الذكاء الاصطناعي يقود أسواق «وول ستريت» وسط موسم أرباح قوي لشركات التكنولوجيا الأمريكية
شهد الأسبوع الماضي، الذي خفض فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، وأعلنت خلاله عشرات الشركات الأمريكية نتائجها الفصلية، تركيزا واضحا على قطاع واحد هيمن على الأسواق، وهو الذكاء الاصطناعي.
وأظهرت نتائج شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة أن أكبر الشركات في العالم مازالت تضخ مليارات الدولارات في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية، ما أشاع التفاؤل بين المستثمرين وعزز الإقبال على الاستثمار في هذا القطاع.. ونتيجة لذلك، ارتفع مؤشرا "إس آند بي 500" و"ناسداك 100" خلال الأسبوع، ليقتربا من مستويات قياسية جديدة.
لكن في المقابل، كان المستثمرون سريعين في معاقبة الشركات التي لم تُظهر عائدا ملموسا على إنفاقها الضخم في تحول عن موجة التفاؤل غير المحدودة التي كانت تحيط بإنفاقات الذكاء الاصطناعي سابقا، حيث تراجعت أسهم شركة "ميتا"، المالكة لمنصة "فيسبوك"، بأكبر انخفاض يومي منذ ثلاث سنوات بسبب القلق من ارتفاع نفقاتها، فيما انخفضت أسهم "مايكروسوفت" بأكثر من 4% خلال يومين بعد أن جاءت نتائج نمو إيراداتها من الحوسبة السحابية دون توقعات المستثمرين.
وقال كيفن جوردون رئيس قسم البحوث الكلية في شركة "تشارلز شواب آند كو" لتحليل الأسواق "بدأنا نرى ما يشبه اختبار الانضباط الذي يفرضه المستثمرون على الشركات.. في مرحلة ما، يجب أن نرى دليلا على العائد المتوقع من هذا الاستثمار".
وفي المقابل، كانت ردود فعل المستثمرين أكثر تفاؤلا تجاه الإنفاق الكبير لشركتي "أمازون" و"ألفابت"، إذ ساعدت الزيادة المتسارعة في نمو خدمات "أمازون ويب سيرفيسز" على رفع سهم الشركة بنحو 10% يوم الجمعة رغم القفزة الكبيرة في نفقاتها الرأسمالية، كما ارتفع سهم "ألفابت"، الشركة الأم لجوجل، بنسبة 2.5% يوم الخميس بدعم من الطلب القوي على خدمات السحابة والذكاء الاصطناعي.
ويبدو أن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وحده لم يعد كافيا لإرضاء المستثمرين، الذين أصبحوا يركزون الآن بشكل أكبر على نمو الإيرادات الفعلي، حيث أظهرت ردود الفعل المختلفة على نتائج "العمالقة الكبار" خلال الأسبوع أن المستثمرين يكافئون الشركات التي تظهر نتائج ملموسة لاستثماراتها السابقة في الذكاء الاصطناعي.
وأعلنت "ألفابت" أن إيراداتها من المنتجات القائمة على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تضاعفت 3 مرات في الربع الثالث مقارنة بالعام الماضي، بينما نمت مبيعات "جوجل كلاود" بنسبة 34% لتصل إلى 15.2 مليار دولار، متجاوزة توقعات المحللين.
أما أمازون، فقد طمأنت المستثمرين بأداء قوي في قطاع الحوسبة السحابية، وكشف الرئيس التنفيذي آندي جاسي عن تفاصيل جديدة لمشروعات الشركة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، من بينها روبوت المحادثة الخاص بالتسوق الذي يتوقع أن يضيف نحو 10 مليارات دولار من المبيعات السنوية الإضافية.
وفي المقابل، واجهت "ميتا" صعوبات في تهدئة مخاوف الأسوق من إنفاقها الكبير، خاصة أنها تفتقر إلى نشاط ضخم في مجال الحوسبة السحابية يمكن أن يبرر العوائد المباشرة على استثمارات الذكاء الاصطناعي، ورغم تأكيد الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج على التحسينات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في استهداف الإعلانات وزيادة التفاعل، إلا أن المستثمرين ظلوا متشككين في العائدات المستقبلية.
وقال آلين بوند مدير المحافظ في "جينسن إنفستمنت مانجمنت" إن "هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها أن زيادة الإنفاق الرأسمالي لا تُكافأ بشكل موحد، أصبح التركيز الآن على العائد من رأس المال المستثمر".
ورغم هذه المخاوف، اعتبر العديد من المستثمرين أن التزامات الشركات الكبرى بالإنفاق على الذكاء الاصطناعي تشكل ضوءا أخضر لاستمرار موجة الاستثمار في هذا القطاع، التي امتدت هذا العام إلى قطاعات أشباه الموصلات وموردي الطاقة والبنية التحتية الرقمية.
وكان أبرز المستفيدين من هذا الاتجاه شركة "إنفيديا"، التي قفزت أسهمها بنحو 9% خلال الأسبوع، لتصبح أول شركة في العالم تبلغ قيمتها السوقية 5 تريليونات دولار، كما ارتفعت أسهم شركات أخرى مرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل "سيجيت تكنولوجي" و"ويسترن ديجيتال" بعد توقعات قوية، فيما صعدت "سوبر مايكرو كمبيوتر" و"برودكوم" بأكثر من 4%، وحققت "كاتربيلر" ارتفاعا بنسبة 10% مدفوعة بالطفرة في بناء مراكز البيانات الضخمة.
أما أسهم شركة "أبل"، التي تنفق أقل على الذكاء الاصطناعي مقارنة بعمالقة التكنولوجيا الآخرين، فقد ارتفعت بنحو 2.9% خلال الأسبوع رغم نتائج مالية متباينةـ. وعلى نطاق أوسع أظهرت نتائج شركات التكنولوجيا الكبرى أداء يفوق توقعات وول ستريت، ما أعاد الطمأنينة إلى المستثمرين القلقين من تضخم تقييمات الأسهم.
ووفقا لبيانات "بلومبرج"، فإن أرباح 6 من شركات "السبعة العظام"، التي تضم أيضا "تسلا"، تسجل نموا فصليا يبلغ نحو 27% مقابل توقعات سابقة عند 15% قبل بدء موسم النتائج، في حين يُتوقع أن يسجل مؤشر "إس آند بي 500" نموا في الأرباح بنسبة 13%.
ورغم أن موسم الأرباح الحالي عزز الثقة في موجة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الأنظار تتجه الآن إلى شركة "إنفيديا"، التي ستعلن نتائجها في 19 نوفمبر.. وتأتي التوقعات مرتفعة بعد أن قدم الرئيس التنفيذي للشركة جن سن هوانج، في واشنطن هذا الأسبوع، نظرة مستقبلية قوية لنمو الشركة، لكن أي نتائج دون التوقعات قد تهز الأسواق العالمية بأكملها نظرا لمكانة "إنفيديا" المحورية في صناعة الذكاء الاصطناعي.