«بالتي هي أحسن» .. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة اليوم

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم، 17 أكتوبر 2025 الموافق 25 ربيع الآخر 1447، بعنوان «بالتي هيَ أحسن».
وقالت الوزارة إن الهدف من الخطبة هو التعريف بقيمة أدب الحوار، وأهمية التسامح، وضرورة التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك في إطار سعي الوزارة لترسيخ ثقافة التعايش والتفاهم داخل المجتمع، ومواجهة خطاب الكراهية والتطرف.
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على خمس عشرة دقيقة للخطبتين الأولى والثانية.
نص خطبة الجمعة اليوم:
الخطبة الأولى
الحمد لله العزيز الحميد، القوي المجيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نطق بها فهو سعيد، سبحانه هدى العقول ببدائع حكمه، ووسع الخلائق بجلائل نعمه، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، شرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
فلقد جبلت الحياة على التنوع، وخلق الإنسان مختلفا في طبعه وفكره؛ فالاختلاف فطرة إنسانية، وسنة كونية، وصنيعة ربانية، وليس الاختلاف نقيصة بشرية، فهو غنى حضاري، به تثرى العقول، وتوسع الأفهام، فجوهر الحضارة يكمن في قدرة المجتمع على استيعاب هذا التباين، والارتقاء به من التصادم إلى التنافس المحمود، فحينما انعدم الاستيعاب تحولت البيوت إلى ساحات نزاع، والمجالس إلى ميادين شقاق، وتفككت أواصر المودة؛ فالعقلية الفارقة ترى في مخالفة الرأي فرصة للتعلم لا دعوة للتعصب، ويدرك أن سعة الأفق تبدأ من تفعيل فن الاستيعاب، ليتحقق الوداد، قال الله تعالى: {ولو شآء ربك لجعل ٱلناس أمة وٰحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذٰلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من ٱلجنة وٱلناس أجمعين}.
أيها الكرام، لقد كان المنهج النبوي منهجا أدبيا رفيعا في إدارة الخلاف، كانت قدرته على احتواء المخالف درسا في الإيمان بأن الحق قوي بذاته، ولا يحتاج إلى قسوة لفرض سطوته، بل إلى سعة صدر تجتذب المخالف وتذيب عناده، فكانت كلماته بلسما، ونظراته أمنا، حتى لمن جاء يتربص أو يخاصم، ألم يصل إليكم خبر هذا الأعرابي الجافي الذي جذب رداءه بعنف مطالبا بحقه، فكان جزاؤه ابتسامة نبوية وعطاء وفيرا، محولا الفظاظة إلى إجلال، ألم تسمعوا عن هذا الاحتواء النبوي للشاب الذي طلب الإذن بالزنا؟ فنور قلبه ووجدانه بالعفة والطهر، ألم يكتب التاريخ عن وفد نجران الذي أذن لهم الجناب المعظم بإقامة صلاتهم في مسجده المكرم؟ رافعا بذلك قيمة التعايش بين الحضارات، ومبينا أن السعة النبوية تحوي الجميع، في حسن تطبيق للقاعدة القرآنية: {وقل لعبادي يقولوا ٱلتي هي أحسن}.
أيها المكرمون، لقد حولت جماعات التطرف الخلاف من اختلاف تنوع إلى صراع وجود، حين تعتبر رأيها نصا، وتفسيرها شرعا، فلا تحتمل أن يدور الفكر خارج فلكها الضيق، فتفقد الفكر قدرته على النمو، وتغتال الرحمة باسم التشدد، في حال من الانغلاق الفكري، والاستئصال الممنهج لروح المراجعة والإصغاء؛ ليتحول المخالف إلى عدو، وتتحول الحجة إلى بدعة، والحوار الهادئ إلى ساحة للتكفير، حتى يغدو الإيمان نفسه ملكية خاصة لا يشاركهم فيها أحد، لتبقى مأساة التطرف أنه يقتل آداب الحوار باسم الحقيقة، ويجرد العقل من حريته باسم الالتزام، وقد تناسى أصحاب هذا الفكر المتطرف هذا المبدأ القرآني: {لآ إكراه في ٱلدين}.
سادتي الكرام، إن للاتفاق والاختلاف أخلاقا وآدابا تضبط سير الحوار، فعليكم بالصدق في النية، وابحثوا عن الحق أينما كان، وتحلو بحسن الاستماع، وتجنبوا السخرية والتجريح، والبعد عن تضخيم نقاط التباين، أنصتوا قبل أن تحكموا، والتمسوا الأعذار قبل أن تتهموا، واحرصوا على النقاط الجامعة؛ فالمؤمن الحق لا يخاصم بلسانه، بل يحاور بحجته، وتطبيق تلك الآداب صمام الأمان للمجتمعات، بها تصان الوحدة من التمزق، وتحفظ كرامة الأفراد؛ فالمجتمع الذي يتعلم أفراده استيعاب بعضهم البعض هو مجتمع قوي راسخ، يختلفون في الفروع لكنهم يتفقون على الأصول، فاختلاف المشارب الفكرية يمكن أن يكون مصدرا للقوة إذا سير بالحكمة، فالاستيعاب هو الركيزة التي تجعلنا نتعايش مع الآخر، حتى لو لم نتفق معه،؛لنكون جميعا كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، رغم تنوع أجزائه، قال الله تعالى: {ٱدع إلىٰ سبيل ربك بٱلحكمة وٱلموعظة ٱلحسنة وجٰدلهم بٱلتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيلهۦ وهو أعلم بٱلمهتدين}.
أيها الكرام، الاختلاف سنة كونية لا مفر منها، وميدان رحب تختبر فيه العقول، وتوزن به القلوب، وليس العيب أن نختلف، ولكن العيب أن نسيء الأدب عند الاختلاف، فليكن اختلافنا كاختلاف النجوم في السماء: تباعد في المواضع، ولكنها جميعا تنير ليل الإنسان، لا تظلمه، فما أجمل أن نختلف برقي، ونتناصح بحب، ونتذكر أن الحق أكبر من الأشخاص، وأن غاية الحوار الوصول إلى النور، لا إشعال النار.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، اللهم أدم الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، إن التحرش من أكثر الجرائم الأخلاقية والاجتماعية فتكا بنسيج المجتمع وأمانه، فهو لا يمس ضحاياه فقط، بل يهدم قيم الاحترام المتبادل، ويقوض الثقة بين أفراد المجتمع، ويزعزع الشعور العام بالأمن، وتكمن خطورته في أنه يتجاوز الفعل الجسدي أو اللفظي؛ ليصير سلوكا عدوانيا ممنهجا، يعكس انحرافا نفسيا وتربويا حادا.
أيها الكرام، التحرش كلمة ثقيلة، يرتجف لها قلب المؤمن، وتدمع لها عين الغيور، فهو عدوان أثيم، وغدر قبيح، ووصمة عار في جبين الإنسانية، قبل أن يكون إثما مبينا في ميزان الشرع، فهو تطفل على حرمات الغير، واعتداء على خصوصياتهم، وتلويث لنقاء الأرواح، وسرقة لصفو الأمن، فالمتحرش لا يدرك عواقب فعلته، يزرع الخوف في القلوب، ويهدم الثقة في النفوس، ويشوه براءة الطفولة، ويجعل الضحية أسيرة لجراح نفسية قد لا تندمل أبدا، إنه يهز كيان الأسرة والمجتمع، ويشيع الفاحشة والريبة، ويحول الأمن إلى قلق، والطمأنينة إلى خوف.
أيها النبلاء، لقد صدق الجناب المعظم حين وضع هذه القاعدة: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، فأي حياء يبقى فيمن يترصد الأبرياء، ويتلمس ثغرات الغفلة؛ ليمد يده الآثمة، أو يطلق لسانه الفاحش، أو يرمق بعينه الخائنة؟ إنه خوار في الرجولة، وخواء في الإيمان، وتجرؤ على حدود الله، واستضعاف لمن أوجب الله علينا حمايته.
أيها ألآباء، اغرسوا في قلوب أبنائكم العفة واحترام الحرمات، ولا تتهاونوا أبدا في الإبلاغ عن هذا الجرم، كونوا صوتا لمن لا صوت له، ودرعا واقيا لكل ضعيف ومستضعف، أظهروا الرفض القاطع لكل متحـرش، واجعلوا من مجالسكم وأسواقكم وشوارعكم مناطق محرمة على كل من سولت له نفسه العبث بسلامة الآخرين، وليكن هذا البيان النبوي المعظم طريق الخلاص: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة».
اللهم احفظ مصر وأهلها من كل مكروه وسوء.