رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

عمرو الخياط يكتب: الانتخابات الأمريكية

نشر
مستقبل وطن نيوز

حالة ترقب تسود المجتمع السياسي والنخبوي المصري انتظارًا لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهى حالة لها ما يبررها إعلاميًا وسياسيًا لأن نتيجتها ستسفر عن تسمية رئيس أكبر دولة في العالم، لكن المدهش أن هناك من يتعامل مع دولة بحجم مصر لا يمكن إنكار ثقلها في إقليمها كما لو كان مصيرها ومصير شعبها مرهونًا بنتيجة تلك الانتخابات، بل إن البعض يصر على تكريس مفهوم كون الدولة المصرية وتحديدًا دولة ٣٠ يونيو الوطنية بأنها محاصرة داخل الصندوق الأمريكي، بل إن البعض تجاوز ذلك وبدأ بالغمز واللمز الإلكتروني عبر الحسابات الخاصة كما لو كان مستدعيًا لمكون أمريكي بنكهة الديمقراطيين ليكون عنصرًا فاعلًا في إدارة الداخل المصري.

لنتحدث بوضوح من خلال قراءة الواقع الانتخابي الأمريكي فربما يكون الفوز لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، والمصحوب حاليًا بحالة شبق متعطش لاستخدام هذا الفوز لاستدعاء إرهاصات حالة ما قبل ٢٠١١ إيذانًا بإعادة استنساخها. تخيل أن البعض قد وصل لحالة انتشاء لا يستطيع إخفاءها كما لو كان اعترافًا بأن ما حدث عام ٢٠١١ لم يكن ليحدث دون دعم أمريكي مباشر، والعجيب أن نفس تلك الجماعات التي نشطت مؤخرًا في نفس التوقيت على مواقع السوشيال ميديا هي من كانت تنكر نظرية المؤامرة وتسفه منها وتسخر ممن كان يتحدث عنها ويحذر منها.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه على هذه الحالة ماذا أصاب ذاكرة البعض؟ لقد نسى أو تناسى أو تناسوا أن ثورة ٣٠ يونيو بكل مكوناتها قد اختمرت ونضجت وأثمرت نتاجها في ظل وجود رئيس أمريكي هو باراك أوباما المنتمي لنفس تيار المرشح جو بايدن، وبرغم كل ذلك استطاعت ثورة الدولة المصرية أن تكون المقرر الوحيد لمصير الدولة مرتكزة على قاعدة صلبة من الإرادة الشعبية التي توحدت مع مؤسساتها الوطنية واستجابت لنداء قائدها مرات عديدة.

لقد كانت كلمة السر هي قوة وتماسك الجبهة الداخلية بعد محاولات لإحداث شروخ في هذه القاعدة الجماهيرية ثم توسيع هذه الشروخ وتحويلها إلى مسارات سياسية يمكن التسلل من خلالها إلى وعي المصريين.

كما أن الواقع السياسي الأمريكي يقول إن أمن الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها هما معياران استراتيجيان لا يمكن انحرافهما عن الأهداف المرجوة بتغير الأشخاص أو الأجندات الحزبية، وفِي نفس الوقت لا تقبل دولة بحجم مصر أن تكون فناءً خلفيًا للتجارب المعملية السياسية لأي دولة كانت.

وعلى ذلك فإن مجئ بايدن أو منافسه دونالد ترامب ليس قدرًا محتومًا على مصير الدولة المصرية بل إنه يخضع لحسابات مصرية خالصة تدرك جيدًا مسارات الدفاع عن أمن وطنها ومصالحه وكيف ترتكز ارتكازًا مستقرًا على منصات الندية الدولية.

فلنذهب مباشرة إلى مساحة التفكير بالتمني الذي أصبح معلنًا ولنفترض فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، ولنسأل ما الذى سيحدث في الداخل المصري وكيف يمكن التغيير في منهجية الإدارة المصرية الحالية باعتبارها دولة القانون والمؤسسات؟، ولتكن الإجابة بوضوح أن مصر هي دولة المؤسسات المصرية وليست المؤسسات الأمريكية أو أي مؤسسات من أي جنسية أخرى.

ولنتساءل عن ماهية الملف الأساسي على أجندة بايدن، وهل سيكون هو إعادة دمج الإخوان؟، وهل يمكن أن يكون مقبولًا أو مفروضًا على الدولة المصرية أن ترضخ لتقلبات السياسة الأمريكية حتى لو وصل الأمر بتلك التقلبات إلى حد المساومة على إعادة تنظيم إرهابي قاتل تحت مظلة سياسية؟!.

هل من يتخيل ذلك يدرك جيدًا أن ما يتمناه هو استدعاء لحالة احتلال دبلوماسى للإرادة المصرية، وهل ستعود نفس الوجوه للمشهد على ظهر منصات إعلامية من أجل التبشير بعودة إخوانية؟!

واقع التاريخ يقول إن مصر ليست دولة عادية أو أمة عابرة، مصر فكرة فلسفية عميقة توازى الزمن، بل إن صفحات نضالها تتمدد بوضوح في صفحات التاريخ الذى لم يغفر أبدًا لكل من عجز عن إدراك حقيقة قيمة مصر كدولة وكفكرة محورية تتسق فيها مكونات التاريخ والجغرافيا اتساقًا ليس له مثيل، جعل منها أمة قادرة على استدعاء مخزون قوتها الاستراتيجية في أحلك اللحظات فقدمت نماذج مذهلة من القدرة على النهوض من الكبوات على مر العصور، بل إنها تفردت بقدرة مدهشة على إضفاء الطابع المصري على كل من حاول الاقتراب من ثوابت هويتها فانصهرت محاولاته ومغامراته وأدواته في ثنايا ملامح هذه الهوية التي استمرت منذ فجر التاريخ.

عاجل