13 عامًا على رحيله| عمار الشريعي.. حكاية ألحان العتمة اللي لسه عايشة جوانا
تحل اليوم الأحد ذكرى رحيل الموسيقار الكبير عمار الشريعي، أحد أهم رموز الموسيقى العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وصاحب مدرسة مستقلة في التلحين والموسيقى التصويرية، استطاع أن يعبر بفنه حدود البصر ليخلق هوية موسيقية أثّرت الوجدان العربي لسنوات طويلة.
في كل عام تحل ذكرى رحيل الموسيقار عمار الشريعي لتعيد إلى الواجهة اسم فنان استثنائي لم يغِب يومًا، ليس فقط بما تركه من أعمال خالدة، بل بما زرعه من تأثير عميق في وجدان الملايين.
وبعد 13 عاما على غيابه، ما زالت موسيقاه تتردد في الدراما والسينما والمسرح، وما زالت لمساته الفنية وأدواره الإنسانية حاضرة في كل حكاية تُروى عنه، وفي كل نغمة صنعت جزءا من الذاكرة الموسيقية لمصر والعالم العربي.
مسيرة البدايات
وُلد عمار الشريعي في 16 أبريل 1948 بسمالوط في محافظة المنيا، ونشأ وسط ظروف استثنائية شكلت شخصيته الفنية منذ الصغر.
التحق بمدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، ثم حصل على ليسانس الآداب من قسم اللغة الإنجليزية بجامعة عين شمس عام 1970.
رغم فقدانه للبصر، امتلك رؤية داخلية مدهشة قادته إلى عالم الموسيقى، فدرس النظريات الموسيقية ضمن برنامج مكثف في مدرسته الثانوية، وأتقن العزف على البيانو والأكورديون والعود والأورج.
ووسع مداركه بالتعلم بالمراسلة في التأليف الموسيقي من مدرسة هادلي سكول الأمريكية والأكاديمية الملكية البريطانية، ليؤسس لنفسه قاعدة معرفية راسخة صقلت موهبته فيما بعد.
الانطلاقة الفنية
بدأ الشريعي أولى خطواته العملية عام 1970 عازفا للأكورديون، قبل أن ينتقل إلى الأورج الذي ارتبط اسمه به لاحقا. وفي عام 1975 قدم أول ألحانه بعنوان امسكوا الخخ لمها صبري، لتبدأ رحلة واسعة في عالم التلحين.
أسس فرقة الأصدقاء عام 1980، وأسهم في صياغة وجدان جيل كامل بأغنيات اجتماعية وإنسانية باقية. وتولى وضع ألحان احتفالات أكتوبر للقوات المسلحة بين عامي 1991 و2003، كما عُين أستاذا غير متفرغ بأكاديمية الفنون عام 1995، مؤكدا حضوره الأكاديمي إلى جانب إبداعه الفني.
موسيقى تعيش عبر الأجيال
تميز عمار الشريعي بقدرته على صياغة موسيقى تصويرية متفردة صارت جزءا من ذاكرة المشاهد العربي، ونسج نغمات وضعت بصمة واضحة في السينما والمسرح والتلفزيون.
ففي السينما قدم أعمالا مؤثرة مثل الشك يا حبيبي والبرئ والبداية وحب في الزنزانة وحليم.
وفي المسرح وضع موسيقى عروض كبيرة من أبرزها رابعة العدوية والواد سيد الشغال وإنها حقا عائلة محترمة.
أما التلفزيون فشهد ذروة إبداعه عبر أعمال شكلت علامات بارزة مثل الأيام وبابا عبده ورأفت الهجان وأرابيسك وزيزينيا وحديث الصباح والمساء وريا وسكينة.
كما أولى اهتماما خاصا بأغاني الأطفال، محققا نجاحات كبيرة نال عنها عدة جوائز عالمية من بينها جائزة مهرجان فالنسيا عام 1986 وجائزة مهرجان فيفييه بسويسرا عام 1989، إضافة إلى أوسمة تكريم من سلطان عمان وملك الأردن.
إرث يتجاوز الموسيقى
لم تكن إسهامات الشريعي مقتصرة على مؤلفاته الموسيقية التي أصبحت جزءا من الذاكرة الجمعية، بل امتدت إلى اكتشاف ورعاية المواهب الشابة التي أصبحت لاحقا من أبرز نجوم الفن.
فقد كان صاحب عين فنية ثاقبة وقلب داعم لكل موهبة صادفها، فاتحا الأبواب أمام جيل جديد ليصنع حضوره في الساحة الفنية.
عمار الشريعي واكتشاف النجوم
كشف الفنان الراحل سمير صبري في لقاء سابق مع الإعلامية صفاء أبو السعود عن الدور المحوري الذي لعبه الشريعي في دخوله عالم الغناء في الأفراح، حتى صار يُلقب بملك الأفراح.
فكان صبري يتردد على منزل الشريعي حيث يقضيان ساعات يعزف فيها عمار على العود بينما يغني صبري أغاني ليلى مراد ومحمد فوزي، في حضور فنانين كبار مثل محمد منير والشاعرين سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي.
وروى صبري أن أول ظهور له على منصة الأفراح كان بفضل الشريعي، حين شجعه بشكل مفاجئ على غناء أغنية بطلوا ده واسمعوا ده خلال أحد الأفراح، ورغم أن كلمات الأغنية سببت بداية مشادة بين والدة العريس ووالدة العروس، فإن الشريعي واصل العزف حتى هدأت الأجواء.
وظلت تلك الذكرى راسخة لدى صبري، ليعيد غناء الأغنية نفسها في زفاف عمار الشريعي على الإعلامية ميرفت القفاص، حيث غناها الاثنان معا وسط تفاعل كبير، في لحظة جسدت روح الدعابة والوفاء بينهما.