في ذكرى رحيله.. عمر الحريري فنان احترم فنه وجمهوره حتى اللحظة الأخيرة

تمر اليوم الخميس، السادس عشر من أكتوبر 2025، الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الفنان الكبير عمر الحريري، الذي غادر دنيانا في مثل هذا اليوم من عام 2011، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.
ولد عمر الحريري عام 1922، وبدأت علاقته بالفن منذ طفولته المبكرة، حيث كانت أولى تجاربه التمثيلية من خلال مشاركته وهو طفل في فيلم "سلامة في خير" عام 1937.
هذه الخطوة كانت البداية الحقيقية لشغفه الدائم بالفن، وهو الشغف الذي رافقه طوال حياته وحتى آخر أعماله.
دراسة التمثيل والانطلاق في السينما
بعد أن أكمل دراسته في المعهد العالي لفن التمثيل العربي، بدأ عمر الحريري مشواره الفني الاحترافي في السينما عام 1950، حيث شارك في فيلم "الأفوكاتو مديحة" أمام مديحة يسري ويوسف وهبي.
وقد استطاع منذ بداياته أن يلفت الأنظار بموهبته المتميزة وأدائه الطبيعي الراقي، مما فتح له الأبواب للمشاركة في أكثر من مئة عمل سينمائي، من أبرزها أفلام "سكر هانم" و"نهر الحب" و"الآنسة حنفي" و"رسالة غرام" و"الرباط المقدس" و"معالي الوزير".
تميز بأداء الأدوار المركبة والرصينة، وكان غالبًا ما يُسند إليه دور الرجل المثقف أو العاشق الرومانسي أو الصديق الحكيم.
الحضور المسرحي وعلاقته بالزعيم
لم تكن السينما وحدها هي ساحة إبداع عمر الحريري، بل كان له حضور مميز على خشبة المسرح، حيث قدم أكثر من ستة عشر عملًا مسرحيًا، شكلت علامة بارزة في تاريخه الفني.
من أشهر هذه الأعمال مسرحيتي "شاهد ما شافش حاجة" و"الواد سيد الشغال"، اللتين جمعته بالزعيم عادل إمام، وحققتا نجاحًا كبيرًا لما امتاز به من توازن بين الكوميديا والوقار.
استطاع الحريري من خلال هذه الأعمال أن يبرهن على قدرته الفائقة على أداء الأدوار الكوميدية بخفة ظل دون أن يفقد هيبته أو حضوره المسرحي الراقي.
الدراما التلفزيونية وتألق متجدد
وفي مجال الدراما التلفزيونية، كانت لعمر الحريري بصمات لا تُنسى في العديد من المسلسلات الاجتماعية والدينية التي أثرت في وجدان الجمهور العربي.
من أبرز هذه الأعمال مسلسل "أوراق الورد" مع الفنانة وردة الجزائرية عام 1979، ومسلسل "أحلام الفتى الطائر" الذي جمعه مجددًا بعادل إمام في واحد من أنجح الأعمال الدرامية، حيث جسد فيه دورًا محوريًا لاقى استحسان الجمهور والنقاد.
كما شارك في مسلسل "ساكن قصادي" إلى جانب الفنان محمد رضا، ومسلسل "شيخ العرب همام" مع الفنان يحيى الفخراني، حيث أظهر قدرة فنية استثنائية في التنقل بين الشخصيات المختلفة والأدوار المتعددة.
عودة إلى فتافيت السكر بعد 50 عاما
من المحطات اللافتة في مشوار الحريري الفني، مشاركته في فيلم "فتافيت السكر" عام 1960، حيث جسد شخصية "فريد"، الشاب الذي يعيش قصة حب ضمن إطار كوميدي رومانسي.
وبعد مرور خمسين عامًا، عاد الفنان عمر الحريري ليعيد تقديم هذه القصة ولكن في شكل مسرحي عام 2010، حيث أدى هذه المرة دور "قدري"، والد الشاب نبيل، وقد شاركه في هذا العرض المسرحي كل من لبنى عبد العزيز وطلعت زكريا وأحمد رزق وآخرين.
كانت هذه العودة بمثابة رسالة وفاء للفن وللأعمال التي شارك في صنعها خلال مراحل حياته المختلفة.
الرحيل وذكراه التي لا تموت
رحل عمر الحريري عن عالمنا في السادس عشر من أكتوبر عام 2011 عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والتميز. لم يكن مجرد ممثل عابر بل كان من الذين ساهموا في بناء جيل فني أصيل، يتميز بالثقافة والالتزام والموهبة الصادقة.
كان فنانًا مثقفًا يحمل على عاتقه مسؤولية فنية وأخلاقية كبيرة، وترك لنا أعمالًا لا تزال حاضرة في الذاكرة العربية، سواء على الشاشة أو خشبة المسرح.
إرث فني خالد وأثر مستمر
في ذكرى رحيله الرابعة عشرة، يستعيد الجمهور محبة هذا الفنان الكبير الذي استطاع أن يحجز لنفسه مكانة خاصة في قلوب الناس، بفضل أدائه الصادق وهدوئه اللافت وأسلوبه الراقي.
عمر الحريري لم يكن نجمًا عابرًا بل مدرسة فنية متكاملة، ومثالًا للفنان الحقيقي الذي احترم فنه وجمهوره حتى اللحظة الأخيرة من حياته.