بعد تصديق رئيس الجمهورية.. مجلس النواب يوثّق مسيرة قانون الإجراءات الجنائية ورئيس الشيوخ يصفه بالخطوة التشريعية التاريخية
في مشهد يجسد التعاون الوثيق بين مؤسسات الدولة ويؤكد على جدية مسار الإصلاح التشريعي، أصدر مجلس النواب، اليوم الخميس، فيلمًا تسجيليًا جديدًا من إعداد الأمانة العامة للمجلس بالتعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يوثق فيه مراحل إعداد ومناقشة قانون الإجراءات الجنائية الجديد منذ طرحه داخل اللجان النوعية ولجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في ديسمبر 2022 وحتى إقراره النهائي في أكتوبر 2025.
جاء ذلك بالتزامن مع تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي على القانون رقم 174 لسنة 2025 ونشره رسميًا في الجريدة الرسمية، في خطوة وُصفت بأنها إحدى أهم المحطات في مسار تطوير منظومة العدالة المصرية نحو تحقيق العدالة الناجزة وصون الحقوق والحريات العامة.
وأوضح العدد الصادر من الجريدة الرسمية أن بدء العمل بالقانون سيكون اعتبارًا من الأول من أكتوبر 2026، بالتزامن مع العام القضائي الجديد، وذلك لإتاحة الوقت اللازم لتدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي والمحامين على تطبيق أحكامه الجديدة، واستكمال البنية التقنية اللازمة لتفعيل خدمات الإعلان الإلكتروني ومراكز الاتصالات القضائية التي نص عليها القانون.
ويُعد هذا القانون من أهم التشريعات الإصلاحية في تاريخ العدالة المصرية، إذ يستهدف تحقيق العدالة السريعة والمتوازنة، وتقليل فترات الحبس الاحتياطي، وتوسيع نطاق بدائل الحبس، إلى جانب تفعيل منظومة التواصل الإلكتروني بين أطراف الدعوى، في إطار رؤية الدولة للتحول الرقمي الشامل وتحديث بنيتها التشريعية بما يتواكب مع الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
الموافقة النهائية على قانون الإجراءات الجنائية
جاء إصدار القانون بعد موافقة مجلس النواب في جلسته العامة المنعقدة في 16 أكتوبر 2025، على التعديلات التي أُدخلت بناءً على ملاحظات رئيس الجمهورية، بهدف تلافي أسباب الاعتراض وتعزيز الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات العامة، وتحقيق الوضوح التشريعي وإحكام الصياغة القانونية بما يمنع التضارب في التفسير عند التطبيق العملي.
وأكدت مداولات المجلس أن النسخة النهائية من القانون جاءت تتويجًا لعمل وطني مؤسسي مشترك شاركت فيه مختلف أجهزة الدولة، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني، من خلال مناقشات مستفيضة ودراسات متخصصة انتهت إلى صياغة تشريع عصري متكامل يلبي احتياجات الواقع العملي ويحقق التوازن بين العدالة وحماية الحقوق الفردية.
رئيس مجلس الشيوخ: قانون الإجراءات الجنائية خطوة تشريعية تاريخية
من جانبه، ثمن المستشار عصام فريد رئيس مجلس الشيوخ صدور قانون الإجراءات الجنائية بعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، مؤكدًا أن هذا القانون يمثل خطوة تشريعية تاريخية تُعزّز بناء دولة القانون والمؤسسات، وتأتى امتدادًا لمسار التطور التشريعي الشامل الذي تنتهجه الدولة المصرية.
وأكد رئيس المجلس في بيان اليوم الخميس، أن إصدار هذا القانون لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة جهد وطني ممتد شاركت فيه مؤسسات الدولة كافة، ومعها قوى المجتمع المدني، من خلال مداولات جادة ودراسات متعمقة، انتهت إلى صياغة تشريع عصري مُحكم يواكب التطورات، ويلبي احتياجات الواقع القضائي المصري، مع الحفاظ على الأصول الدستورية والثوابت القانونية الراسخة، كما يسعى في القلب من أحكامه إلى تحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة وضمان الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للمواطنين.
وأشاد المستشار "فريد" بالدور التشريعي المسئول الذي اضطلعت به مختلف الجهات المعنية خلال مراحل إعداد ومراجعة القانون، مؤكدًا أن هذا الإنجاز التشريعي يعكس الإرادة السياسية القوية في تطوير منظومة العدالة وتحقيق التوازن بين مقتضياتها وضمان الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للمواطنين.
أبرز المواد المستحدثة في قانون الإجراءات الجنائية
تضمنت أهم الأحكام المعدّلة والمستحدثة في النسخة النهائية من القانون ما يلي:
- تحديد موعد بدء النفاذ من أول أكتوبر 2026، لإتاحة الوقت أمام الجهات المعنية لتدريب الكوادر وتفعيل المراكز الفنية اللازمة لتطبيق النظام الجديد.
- ترسيخ الحماية الدستورية للمساكن، حيث أوضح القانون ضوابط دخولها على سبيل الاستثناء فقط في حالات الاستغاثة أو وجود خطر داهم مثل الحريق أو الغرق أو غير ذلك من الحالات الاستثنائية.
- تنظيم حضور المحامين أثناء استجواب المتهمين، وخاصة في الحالات التي يخشى فيها على حياة المتهم أو سلامته، مع وضع ضوابط دقيقة لأوامر الإيداع بمراكز الإصلاح والتأهيل، بحيث تكون محددة المدة وخاضعة للرقابة القضائية، مع منح المتهم حق الطعن على قرار الإيداع أو تمديده.
- زيادة بدائل الحبس الاحتياطي من ثلاثة إلى سبعة بدائل، لتمكين سلطة التحقيق من اختيار الإجراء الأنسب دون اللجوء إلى الحبس إلا كخيار أخير. ومن بين هذه البدائل المستحدثة:
- إلزام المتهم بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بإذن النيابة العامة.
- منعه من الاتصال بأشخاص معينين أو استقبالهم.
- منعه مؤقتًا من حيازة الأسلحة النارية وذخيرتها مع إلزامه بتسليمها لمركز الشرطة التابع له.
- استخدام وسائل تقنية لتتبع المتهم إلكترونيًا بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والاتصالات.
- تطبيق توصية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية، بإلزام عرض أوراق القضايا التي يُحبس المتهمون على ذمتها احتياطيًا بصفة دورية كل ثلاثة أشهر على النائب العام، لمراجعة مبررات استمرار الحبس أو إنهاء التحقيقات، بعد أن كان العرض يتم لمرة واحدة فقط.
- الاحتفاظ بطرق الإعلان التقليدية بجانب الإعلان الإلكتروني عبر الوسائل التقنية، وذلك لتفادي تعطيل سير القضايا في حال تعذر استخدام الوسائل الحديثة.
- تعزيز ضمانات المحاكمة الغيابية في قضايا الجنايات، إذ ألزمت المحكمة بتأجيل نظر الاستئناف مرة واحدة على الأقل حال غياب المتهم أو وكيله الخاص، لضمان تمكينه من ممارسة حق الدفاع أمام المحكمة.

