فيديو «فتاة البشعة» يشعل غضبًا واسعًا.. ودار الإفتاء: عادة جاهلية لا أصل لها في الشرع
أثار مقطع فيديو متداول عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر موجة واسعة من الغضب والجدل، بعد ظهور فتاة تُدعى بوسي محمد – المعروفة إعلاميًا بـ«فتاة البشعة» – وهي تُجبر على الخضوع لطقس شعبي يُسمى «البِشْعة» لإثبات شرفها، وهو تقليد موروث يقوم على إلصاق لسان المتهمة بأداة معدنية مُحمّاة بالنار لمعرفة براءتها أو إدانتها وفق معتقدات قبلية لا تستند إلى أي أساس علمي أو شرعي.
وتصدّرت القضية تريند مواقع التواصل بعدما وثّق الفيديو تفاصيل الواقعة، فيما نفت بوسي كافة الاتهامات التي طالتها بشأن فبركة المقطع أو السعي وراء التريند، مؤكدة أنها لم تنشر الفيديو للدعاية أو تحقيق شهرة، بل خرجت فقط لتوضيح الحقيقة بعد انفصالها الرسمي عن زوجها، وقالت في تصريحاتها: «قسماً بالله لم أفبرك شيئًا ولا سعيت للتريند.. انفصلت رسميًا وكنت سعيدة بخروجي لأول مرة بعد الطلاق».
وأضافت أن خلافاتها الزوجية انتهت تمامًا، وأن الصفحة المشتركة بينها وبين زوجها السابق تم إغلاقها، مؤكدة تمنياتها له ولها بحياة أفضل.
طقس "البِشعة": ممارسة مؤذية تُهدد كرامة المرأة
ويُعد طقس البِشعة أحد أقدم الطقوس الشعبية، حيث يُستخدم أحيانًا في بعض البيئات القبلية كاختبار للشرف عبر إحراق اللسان، ويعتبره متخصصون تهديدًا لنفسية المرأة وسلامتها الجسدية، فضلًا عن كونه أسلوبًا مهينًا لا يمتّ بأي صلة للطرق القانونية أو الشرعية لإثبات الحقوق.
دار الإفتاء تحسم الجدل: البِشعة محرمة شرعًا
وفي أول تعليق رسمي بعد انتشار الفيديو، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا حاسمًا أكدت فيه أن البشعة ممارسة محرمة شرعًا ومناقضة تمامًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في صون كرامة الإنسان.
وجاء في البيان أن هذا الأسلوب لا أصل له إطلاقًا في الإسلام، ولا يجوز الاعتماد عليه في إثبات اتهام أو نفي شبهة، لأنه قائم على الإيذاء والتعذيب وتخمينات لا تمت للعدل بصلة.
وأوضحت الإفتاء أن الشريعة وضعت طرقًا واضحة لإثبات الحقوق، أبرزها القاعدة النبوية: «البَيِّنَة على من ادّعى، واليَمين على من أنكر»، وهي القواعد التي تحفظ الحقوق وتمنع الظلم بعيدًا عن الأساليب التي تُعرّض الإنسان للإهانة أو الخطر.
دعوة لرفع الوعي المجتمعي
وشددت دار الإفتاء على أن مقاصد الشريعة الإسلامية جاءت لحماية النفس البشرية وصيانة الكرامة الإنسانية، وأن الإسلام لم يُبح بأي حالٍ من الأحوال ممارسات تقوم على التعذيب أو الامتهان أو الإيذاء، بل رفض جميع الأساليب التي تُنتهك بها حرمة الإنسان تحت دعاوى باطلة أو عادات موروثة لا تستند إلى شرع ولا عقل، مبينة أن البِشْعَة مخالفة صريحة لهذه المقاصد؛ إذ تُهدر كرامة الإنسان وتُعرّضه للأذى البدني والنفسي دون مستند شرعي أو قانوني، محذِّرةً من الانسياق وراء عادات أو موروثات خاطئة تُلبَّس بثوب إثبات الحق وهي في حقيقتها باطلة ومُحرَّمة.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن دورها الشرعي والوطني يستلزم تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الممارسات وآثارها السلبية، مؤكدةً أن حماية الإنسان من الإضرار به ليست واجبًا شرعيًّا فحسب، بل مسؤولية مجتمعية تُسهم في ترسيخ ثقافة العدالة والرحمة، وتدعيم الثقة في مؤسسات الدولة وطرق التقاضي الشرعية والقانونية.
واختتمت دارُ الإفتاء بيانها بدعوةٍ خالصة إلى صون كرامة الإنسان التي عظَّمها الله، والابتعاد عن كل ممارسة تُعرِّض الناس للظلم أو الإيذاء، وتؤكِّد أن الاحتكام إلى الشريعة والقانون هو السبيل الأمثل لحفظ الحقوق واستقرار المجتمع، وأن رحمة الإسلام وعدله أوسع من أن تُختزل في عادات باطلة أو أساليب تُهين الإنسان، نسأل الله أن يرزقنا البصيرة والرشد، وأن يجعل الرفق والعدل منهجًا يُشيع السكينة والأمان بين الناس، وأن يُلهم المجتمع وعيًا يحفظ للإنسان حقه وكرامته في كل حال.

