الاتحاد الدولي للنقل الجوي: السفر الرقمي ضرورة في مواجهة التكاليف الباهظة
أكد الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) أن صناعة الطيران العالمية تقف على أعتاب تحول جذري، تقوده الضرورة الملحة لمواجهة التحديات التشغيلية والأمنية والمالية المتراكمة. وتشير البيانات الصادرة عن رصد أداء القطاع للعام 2024 إلى ضخامة التحدي، حيث سجلت 49 شركة طيران ما يقرب من 1.11 مليون حادثة سفر غير نظامي (INADs) بين حوالي 969 مليون مسافر نقلتهم تلك الشركات.
ويترجم هذا الرقم إلى معدل مقلق يقارب 12 حادثة لكل 100 ألف مسافر، مما يكشف عن نقطة ضعف هيكلية في النظام الحالي. وتصل التبعات المالية لهذه الحوادث إلى حدود كبيرة، إذ تشير التقديرات التحفظية إلى أن التكلفة الإجمالية للحادثة الواحدة قد تصل إلى 25 ألف دولار أمريكي، وهي تكلفة تشمل النفقات اللوجستية المباشرة والغرامات والعقوبات غير المباشرة المترتبة على إعادة توجيه الرحلة واستضافة المسافر وتنفيذ الإجراءات القانونية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل تمثل عبئاً مالياً مستمراً يثقل كاهل الشركات ويؤثر سلباً على كفاءتها التشغيلية وقدرتها التنافسية.
وفي هذا الإطار الاستراتيجي، يرى الاتحاد أن الحل الأمثل والمستدام يكمن في التعجيل بالتحول الرقمي الشامل والمدروس. ويدعم "إياتا" بقوة المبادرة العالمية الرائدة لجواز السفر الرقمي (DTC) التي أطلقتها منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، باعتبارها حجر الزاوية الرقمي الموثوق الذي يمكن للصناعة العالمية البناء عليه. ومع ذلك، يُحذر الاتحاد من أن هذه الخطوة، على أهميتها، لا تزال مجرد بداية الطريق وليست الحل النهائي، حيث أن تطبيقها لا يزال محدوداً في نطاق عمليات التفتيش الحدودي دون أن يمتد ليشمل العمليات التشغيلية اليومية لشركات الطيران.
لذلك، يتبنى الاتحاد ويدفع قدماً برؤية استباقية أشمل وأكثر طموحاً، تتمثل في مفهوم "One ID" المتكامل. لا يهدف هذا المفهوم إلى مجرد توثيق الهوية رقمياً، بل يسعى إلى إعادة هندسة رحلة المسافر برمتها من خلال رقمنة عملية "التأهيل للسفر" أو "الصلاحية للسفر" (Admissibility) بالكامل. تعتمد هذه الرؤية على خلق تعاون رقمي غير مسبوق بين جميع الأطراف المعنية: المسافر، وشركة الطيران، وسلطات الدول المصدرة والمستقبلة. الفكرة الجوهرية هي تمكين المسافر من إنهاء جميع الإجراءات والتحقيقات الأمنية والقانونية المطلوبة من قبل الجهات الحكومية المختصة عن بُعد وبشكل مسبق، ليصل إلى المطار وهو في حالة "مستعد للسفر" (Ready to Fly) مؤكدة رسمياً. هذا التحول سيفتح الباب أمام تجربة سفر سلسة بالكامل، وغير تلامسية في معظم مراحلها، تعتمد على الهوية الحيوية للمسافر والبيانات الرقمية الموثقة والمؤمنة مسبقاً، مما يلغي التكرار والتأخير والخطأ البشري.
وأكد "إياتا" أن الانتقال إلى هذا النموذج المستقبلي سيكون تدريجياً، وسيمر حتماً بمراحل وسيطة عملية تستفيد من التقنيات الحالية المتاحة، مثل المحافظ الرقمية للهوية القائمة على تقنية بيانات الاعتماد القابلة للتحقق (Verifiable Credentials). ولكن الهدف الاستراتيجي النهائي واضح وثابت: وهو بناء نظام بيئي رقمي عالمي موحد وآمن ومتشغّل بسلاسة، حيث تتدفق البيانات والتصاريح الموثوقة تلقائياً وبأمان بين قواعد بيانات الجهات الحكومية المختصة وأنظمة شركات الطيران. هذا النظام سيلغي الحاجة إلى العمليات الورقية المكررة والمعرضة للخطأ، ويقطع شوطاً كبيراً في تقليل الأخطاء والتكاليف الباهظة المرتبطة بحوادث السفر غير النظامي، ويعزز الأمن من خلال التحقق المؤكد والمسبق.
ووجه الاتحاد الدولي للنقل الجوي دعوة صريحة وعاجلة إلى جميع الشركاء الاستراتيجيين، من الحكومات والسلطات التنظيمية والمطارات والجهات التكنولوجية المتقدمة، للتعاون الوثيق وتبني المسؤولية المشتركة لتحقيق هذه الرؤية. ويخلص إلى أن مستقبل الطيران يتطلب نظاماً أكثر ذكاءً وأماناً وفعالية ومراعاة لخصوصية المسافر. وفي ظل المنافسة العالمية والتحديات الاقتصادية، فإن التحول الرقمي لم يعد مجرد خيار تحسيني، بل هو مسار حتمي وضروري لضمان استمرارية النمو والمرونة والازدهار لصناعة النقل الجوي العالمية في العقود القادمة.