، وتقديره للمناقشات البناءة التي تم خلالها التأكيد على الحرص المتبادل على مزيد من تطوير التعاون المثمر بين البلدين تحقيقا للمصالح المتبادلة، متطلعا لاستقبال الرئيس الفرنسي في القاهرة خلال العام المقبل.

وبشأن الدعم المصري للبنان، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن "مصر لن تتخل عن الأشقاء في لبنان أو أية دولة عربية، ونحن دائما على تواصل مع كل أشقائنا في الدول العربية، وخاصة لبنان، ونشجع على تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن حتى تتولى مقاليد الأمور في لبنان وتأخذ لبنان خارج الأزمة التي تعاني منها منذ فترة طويلة".

وأضاف الرئيس السيسي: "هذا الأمر كان محل نقاش طويل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واتفقنا على تكثيف الجهود مع أصدقائنا في فرنسا بكل ما تمثله من ثقل في العالم وفي المنطقة للتوصل إلى حلول للأزمة... يؤلمني أن يقال إننا تخلينا عن لبنان؛ نحن لم نتخل عن لبنان، ولكن قد تكون الأمور مضطربة في منطقتنا".

وشدد في هذا السياق على ضرورة عدم فصل أي موضوع عن سياقه العام، مؤكدا أن استعادة الاستقرار والأمن والسلام من ثوابت السياسة المصرية، ووجه نداء إلى كل القوى السياسية في لبنان وإلى كل اللبنانيين بإعطاء الفرصة لحكومة تأتي لحل ما يعاني منه لبنان.

وبشأن استراتيجية حقوق الإنسان في مصر، قال الرئيس السيسي: " إن هناك أكثر من 55 ألف منظمة مجتمع مدني تعمل في مصر، وهي تعتبر جزءا مهما وأصيلا جدا في العمل الأهلي، فضلا عن وجود 55 ألف جمعية مرخص لها بالعمل في مصر.

وأضاف أنه لا يليق تصوير مصر على أنها دولة ذات نظام مستبد، في ظل ما تفعله من أجل شعبها ومن أجل استقرار المنطقة، وأن هذا الأمر قد ولي من سنوات، فالشعب المصري الذي يشكل الشباب فيه أكتر من 65 مليون شاب لا يقدر أحد على تكبيله أو يفرض عليه أي نظام لا يقبله.

وتابع الرئيس السيسي: "لا أريد قول كلام يؤخذ على أنه كلام حماسي فقط، لكن أنا مطالب بحماية دولة من تنظيم متطرف موجود في مصر منذ أكثر من 90 سنة واستطاع خلال هذه المدة أن يصنع لنفسه قواعد ليس في مصر فقط ولكن في العالم كله".

وأردف بالقول: "أنا مطالب بحماية 100 مليون مصري، وكنت أتمنى ممن يسأل أن يقول لي أخبار كل من ليبيا والعراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان، ليس لدينا ما نخافه أو نحرج منه، فنحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل لشعبها في ظروف في منتهى القسوة في منطقة شديدة الاضطراب".

وأضاف الرئيس السيسي أن موقف مصر كان واضحا في الوقوف بحزم وشدة وإدانة لأي عمل إرهابي في أي مكان، وأي اختلاف لا يمكن أن يكون مبررا لأي عمل إرهابي تجاه مواطن أو دولة، وهذا تتم إدانته عن طريق الخارجية والأزهر الشريف كمؤسسة دينية تتسم بالاعتدال تقدم الدين الإسلامي كدين وسطي.

وتابع: "أود الإشارة إلى نقطة في هذا الأمر، وهي أن من حق الإنسان أن يعتنق ما يعتنق ويرفض ما يرفض، ولكن دون أن ينتهك القيم الدينية، لأن القيم الدينية أعلى من القيم الإنسانية، حيث إن القيم الإنسانية من صنع الأفراد، أما القيم الدينية فهي مقدسة وفوق كل المعاني"، داعيا إلى الهدوء والتوازن عند التعبير عن الرأي وعدم جرح مشاعر مئات الملايين.

ولفت الرئيس السيسي إلى أنه لا يتحدث هنا عن كل أنواع التعبير والحرية، وإنما يتكلم عن نقطة واحدة فقط وهي جرح مشاعر ملايين الناس في مشاعرهم الإيمانية، متابعا: "أتصور أن في فرنسا والعالم المتقدم مرفوض المساس بحقوق ومشاعر الآخرين وجرح مئات الملايين وإهانتهم في دينهم، وأتصور أن هذا الأمر يحتاج إلى المراجعة والتفكير بهدوء".

وفي الإطار نفسه، أوردت صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا دليل على العلاقة القوية بين البلدين.

وأضاف ماكرون - خلال المؤتمر الصحفي المشترك في قصر الإليزيه مع الرئيس السيسي - أن هذه الزيارة هي شهادة لهذه العلاقة القوية بين فرنسا ومصر، مشيرا إلى استقبال الرئيس السيسي له في يناير 2019 في القاهرة، حيث تم الاتفاق على المقابلة مجددا في باريس، وبعدها جرت اتصالات للبحث في الكثير من القضايا الدولية، وتم التطرق إلى الملف الليبي منذ عدة أشهر.

وتابع الرئيس الفرنسي أن المشاورات المستمرة تشهد على طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين فرنسا ومصر، لافتًا إلى أن جلسة العمل التي جرت كانت مناسبة لتعميق هذه المشاورات.

وأكد أن الشراكة الاستراتيجية مع الأصدقاء المصريين أكثر أهمية من أي وقت مضى، فهي مهمة من أجل استقرار الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، متمنيا تعزيز هذه العلاقة.

وقال ماكرون: "لقد تحدثنا أولا عن ليبيا، وتحدثنا عن الدفع باتجاه حل سياسي مستدام، وهذا هدف نتابعه منذ سنوات، نحن نشهد على تقدم في الاتجاه الصحيح"، لافتا إلى أن هذا التقدم مهدد الآن من قبل قوى إقليمية قررت أن تجعل من ليبيا مسرحا للعبة النفوذ بدلا من أن تكون مكانا لاستقرار الشعب الليبي.

وأضاف: "نحن نصر من جهتنا على احترام وقف النار وعلى إطلاق حوار سياسي وعلى استعادة الإنتاج النفطي"، مشيرا إلى أن هذه المسائل تتقدم، ولكنها مسائل هشة ومهددة بدرجة كبيرة.

وأوضح ماكرون أن فرنسا تسعى لتجنيب ليبيا الفوضى، وذلك بالتعاون مع مصر؛ لما لها من دور أساسي للغاية، مشيرا إلى رغبة بلاده في التقدم بشكل منسق مع باقي الشركاء الأوروبيين والحلفاء في المنطقة المعنيين بشكل أساسي.

ونبّه إلى أن فرنسا تنخرط في هذه العملية الأممية من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي أيضا المتمثل في عودة الإنتاج المستدام للنفط.

وقال ماكرون إنه "تم التطرق للوضع في شرق المتوسط، ونحن لا نرضى بأن يكون هناك أي مساس بسيادة الدول المتشاطئة، وكان هناك تأكيد على حماية المصالح الاقتصادية والسيادة المائية للدول المتوسطية والتعاون في مجال الطاقة".

وأضاف: "لقد تحدثنا أيضا حول مسألة إيران وحول مسألة الساحل وحول مسألة لبنان، موضحا أن لبنان ما زال يعاني من عدم التوصل إلى حل أو إلى نتيجة للمسار السياسي الذي ينتظره الجميع، ونحن ننتظر أن يكون هناك لبنان قوي ودولة لبنانية قوية، وندعم الشعب اللبناني، على ألا يكون أسيرا لمصالح سياسية خارجية أيا ما تكون".

وأشار ماكرون إلى أنه سيستمر في التشاور مع الرئيس السيسي حول لبنان وحول مسائل أخرى وحول السلام في الشرق الأوسط وحول التعاون في عدة مجالات مشتركة، قائلًا: "كان هناك الكثير من النقاط التي تمت مناقشتها، منها الإرهاب الذي ضربنا في السنوات الأخيرة؛ فمواجهة الإرهاب في صلب هذه العلاقة وفي صلب التعاون، وعلينا أن نتابع هذا التعاون لمواجهة هذه الآفة التي تضرب الجميع".

وأكد أن التعاون التقني والعسكري مع مصر هو تعاون مثالي في الوقت الحالي، وما زلنا مصرين على تعميق هذا التعاون، وتطرقنا إلى التعاون في المجال الدفاعي"، مثمنا كثيرا التمسك المصري بهذا التعاون.

ولفت مالكرون إلى أن فرنسا جزء من النشاط الاقتصادي في مصر ونشاط التحديث والمشاريع، مؤكدا حرصه بشكل كبير على أن تكون هذه العلاقة بأفضل حال بما يخدم مصلحة البلدين، ويتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات في هذا المجال.

وبشأن مواجهة كورونا، قال ماكرون إن فرنسا تعزز دعمها لمصر فيما يتعلق بالعمل الصحي المجتمعي، لا سيما من خلال وكالات فرنسية خاصة بالصحة.

وأضاف أن مصر لديها مجتمع ديموجرافي حيوي، وتشكل حصنا منيعا أمام التطرف، قائلا: "إن شراكتنا تؤمن وتعزز الاستقرار في الشرق الأوسط، وتسمح لنا بأن نواجه معا التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وأن نخلق فيما بيننا هذه المساحة للتعاون والتبادل الثقافي والسياسي".

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ردا على سؤال بشأن تعامل فرنسا مع أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "إن هناك حرية صحافة في فرنسا منذ الثورة الفرنسية، وليس من حق الرئيس أو أي هيئة أن يوجه الصحفي أو المصور بشأن ماذا يكتب أو ماذا يرسم".

وأضاف أن "الرسوم الكاريكاتورية ليست رسالة من فرنسا إلى المسلمين والإسلام، هذا تعبير من مصور، وعلينا أن ندرك أن هذا هو القانون الذي اختاره الشعب الفرنسي، وهذه الرسوم والمقالات التي تصدمكم ليست صادرة عن السلطات الفرنسية أو عن الرئيس الفرنسي، ولا تعتبروه استفزازا من السلطات، ولكنها تصدر من صحفي أو مصور، وهناك من يرد عليها بهدوء".

وتابع ماكرون "بعض الرسوم المسيئة صدمتكم وأنا أسف لهذا، علينا الرد عليها بسلام، ولكن عندما يشرع العنف ضد من يرسم الرسوم، في هذه الحالة لن نسمح بالعنف بحق كلمة أو رسم، هذا مرفوض تماما".

من ناحية أخرى، أبرزت صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" تباحث الرئيس عبدالفتاح السيسي، بقصر "الإنفاليد" الوطني بباريس، مع وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، حول جوانب التعاون العسكري بين البلدين وتطويره في المرحلة المقبلة.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي بأن الرئيس السيسي أكد حرص مصر على تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية وبرامج ونظم التسليح مع فرنسا، في إطار علاقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، خاصة في ضوء التحديات المتصاعدة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط، الأمر الذي يتطلب تكثيف التنسيق والتشاور بين البلدين لمواجهه تلك التحديات.

من جانبها، أعربت بارلي عن تطلع بلادها لترسيخ الجانب العسكري والأمني في علاقات التعاون بين البلدين، والتي تمثل ركيزة للاستقرار والأمن في منطقة المتوسط، خاصة في ضوء الدور الهام والحيوي الذي تقوم به مصر في تحقيق التوازن الإقليمي.

كما شهد اللقاء التباحث بشأن آخر المستجدات على صعيد عدد من الأزمات والقضايا الإقليمية، خاصة مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة المسلحة في المنطقة.
وفي سياق منفصل، ألقت صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" الضوء على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عمدة باريس آن هيدالجو، وذلك في مقر عمودية باريس.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي بأن اللقاء تناول استعراض التجربة المصرية الحالية في المشروعات القومية الكبري خلال السنوات الماضية، واستشراف فرص التعاون بين باريس والقاهرة والمدن الجديدة في محافظات مصر.

ورحبت عمدة باريس بالرئيس في زيارته لفرنسا، معبرة عن التطلع للتعاون المشترك مع الحكومة المصرية ومحافظة القاهرة، وخاصة على الصعيد الثقافي وقطاع الخدمات، وذلك في إطار الروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين، وحرص فرنسا على مساندة جهود مصر التنموية من خلال تبادل الخبرات والاستثمار المشترك.

من جانبه، أشار الرئيس السيسي إلى حجم وتنوع المشروعات القومية الكبري الجارية في مصر، وهو الأمر الذي يوفر مجالات متعددة للتعاون المشترك فيما يتعلق بالمدن الجديدة وخاصة العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك في قطاع السياحة والآثار في ضوء سلسلة المتاحف الجديدة، وعلى رأسها المتحف المصري الكبير الذي يعد الأكبر في العالم، بالإضافة إلى تعزيز التعاون على المستويين الاقتصادي والتجاري.

وأضاف المتحدث أن اللقاء تناول كذلك عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.