رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ألفريد فرج.. الكاتب الذي وضع دعائم المسرح العربي المعاصر

نشر
مستقبل وطن نيوز

تمر اليوم الخميس، ذكـرى رحيل الكاتب المسرحي الكبير ألفريد مرقس فرج، وبذكراه تستعيد الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي سيرة أحد أهم الرواد الذين نهضوا بالمسرح العربي الحديث، وشيّدوا له مكانة راسخة في الوعي والوجدان، عبر إبداع امتد لخمسة عقود، جمع فيها بين التأصيل والتجريب، واستلهام التراث، والانفتاح على الفكر الإنساني العالمي.

وُلد ألفريد فرج عام 1929 في قرية كفر الصيادين بمركز الزقازيق في محافظة الشرقية، غير أن نشأته الحقيقية كانت في الإسكندرية، حيث تلقّى تعليمه وتكوّن وعيه الثقافي والفني. وتخرّج في كلية الآداب – قسم اللغة الإنجليزية عام 1949، ليعمل بعد ذلك مدرسًا للغة الإنجليزية لعدة سنوات، قبل أن يختاره المسرح دربًا للحياة، ويختار هو للمسرح دورًا في صناعة الوعي.

وأسهمت دراسته للغة الإنجليزية في انفتاحه على الأدب العالمي، درس أشعار (T. Eliot و Coleridge) وشكسبير، وأسهم اتصاله مع زملائه في اطلاعه على دواوين الشعر الفرنسي، كما قرأ في مكتبة والده لـ (برنارد شو وهربرت جورج ويلز، وجون راسكن وديكنز) وغيرهم الكثير، ما شكّل أساسًا متينًا لرؤيته المسرحية اللاحقة، كما تأثر مبكرًا بفرق التمثيل المدرسية، وهي البداية التي حملته إلى عالم المسرح فكراً وإبداعاً.

انتقل فرج من التعليم إلى العمل الثقافي، فتولى عددًا من المناصب، منها: مستشار برامج الفرق المسرحية بالثقافة الجماهيرية، مستشار أدبي للهيئة العامة للمسرح والموسيقى، ومدير المسرح الكوميدي، وفي عام 1973 غادر إلى الجزائر ليعمل مستشارًا لإدارة الثقافة في وهران ولوزارة التربية والتعليم العالي حتى عام 1979، ثم سافر بعدها إلى لندن حيث عمل محررًا ثقافيًا في صحف عربية حتى أواخر الثمانينيات.

حصل على منحة تفرغ للكتابة المسرحية من وزارة الثقافة، فشهدت هذه الفترة إنتاج عدد من أبرز أعماله، ومنها "حلاق بغداد" (1963)، "سليمان الحلبي" (1965)، "النار والزيتون" (1970) وغيرها من المسرحيات التي تناولت قضايا الحرية والعدل والهوية والصراع السياسي والاجتماعي.

ورأى فرج أن المسرح “منبر للتعبير الجميل وأداة من أدوات التنوير”، وأنه فن يشتبك مع قضايا المجتمع ويعيد طرحها بصيغة تجمع الفكر بالوجدان، وقد أكد على دور المسرح في إعادة الوعي للشعوب العربية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن ثقافتهم، معتبرًا المسرح أداة للحوار مع الآخر وصناعة صورة عادلة عن المجتمعات العربية.

وقد تميز مسرحه بعدد من السمات، أبرزها: الاهتمام بقيمة العدالة، استلهام التراث الشعبي، الغرام بألف ليلة وليلة، الاهتمام بالمسرح الوطني، ومواجهة الغزو السياسي عبر المسرح، كما شكّلت القضايا الاجتماعية والسياسية محورًا أساسيًا في أعماله، التي جاءت امتدادًا لحركة الوعي الجديدة في المسرح العربي بعد الحرب العالمية الثانية.

بلغ إجمالي مؤلفاته 52 عنوانًا، تحول 26 منها إلى أعمال مسرحية جُسدت على خشبات المسارح العربية، مثل:

حلاق بغداد – سليمان الحلبي – عسكر وحرامية – على جناح التبريزي وتابعه قفة – الزير سالم – النار والزيتون – الطيب والشرير.

نال فرج جائزة الدولة التشجيعية عام 1965، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى 1967، إضافة إلى عدة جوائز عربية ودولية. كما حصل على منحتين؛ من اليونسكو عام 1976، الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي عام 1983، وجائزة سلطان العويس عام 1992.

وإلى جانب أعماله المسرحية، كتب «دليل المتفرج الذكي إلى المسرح» عام 1966، و«شارع عماد الدين: حكايات الفن والنجوم» (2005)، كما نشرت الهيئة العامة للكتاب أعماله الكاملة في عدة مجلدات.

وفي الرابع من ديسمبر عام 2005، رحل ألفريد فرج في لندن بعد صراع مع السرطان، عن عمر ناهز 76 عامًا، ودُفن في الإسكندرية كما أوصى، ونعت الصحف المصرية والعربية “أحد أهم كتاب المسرح المعاصرين” الذي أرسى دعائم كتابة مسرحية عربية حديثة، وترك تراثًا راسخًا يشهد على دوره التأسيسي في النهضة المسرحية.

وأجمع النقاد على مكانته، فقال الدكتور عبد المنعم تليمة إنه “ينتمي دورًا وتأسيسًا إلى جيل الرواد”، بينما وصفه الدكتور محمد عناني بأنه “من ألمع كتاب الستينيات وأحد الذين وضعوا أساس المسرح المعاصر”، ورآه الدكتور ماهر شفيق فريد “مثقفًا متعدد الجوانب، وامتدادًا لتوفيق الحكيم في الجمع بين الاطلاع والفكر”.

وفي ذكراه، يبقى ألفريد فرج صوتًا مسرحيًا عربيًا أصيلًا آمن بالهوية، ودافع عن الحرية، وكتب للمسرح باعتباره مرآة المجتمع وضميره، وبصمة لا تُمحى في رصيد الإبداع العربي.

عاجل