في ذكرى رحيله.. «أحمد عدوية» صوت الأغنية الشعبية
تحلّ علينا اليوم ذكرى وفاة أحد أهم الأصوات التي شكّلت وجدان الشارع المصري، المطرب الشعبي الكبير أحمد عدوية، الذي لم يكن مجرد مغنٍ، بل ظاهرة فنية واجتماعية غيّرت خريطة الغناء الشعبي، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الموسيقى المصرية مهما مرّ الزمن.
أحمد عدوية
وُلد أحمد محمد مرسي العدوي، في 26 يونيو عام 1946 بمحافظة المنيا، لأسرة بسيطة كان والده يعمل بتجارة المواشي، وضمت 14 أخًا وأختًا، وكان ترتيبه قبل الأخير.
نشأ وسط أجواء شعبية خالصة، واستمع منذ طفولته إلى شعراء الربابة والسير الشعبية التي كان والده يصطحبه لسماعها في المقاهي، فحفظها ورددها بصوت طفولي لافت، كشف مبكرًا عن موهبة فطرية ستقوده لاحقًا إلى النجومية.
بدأ أحمد عدوية الغناء في أفراح قريته بشكل غير رسمي، ثم انتقل إلى القاهرة في أواخر الستينيات، حيث انطلق فنيًا من شارع محمد علي، الذي كان بؤرة الموسيقى الشعبية في ذلك الوقت.
هناك، غنّى في مقهى "الآلاتية" وتعلّم عزف الناي والرق، واحتك بالموسيقيين والمطربين الشعبيين، حتى جاءت لحظة التحول الكبرى عام 1972، حين غنّى في حفل عيد زواج المطربة شريفة فاضل، بحضور عدد من الفنانين والصحفيين، فلفت الأنظار بقوة، وحصل بعدها على أول عقوده مع شركة “صوت الحب”.
ومع تسجيله لأغنيتين "السح الدح إمبو" و"بنت السلطان" انفجرت شعبيته بشكل غير مسبوق، وخرج صوته من الإطار التقليدي للأغنية الشعبية إلى فضاء أوسع، معتمدًا على كلمات من قلب الشارع، وأسلوب غنائي جديد أثار جدلًا في أوساط النقاد، وجاذب لجمهور واسع وجد فيه تعبيرًا صادقًا عن واقعه اليومي.
ورغم الهجوم النقدي وقرار الإذاعة المصرية بمنع أغانيه في البداية ، انتشرت أغانيه عبر شرائط الكاسيت، والمقاهي، ووسائل المواصلات، والأفراح، لتفرض نفسها بقوة على الساحة الفنية.
في سبعينيات القرن الماضي، أصبح أحمد عدوية الاسم الأبرز في الغناء الشعبي، وحققت أغانيه مثل "زحمة يا دنيا زحمة" و"سلامتها أم حسن"و"سيب وأنا أسيب" و"راحوا الحبايب" مبيعات قياسية، متفوقة أحيانًا على كبار نجوم الغناء الكلاسيكي.
ورغم جماهيريته الكبيرة، ظل أحمد عدوية يثير ردود فعل متباينة بين النخبة، قبل أن ينال تقدير كبار القامات الفنية والأدبية، مثل محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجيب محفوظ، الذين رأوا في صوته تجسيدًا أصيلًا للروح المصرية.
وبفعل جماهيريته الكبيرة، استعانت به السينما، فشارك بالغناء والتمثيل في أكثر من 27 فيلمًا خلال السبعينيات والثمانينيات، غالبًا في أدوار كوميدية، من هذه الأفلام :"المتسول" "نص دسته مجانين" "البنات عايزه إيه" "شعبان تحت الصفر" "سطوحي فوق الشجرة " و"السلخانة " مؤكّدًا حضوره الفني في السينما غير أن مسيرته توقفت قسرًا في منتصف الثمانينيات، بعدما تعرّض لحادث خطير تسبب في إصابته بالشلل لفترة طويلة، وأبعده عن الأضواء لسنوات، في واحدة من أصعب محطات حياته.
مع مطلع الألفية الجديدة، بدأ عدوية في الظهور التدريجي عبر لقاءات تلفزيونية وحفلات محدودة، قبل أن يعود بقوة عام 2010 من خلال أغنية "الناس الرايقة" مع الفنان اللبناني رامي عياش، والتي لاقت نجاحًا واسعًا، أعاد التأكيد على مكانته كأحد أعمدة الغناء الشعبي. كما شارك لاحقًا في أعمال غنائية مع نجله محمد عدوية، الذي سار على خطاه، وكان آخرها أغنية “على وضعنا” بمشاركة الفنان محمد رمضان.
في سنواته الأخيرة، عانى أحمد عدوية من متاعب صحية، وتلقى ضربة قاسية بوفاة زوجته ورفيقة مشواره في شهر مايو 2024، وفي مساء يوم 29 ديسمبر 2024، غيّب الموت "الأب الروحي للأغنية الشعبية المصرية" عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد صراع مع المرض، ليترك خلفه إرثًا فنيًا ضخمًا، وصوتًا لا يزال حيًا في وجدان أجيال متعاقبة.
تمرّ اليوم ذكرى وفاته، فيما لا تزال أغانيه تُردد في الشوارع والمقاهي والأفراح، شاهدًا على رحلة فنان خرج من قلب البسطاء، وغيّر شكل الغناء الشعبي إلى الأبد، ليبقى أحمد عدوية حالة فنية متفردة، لا تتكرر.