رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

عمرو الخياط يكتب: دولة الرعاية عبر الحدود

نشر
مستقبل وطن نيوز
  على شواطئ ليبيا سالت دماء المصريين بأيدي الغدر والإرهاب، وقتها كان المشهد مروعًا ومتحديًا لمشاعر المصريين بعد أن تم إذاعة لقطات لمشاهد الذبح، لكن من ارتكب جريمته لم يكن مدركًا لإبعاد الأذرع الطولي للدولة المصرية، ولم يكن مدركًا أن هذه الدماء ستتحول إلى وقود يسرى في محركات المقاتلات المصرية الرابضة على مدارجها. لم تلبث الدماء المصرية الزكية أن اختلطت بمياه البحر إلا وقد كانت الطائرات المصرية تسابق حركة الدماء التي سالت لتصل تلك الطائرات الحربية إلى معاقل الاٍرهاب ومعسكراته على الضفة الليبية فتدكها دكًا وتثأر لمصر، ثم عادت الطائرات إلى حظائرها قبل أن يصل الرئيس السيسي إلى مقر الكاتدرائية بالعباسية لتقديم العزاء لقداسة البابا ولجموع المصريين. مصر دولة القانون والمؤسسات وليست دولة للعدوان، وقبل أن تنطلق الطائرات لتنفيذ ضرباتها المركزة، كانت الدبلوماسية الخفية المرتكزة في أعماق الدولة قد سبقتها بالتنسيق والتعاون احترامًا للسيادة الليبية المشروعة. وقبل أن تحمل الطائرات قذائفها الحربية، كانت تحمل النوايا الحاسمة للدولة المصرية بحتمية الرعاية العابرة للحدود لكل مصري في كل بقعه من بقاع الأرض. هنا فقط ينادي المصري على وطنه فتستجيب الدولة المصرية لهذا النداء على الفور. الرعاية العابرة للحدود نابعة من ملفات الدبلوماسية الإنسانية المرتكزة على حقيقة إدراك قيمة المواطن المصري. الرعايه العابرة للحدود ليست حالة طارئة أو موسمية بل مبدأ ثابتًا لدى قيادة الدولة المصرية باعتبارها حقًا مستدامًا لكل مصري بل بندًا أصيلًا من بنود العقد الاجتماعي المبرم بين المصري ووطنه، حيث يترسخ الولاء والانتماء مقابل حقوق الرعاية. في كل مرة تتصدى فيه الدولة لمسؤلياتها تجاه المصريين في الخارج فإنها تكون مرتكزة على كامل رصيد دبلوماسيتها وتواصلاتها الخارجية التي باتت تبنيها من أجل خدمة المصري المقيم خارج وطنه، هنا تعيد الدولة المصرية التوزيع العادل لأرصدة دبلوماسيتها بتمكين كل مصري من امتلاك أسهمه في الرصيد الدبلوماسي الذي أصبحت خدمة المواطن المصري هدفًا رئيسيًا له تحت شعار " الدبلوماسية في خدمة المصريين". من نفس منطلق المسؤلية الرسمية والوطنية صدرت التكليفات الرئاسية بسرعة استعادة المصريين العالقين في ووهان الصينية والمهددين بشبح المرض. على الفور انطلقت طائرة مصرية خاصة لاستعادتهم برعاية ونفقة وإشراف مؤسسات الدولة المعنية. فور وصولهم إلى أرض الوطن كانت الدولة في استقبالهم لتفعيل إجراءاتها تجاه الاطمئنان على سلامتهم وصحتهم وإيمانًا بقيمة ذويهم وأسرهم الذين سيستقبلونهم، وتصديًا مسؤلًا للصحة العامة للمصريين. العائدون من ووهان الصينية على متن طائرة الرعاية المصرية يدركون جيدًا حالة التعرض لخطر المرض الغامض في أحضان الغربة، لكنهم وجدوا يد الدولة المصرية مبسوطة كل البسط وتدركهم أينما كانوا. وبينما راحت دول أخرى تتجاهل مسؤلياتها تجاه رعاياها خشية أن يتحولوا إلى مصدر تهديد داخلي، فإن مصر قررت تحمل كامل هذه المسؤلية في الخارج وفِي الداخل، حيث كان القرار هو تحمل نفقات العلاج لمن سيثبت إصابته بالمرض، فمدت مصر يدها لتخفف من ألم الغربة بعد أن قررت ألا تتحول هذه الغربة إلى اغترابًا داخل الوطن بسبب الإهمال أو التجاهل أو التخلي. وبينما تتواصل حركة المصريين في اتجاهاتها المختلفة فإن خريطة الدولة المصرية لرعايتهم تلاحقهم وتتدفق حولهم أينما ذهبوا بحثًا عن مصدر للرزق. هناك في أعالي البحار بينما أبحر صيادون مصريون بحثًا عن رزقهم فضلوا طريقهم ليجدوا أنفسهم تحت قيود الغربة على أرض اليمن بعدما اخترقوا حدود المياه الإقليمية وبعدما ظنوا كل الظن أنهم أصبحوا بعيدون عن مرمى أهداف الدبلوماسية المصرية، فإذا بهم يجدون وطنهم حاضرًا بكامل لياقته الدبلوماسية من أجل إعادتهم إلى أحضان وطنهم الأم. بينما أوشكت الظنون تسيطر عليهم، كانت الطائرة المصرية المكلفة قد حطت على أرض اليمن لتعيدهم إلى مصر، حيث كان المسؤلين رفيعي المستوى في استقبالهم بعد أن أبت مصر أن يتحول الصيادون إلى فريسة أو إلى صيد سهل لاضطرابات إقليمية. ومن وازع إيمان الدولة المصرية بحق كل مصري في الرعاية فإنها سخرت إعلامها الوطني من أجل توثيق هذه اللحظة على شاشاتها المختلفة، التوثيق هنا كانت أهدافه محددة تجلت فيما يلي: - طمأنة أهالي العائدين الذين ربما لم يكونوا على علم بموعد قدومهم بعد أن فقدوا الأمل في اللقاء من جديد، حيث كان في الانتظار زوجة وابن وابنة وأب وأم ظلوا معذبين على مدار شهور تحت وطئة المصير المجهول لذويهم. - طمأنة كل مصري في الخارج بأن وطنه غير غافل عنه وسيجد الدولة قد انتقلت إليه إذا اقتضت ظروفه ذلك. - تبصير المصريين وتذكيرهم بقيمتهم الإنسانية في وعي الدولة. - التأكيد على أن خدمة المواطن المصري هي الهدف الرئيسي لكامل المنظومة الإعلامية الوطنية المتحدة على تمكين المصريين من الحصول على حقوقهم وتوصيل أصواتهم. من أعماق وعي الدولة المصرية وإيمانها بقيمة مواطنيها تخترق رعايتها لهم الحدود الجغرافية. وفِي داخل ملفات الدبلوماسية تجد خدمة كل مصري هدفًا استراتيجيًا ترعاه مؤسساتها وأجهزتها ليس من منطلق بذل الجهد، ولكن من واقع المسؤلية الوطنية بحتمية تحقيق نتائج محددة. في كل لحظة من لحظات الرعاية، فإن الإشراف الرئاسي لا يغيب عن أدق التفاصيل التي تنفذها خلايا العمل المنسجمة في منظومتها أدوار لجنود معلومين وآخرين مجهولين، لكن مصر أبدًا لا تجهل ولا تتجاهل أبناءها أينما ذهبوا.
عاجل