«معلومات الوزراء»: 380 ألف طن احتياطيات الثوريوم في مصر بنسبة 6% من الاحتياطي العالمي
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله معدن "الثوريوم"، مشيراً إلى أنه يُعد من المعادن المشعة، التي أعادت إحياء النقاش العالمي حول مستقبل الطاقة النووية، حيث اكتُشف منذ القرن التاسع عشر، لكنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي مقارنة باليورانيوم الذي سيطر على صناعة المفاعلات النووية لعقود طويلة، ولكن مع تصاعد التحديات البيئية والبحث عن مصادر طاقة أكثر أمانًا واستدامة، ظهر الثوريوم كخيار واعد بفضل وفرة موارده، وانخفاض مخاطره الإشعاعية نسبيًّا، وقدرته على إنتاج طاقة عالية الكفاءة مع تقليل النفايات النووية طويلة العمر، وتمثل العودة إلى دراسة هذا العنصر وابتكار تقنيات لاستخدامه خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل خريطة الطاقة في القرن الواحد والعشرين.
أشار التحليل إلى أن الثوريوم عنصر كيميائي طبيعي ثقيل، ورمزه الكيميائي Th وعدده الذري 90، وهو معدن ذو لون فضي يتميز بانخفاض مستوى إشعاعه، وموجود في الصخور المتحللة والرمال المعدنية الثقيلة، ويُعد أكثر وفرة من اليورانيوم في الطبيعة بثلاثة إلى أربعة أضعاف، إلا أن استخداماته الصناعية أو في مجال الطاقة ظلت محدودة عبر التاريخ، ويرجع ذلك إلى أن الثوريوم ليس وقودًا نوويًّا في حد ذاته، ولكن يُمكن استخدامه لإنتاج الوقود النووي.
وأوضح التحليل تعدد مزايا واستخدامات الثوريوم، إذ يجمع بين الوفرة في الطبيعة، والكفاءة العالية في الاستخدام، وقد جذب اهتمام الباحثين بوصفه بديلًا استراتيجيًّا لليورانيوم في المفاعلات النووية، إضافةً إلى أهميته الصناعية في مجالات متعددة، ومن أبرز مزاياه واستخداماته:
-يُعد الثوريوم أكثر وفرة من اليورانيوم، وهذا يجعل الثوريوم أكثر ملاءمةً لاستدامة الطاقة على المدى الطويل، بالإضافة إلى أن إنتاجيته أكبر من اليورانيوم؛ حيث تشير التقديرات إلى أن القشرة الأرضية تحتوي على كمية تصل إلى 10.5 أجزاء في المليون من الثوريوم، مقابل 3 أجزاء في المليون من اليورانيوم، وأيضًا الثوريوم يقدم حلًّا طويل الأجل لتلبية احتياجات البشر من الطاقة نظرًا إلى وفرته وقدرته على إنتاج المواد الانشطارية داخل المفاعلات النووية.
-يُعَدّ الثوريوم وقودًا مناسبًا بشكل خاص للمفاعلات ذات الأملاح المنصهرة (Molten Salt Reactor) حيث تستخدم هذه المفاعلات مزيجًا من وقود الثوريوم السائل وأملاح الفلوريد، مما يسهل عملية نقل الحرارة بكفاءة ويُعزز آليات السلامة.
-تُعد المفاعلات التي تعمل بالثوريوم أكثر ملاءمة للبيئة مقارنةً بالمفاعلات العاملة باليورانيوم، فهي لا تُطلق الغازات الدفيئة أثناء التشغيل، كما أنها تنتج كمية أقل من النفايات النووية طويلة العمر مقارنةً بالمفاعلات التقليدية المعتمدة على اليورانيوم.
-يُستخدم الثوريوم في صناعة السيراميك، وقضبان اللحام، وعدسات الكاميرات والتلسكوبات، والطوب الحراري، والطلاء المقاوم للحرارة، ويُعد الثوريوم مادة خام حيوية في صناعة تكنولوجيا الفضاء، ووقودًا نوويًّا مهمًّا للوقت الحالي وللمستقبل، لذا، ينبغي تعزيز التنمية الرشيدة والحماية الاستراتيجية لموارد الثوريوم، إلى جانب توفير احتياطيات استراتيجية مناسبة.
أوضح التحليل أن احتياطيات الثوريوم تُقدر عالميًّا بنحو 6.4 ملايين طن، وتوجد موارد الثوريوم في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في أستراليا، والبرازيل، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمتلك الهند أكبر احتياطيات بنحو 850 ألف طن وبنسبة 13% من الاحتياطي العالمي، تليها البرازيل باحتياطيات تقدر بنحو 630 ألف طن وبنسبة 10%، ثم أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية باحتياطيات تقدر بنحو 600 ألف طن لكلا منهما على حدى وبنسبة 9% لكلا منهما، ثم مصر وتركيا بنسبة 6% لكلا منهما على حدى، ثم فنزويلا بنسبة 5%، ثم كندا بنسبة 3%، ثم روسيا وجنوب إفريقيا والصين بنسبة 2% لكل منها.
وتُعد نيجيريا أكبر مصدري خامات ومركزات الثوريوم عالميًّا؛ حيث بلغت صادراتها منها نحو 114.5 مليون دولار في عام 2024، وهذا يعود إلى نقص التكنولوجيا المحلية في نيجيريا، وخصوصًا غياب التكنولوجيات النووية المتطورة أو المشروعات الاستثمارية الكبيرة التي تستخدم الثوريوم، فالموارد غالبًا ما تُباع كمركزات خام أو تُصدر في شكل غير مُصنّع.
أما بالنسبة للواردات، فجاءت الصين في صدارة الدول المستوردة لخامات ومركزات الثوريوم في عام 2024، حيث بلغت وارداتها نحو 151.5 مليون دولار، وهذا يعود إلى اهتمام الصين ببرامج البحث والتطوير القائمة على الثوريوم، وخصوصًا تركيزها على تكنولوجيا المفاعلات الملحية المنصهرة.
وفيما يتعلق بالتطورات الحالية، أوضح مركز المعلومات أن عدد من الدول، بما في ذلك الهند والصين والولايات المتحدة، قد استثمرت في برامج البحث والتطوير القائمة على الثوريوم؛ وعلى الرغم من أن هذه المبادرات مثيرة جدًّا للاهتمام، فإن الاستخدام العام للمفاعلات المعتمدة على الثوريوم لا يزال في مرحلة التجريب والتطوير، ولم يدخل في التشغيل التجاري الكامل مثل المفاعلات التقليدية التي تعتمد على اليورانيوم.
وأوضح التحليل أن احتياطيات الثوريوم في مصر تُقدر بنحو 380 ألف طن، من إجمالي الاحتياطي العالمي المقدر بنحو 6.4 ملايين طن، موزعة في العديد من المناطق، ومن أبرزها:تركيزات في التربة والنباتات البرية الموجودة في وادي المسكيت (الصحراء الشرقية الوسطى)، وتركيزات في رواسب مجرى وادي نجروس (جنوب الصحراء الشرقية)، وتركيزات في منطقة جبل حمر الرها (شمال الصحراء الشرقية) موزعة بين الصخور البركانية الحمضية، والصخور الجرانيتية الحديثة، وبالفوالق الجيولوجية، كما تحتوي صخور الفوسفات في منطقة السباعية في وادي النيل، وفي منطقتي الحمادات وزوغ البحر في البحر الأحمر على الثوريوم، لكن يختلف شكله وطريقة وجوده من منطقة إلى أخرى، فبالنسبة لمنطقة السباعية يوجد الثوريوم داخل معادن؛ مثل: الزركون والمونازيت، وبالنسبة لمنطقة زوغ البحر فيوجد على شكل تجمعات دقيقة/ (صغيرة جدًّا) متناثرة داخل المصفوفة السيليكاتية، وبالنسبة لمنطقة الحمادات، فإنه مرتبط بشكل أساسي بالمصفوفة والأسمنت السيليكاتي، وأيضاً يوجد الثوريوم في مصر بشكل رئيس داخل معادن؛ مثل: المونازيت والزركون الموجودة في الرمال السوداء، وبما أن مصر تمتلك احتياطيات كبيرة من هذه الرمال تصل إلى نحو 1.3 مليار متر مكعب، موزعة على أربع مناطق رئيسة في محافظات البحيرة ودمياط وكفر الشيخ وشمال سيناء، فإن ذلك يجعل الرمال السوداء مصدرًا مهمًّا ولا غنى عنه في الحصول على الثوريوم.
الجدير بالذكر أن العوائد المتوقعة من استخدام وبناء وتشغيل مفاعلات الثوريوم في مصر، تتمثل في كونه حافزًا لنمو اقتصادي، إذ سوف يُسهم في خلق آلاف الوظائف في قطاعات الهندسة والتصنيع، وأيضًا سوف يُسهم في توليد الكهرباء بأضعاف ما يولده كل من السد العالي ومحطة الضبعة النووية.
أشار التحليل إلى وجود مجموعة من الفرص التي تجعل منه خيارًا واعدًا على المستوى العالمي، سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية أو الاستراتيجية، ومن أبرز هذه الفرص:
-فرص اقتصادية: إذ يتوافر الثوريوم بشكل كبير مقارنة باليورانيوم، مما يتيح تأمين إمدادات وقود نووي على المدى الطويل، كما أن استغلاله يمكن أن يقلل من فاتورة استيراد الوقود النووي التقليدي ويفتح المجال أمام تطوير صناعات محلية.
-فرص بيئية: حيث أن استخدام مفاعلات الثوريوم يولّد نفايات مشعة أقل حجمًا وأقصر عمرًا إشعاعيًّا من تلك الناتجة عن اليورانيوم، مما يقلل من المخاطر البيئية المرتبطة بالتخزين والمعالجة، ويساهم في دعم أهداف التحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة.
-فرصة تكنولوجية: تطوير مفاعلات الثوريوم يمكن أن يقود إلى ابتكارات جديدة في مجال تصميم المفاعلات وأنظمة الأمان النووي، مما يرفع مستوى الكفاءة ويعزز فرص بناء جيل جديد من المفاعلات الأكثر أمانًا وفاعلية.
-فرصة استراتيجية: يوفر الثوريوم وسيلة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري واليورانيوم، بما يعزز أمن الطاقة العالمي ويمنح الدول المالكة لاحتياطاته ميزة جيوسياسية مهمة، إضافة إلى إمكانية تطوير شراكات دولية في مجالات البحث والتطوير النووي.
وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يتمتع بها الثوريوم كمصدر محتمل للطاقة النووية، فإن استخدامه ما زال يواجه عقبات عديدة، فهناك مجموعة من التحديات المقترنة بالجانب التكنولوجي والاقتصادي والتنظيمي، والتي تشكّل عائقًا أمام اعتماده بشكل واسع في قطاع الطاقة النووية، ومن بين أبرز هذه التحديات ما يأتي:
-تحدٍ اقتصادي: يتطلّب تطوير مفاعلات الثوريوم وبناؤها استثمارات ضخمة تشمل البنية التحتية اللازمة لتصنيع الوقود ومعالجته، إضافة إلى إنشاء سلسلة إمداد موثوقة، ومع ذلك، ما زالت الجدوى التجارية لهذه المفاعلات غير واضحة، كما أن ارتفاع تكاليفها الأولية قد يشكّل عقبة أمام تبنّيها ودعم انتشارها على نطاق واسع.
-تحدٍ تنظيمي: يواجه استخدام مفاعلات الثوريوم تحديات معقدة، إذ تفتقر الجهات المعنية إلى خبرات كافية في وضع أطر تنظيمية خاصة بهذا النوع من المفاعلات وتقنياته، كما أن اللوائح النووية المعمول بها صُممت أساسًا لمفاعلات تعمل بوقود اليورانيوم، الذي يمتلك سلاسل توريد مختلفة تمامًا عن تلك المطلوبة للثوريوم.
-تحدٍ تكنولوجي: الثوريوم نفسه أقل إشعاعًا من اليورانيوم، ولكن أثناء تحلله ينتج مواد ثانوية؛ مثل: الرادون-220، وهذه المواد الثانوية تكون شديدة الإشعاع وخطرة على الصحة، ولذلك، يجب التعامل معها ومعالجتها بحذر شديد؛ لأنه لو تم إطلاقها في البيئة من الممكن أن تسبب مخاطر صحية للبشر.
أشار التحليل في ختامه إلى أن الثوريوم يُمثل أحد أبرز البدائل المستقبلية في مجال الطاقة النووية لما يتمتع به من وفرة في الطبيعة وكفاءة أعلى من اليورانيوم، إضافةً إلى ميزاته في الأمان والاستدامة، وتشير التقديرات إلى أن استغلاله يمكن أن يسهم في تحقيق أمن الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية على المدى الطويل، ورغم أن استخداماته التجارية ما تزال محدودة، فإن تزايد الاهتمام الدولي بتطوير تقنيات المفاعلات القائمة عليه يمنح الدول المالكة لاحتياطيات ضخمة، مثل: مصر والهند والبرازيل، فرصةً استراتيجية لتعزيز مكانتها في مجال الطاقة النظيفة، ومن ثم، فإن الثوريوم لا يُعد مجرد مورد معدني، بل ركيزة محتملة لأمن الطاقة العالمي والتنمية المستدامة إذا ما جرى استثماره بطرق علمية واقتصادية مدروسة.