الذكرى الثامنة لـ "ملحمة الواحات".. حين واجه رجال الشرطة الموت بابتسامة النصر

تمر اليوم 8 سنوات على واحدة من أعظم ملاحم البطولة والفداء في تاريخ مصر الحديث، ملحمة الواحات التي سطر فيها رجال الشرطة أسمى معاني الشجاعة والتضحية، عندما واجهوا خلية إرهابية مسلحة في عمق الصحراء الغربية، رافضين الاستسلام رغم ظروف المعركة القاسية.
تفاصيل العملية الإرهابية
في صباح 20 أكتوبر 2017، تحركت قوة مشتركة من ضباط الأمن الوطني والعمليات الخاصة بوزارة الداخلية، بعد تلقي معلومات دقيقة عن وجود خلية إرهابية في منطقة الكيلو 135 بطريق الواحات البحرية بمحافظة الجيزة، كان الهدف القضاء على هذه الخلية التي كانت تستعد لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المنشآت الحيوية للدولة.
تتألف القوة من نخبة من رجال الشرطة، بقيادة العقيد أحمد فايز، والمقدم إسلام مشهور، والرائد محمد وحيد، والنقيب أحمد جاد، وغيرهم من ضباط وأفراد الأمن الوطني الذين سبق لهم مواجهة الإرهاب في سيناء، لكن الإرهابيين كانوا على أهبة الاستعداد، حيث فتحوا نيرانهم بكثافة فور اقتراب قوات الأمن، مستخدمين أسلحة آلية وقناصة ومدافع جرينوف.
المعركة البطولية وسط صحراء قاسية
تمت محاصرة قوات الشرطة داخل وادٍ رملي ضيق، وانقطعت الاتصالات بينهم وبين غرفة العمليات، ومع ذلك لم يبدُ أي منهم أي نية للانسحاب، استمرت المواجهة الشرسة لأكثر من 6 ساعات وسط ظروف صعبة، حيث كانت الذخيرة تنفد وبدت فرص النجاة ضئيلة، لكن عزيمة الرجال وإيمانهم بحماية الوطن جعلتهم يصمدون حتى الرمق الأخير.
شهدت المعركة مواقف بطولية خالدة، منها رفض العقيد أحمد فايز الانسحاب رغم إصابته، حيث ظل يوجه زملاءه ويحثهم على الثبات، والمقدم إسلام مشهور الذي أطلق النار بيد واحدة رغم إصابته في الذراع، والنقيب عمرو صلاح الذي قاتل ببسالة حتى استشهد، كما تجلت روح التضحية عندما حاول أحد الأفراد إنقاذ زميله الجريح فاستشهد معه.

رد الدولة والقصاص العادل
في اليوم التالي، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكثيف العمليات الأمنية لملاحقة العناصر الإرهابية في الصحراء الغربية، أطلقت وزارة الداخلية بالتعاون مع القوات المسلحة حملة أمنية واسعة أطلقت عليها اسم “الثأر للشهداء”، أسفرت عن مقتل قيادات إرهابية بارزة مثل الليبي عماد الدين عبد الحميد أحد قيادات تنظيم "المرابطون" المرتبط بهشام عشماوي.
كما تم القبض على عدد من المتورطين في الهجوم الذين اعترفوا بتلقي الدعم من تنظيم القاعدة في ليبيا، وهدفتهم إقامة معسكرات تدريب إرهابية داخل الحدود المصرية. وتم تقديمهم للعدالة التي أصدرت أحكامًا مشددة بالإعدام والسجن الطويل.
إرث ملحمة الواحات
تظل ملحمة الواحات رمزًا خالداً في ذاكرة الوطن، تعبر عن بسالة رجال الشرطة وإخلاصهم في الدفاع عن أرض مصر وشعبها. فقد كان هؤلاء الأبطال مثالاً حيًا على أن الدفاع عن الوطن لا يحتاج إلى كلمات بقدر ما يحتاج إلى إيمان وعزيمة وإصرار على النصر مهما كانت التحديات.
إن قصة ملحمة الواحات ليست مجرد ذكرى أو حدث عابر، بل درس مستمر للأجيال القادمة بأن مصر ستظل صامدة بعزيمة أبنائها، وأن دماء الشهداء لم تذهب سدى، بل كانت رهانًا على مستقبل آمن ومستقر للجميع.

الرئيس السيسي كرم أسرهم
في كل مناسبة وطنية، يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على تأكيد أن تضحيات شهداء مصر من رجال الشرطة والقوات المسلحة ستظل خالدة في وجدان الوطن، وأن أسرهم ستظل دائمًا في مقدمة أولويات الدولة.
وخلال احتفال الدولة بيوم الشرطة، ألقى الرئيس السيسي كلمة مؤثرة عبّر فيها عن تقديره العميق لتضحيات الأبطال الذين قدّموا أرواحهم دفاعًا عن الوطن، وقال: "لن ننسى أبدًا أبناءنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن نحيا نحن في أمان، هؤلاء الشهداء هم تاج فوق رؤوسنا جميعًا، ووصيتنا أن نكرم أسرهم ما حيينا."
وأكد الرئيس أن دماء الشهداء الزكية هي التي تحفظ أمن واستقرار الوطن، وأن تكريم أسرهم ليس مجرد واجب إنساني، بل هو رد جميل لتضحيات لا تقدر بثمن.
وفي لفتة تقديرية، منح الرئيس وسام الجمهورية من الطبقة الأولى لأسر شهداء الواحات، الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والشرف، كما وجّه بتوفير الرعاية الكاملة لهم في مجالات السكن والتعليم والعلاج، بما يضمن لهم حياة كريمة تليق بتضحيات أبنائهم.
ولم يتوقف التكريم عند ذلك الحد، بل أطلقت الدولة أسماء الشهداء على عدد من المدارس والشوارع والمنشآت العامة تخليدًا لذكراهم، حتى تبقى سيرتهم حاضرة في وجدان الأجيال الجديدة.
وفي عام 2022، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي النصب التذكاري لشهداء الشرطة في أكاديمية الشرطة، حيث خصّ بالذكر أبطال ملحمة الواحات، مؤكدًا أنهم خاضوا أشرس المعارك ضد الإرهاب وكتبوا بدمائهم فصلًا خالدًا في سجل البطولة المصرية.
وقال الرئيس آنذاك: "هؤلاء الأبطال واجهوا أشرس معركة، وكتبوا بدمائهم فصلًا جديدًا من فصول البطولة المصرية الخالدة."
بهذا التأكيد المتجدد، يرسخ الرئيس السيسي تقليدًا وطنيًا أصيلًا: أن الشهداء لا يُنسون، وأن مصر لا تنسى أبناءها الذين حموا ترابها بدمائهم الطاهرة.