«أم الدنيا».. مصر تستقبل آلاف الجرحى الفلسطينيين لإنقاذ حياتهم عبر معبر رفح
لعبت مصر، بتوجيه مباشر من القيادة السياسية، دورًا إنسانيًا محوريًا لا يقتصر فقط على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بل امتد ليشمل فتح أبواب مستشفياتها لاستقبال آلاف الجرحى والمرضى الفلسطينيين ممن تحتاج حالتهم إلى تدخلات طبية عاجلة لا يمكن توفيرها في ظل انهيار المنظومة الصحية في غزة.
وأعلنت وزارة الصحة المصرية حالة الاستنفار القصوى في أكثر من 26 محافظة مصرية، ووضعت مئات المستشفيات في حالة تأهب لاستقبال الجرحى، لضمان أعلى مستوى من الرعاية المتخصصة. تم تخصيص ما يقرب من 300 مستشفى في مراحل مختلفة للتعامل مع الحالات، وتوزعت هذه المستشفيات على عدة محافظات لضمان عدم الضغط على البنية التحتية في شمال سيناء فقط.
وشمل التوزيع مستشفيات شمال سيناء مثل مستشفى العريش العام التي استقبلت الحالات فور العبور لفرزها وتقييمها، وكذلك مستشفيات متخصصة في مدن القناة والإسماعيلية والسويس والقاهرة لاستقبال الحالات الحرجة التي تحتاج لعمليات جراحية دقيقة أو رعاية مركزة.
تم تخصيص أسطول ضخم من سيارات الإسعاف (أكثر من 150 سيارة إسعاف مجهزة بوحدات عناية مركزة) وفرق طبية ولوجستية كبيرة (نحو 750 مسعفاً وسائقاً في شمال سيناء).
كانت مهمة هذه الفرق هي استقبال الجرحى من الجانب الفلسطيني في معبر رفح، وتصنيف حالاتهم ميدانياً، ونقلهم بشكل فوري ومؤمن إلى مستشفيات الإحالة داخل مصر. تم دعم المستشفيات المخصصة بأكثر من 38 ألف طبيب و25 ألف ممرض في مختلف التخصصات الجراحية والباطنية والتخدير. كما تم تجهيز المستشفيات بـ 25 ألف كيس دم كاحتياطي استراتيجي، وتوفير أسرة الرعاية المركزة (للكبار والأطفال) وأسرة الحروق وحضانات الأطفال حديثي الولادة.
تجاوزت الرعاية المصرية العلاج الطبي، لتمتد إلى الرعاية الاجتماعية واللوجستية الشاملة للمصابين ومرافقيهم. استقبلت مصر آلاف المصابين والجرحى لتلقي العلاج المتخصص، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الحالات الأخرى التي تلقت فحوصات طبية وعلاجًا للحالات المزمنة. تم إجراء آلاف العمليات الجراحية الدقيقة والمعقدة للمصابين في المستشفيات المصرية المتخصصة.
تضمنت الحالات التي تم استقبالها أعدادًا كبيرة من الأطفال، وتم تقديم الرعاية اللازمة لهم، بما في ذلك تقديم جرعات تطعيمية للتحصين ضد أمراض شلل الأطفال والحصبة وغيرها.
وتحملت الدولة المصرية مسؤولية توفير الإقامة والإعاشة الكاملة لآلاف المرافقين الذين دخلوا مع المصابين، وذلك في أماكن إقامة مجهزة، مؤكدة أن الدعم ليس علاجياً فحسب بل هو دعم اجتماعي وإنساني شامل. أكدت التقارير الرسمية أن إجمالي تكلفة الخدمات الطبية والرعاية التي قدمتها مصر تحملتها الدولة بالكامل، وهي مبالغ ضخمة تعكس الالتزام الكامل تجاه الأشقاء الفلسطينيين، حتى مع تحمل مصر نفسها ضغوطًا اقتصادية.
كانت عملية إجلاء وعلاج المصابين تنطوي على تحديات لوجستية وسياسية كبرى، نجحت مصر في التغلب عليها عبر التنسيق الدبلوماسي. تخضع عملية إجلاء المرضى لآلية معقدة تتطلب التنسيق بين السلطات الفلسطينية (لإعداد القوائم)، والسلطات المصرية (للموافقة وتنظيم الاستقبال)، والجانب الإسرائيلي (للسماح بالعبور).
وقد بذلت الدبلوماسية المصرية جهودًا مضنية لتبسيط هذه الآلية وتسريعها لإنقاذ الحالات الحرجة. عملت مصر بتنسيق مستمر مع منظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمات الأممية الأخرى لضمان استدامة الخدمات الطبية وتأمين الاحتياجات الصحية العاجلة، مما أكسب الدور المصري اعترافًا دوليًا واسعًا بجهوده الإنسانية.