من المليجي ورزق إلى ياسر جلال وأحمد مراد وخالد جلال.. أصوات الفن تحت القبة

تشهد أروقة البرلمان المصري حكاية طويلة تمزج بين عوالم السياسة بوهج الفن، وأصوات المشرعين بألحان الإبداع، فقد شهد المشهد النيابي على مدى أربعة عقود حضورًا لافتًا لنجوم أضاءوا شاشات السينما والمسرح، حملوا نفس الشغف إلى مقاعد مجلس الشيوخ، حاملين معهم هموم المثقفين والفنانين، ومساهمين برؤية فريدة في صناعة القرار.
بناء الشخصية الوطنية
لم يكن تعيين الفنانين في المجلس مجرد تكريم لمسيرة فنية حافلة، بل كان إيمانًا بدور الفن كشريك أساسي في تشكيل الوعي المجتمعي وبناء الشخصية الوطنية، فمن أدوارهم الفنية التي جسدوا من خلالها شخصيات تركت أثرًا في وجدان المصريين، إلى مشاركتهم الفاعلة في صنع القرار تحت قبة البرلمان، تظل هذه الرحلة استثنائية بكل المقاييس.

محمود المليجي ومحمد عبد الوهاب
انطلق المشهد الفني في مجلس الشيوخ المصري بمبادرة من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث شهد عام 1980 تعيين الفنان محمود المليجي، الذي حضر بأدواره الهادفة ووجهه الوقور، ليبدأ فصلًا جديدًا من حضور المثقف والفنان في الحياة العامة.
وفي عام 1983، كان التعيين الأبرز حين منح موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عضوية المجلس، ليس فقط كفنان، بل كرمز ثقافي وشخصية وطنية أسهمت في تشكيل الوجدان المصري والعربي.

أمينة رزق ومديحة يسري
مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتح المجلس بابه للمرأة الفنانة لأول مرة في تاريخه، ففي عام 1991، تم تعيين الفنانة أمينة رزق، التي كانت رائدة المسرح والسينما، لتصبح أول فنانة تدخل مجلس الشيوخ، محققة إنجازًا تاريخيًا يمزج بين النضال الفني والتمثيل البرلماني، ولتعزيز دور المرأة جاء تعيين الفنانة مديحة يسري في عام 1998، لاستكمال المسيرة التي بدأتها الفنانة أمينة رزق، حيث مثلت «يسري»، برصانتها وتاريخها الحافل، نموذجًا للمرأة المصرية المثقفة والفاعلة في مجتمعها.
عصر جديد واستمرار المسيرة في الألفية الثالثة
شهد عام 2020 عودة قوية للحضور الفني تحت قبة المجلس، مع تعيين اثنين من عمالقة الفن، وهما: الفنانة سميرة عبد العزيز، صاحبة المسيرة الحافلة بالأدوار العميقة، والفنان يحيى الفخراني، الممثل الملتزم بقضايا وطنه، مما أعاد تأكيد الدور المجتمعي للفنان.

ياسر جلال وأحمد مراد وخالد جلال
في عام 2025، كتبت العائلة الفنية فصلًا جديدًا من التواجد البرلماني، بتعيين ثلاث شخصيات مبدعة، وهم: الفنان ياسر جلال، الممثل المحبوب الذي جسد شخصية الرجل البسيط ببراعة.
وأعرب جلال، عن سعادته بقرار تعيينه بمجلس الشيوخ، قائلًا على حسابه الرسمي: «الحمد لله، يشرفني انضمامي لعضوية مجلس الشيوخ المصرى».
وتابع: «بكل الحب والاحترام أشكر فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على دعمه الدائم للفن والثقافة والمبدعين في بلدنا، وأشكر حزب حماة الوطن على الترشيح، وإن شاء الله أكون عند حسن الظن، وربنا يقدرني إني أكون واجهة مشرفة لزملائي الفنانين داخل المجلس».
وواصل: «وجود فنانين داخل مجلس الشيوخ شرف كبير وفرصة إن الفنان يكون له وجود وصوت مسموع في مجلس محترم زي ده، ويكون الفنان جزء من النقاش الوطني، مش مجرد متفرج من بعيد، فالفن جزء من هوية البلد، وصوته لازم يكون موجود في كل مساحة بتتكلم عن مستقبلها».
واختتم كلمته قائلا: «أدعو الله سبحانه وتعالى أن أكون إضافة حقيقية، وأن أنجح في تمثيل الفنانين والمبدعين بالشكل اللي يليق بمكانتهم وبقيمة الفن المصري».

وأيضًا المخرج المسرحي خالد جلال، ممثلًا للإبداع خلف الكاميرا.
وقال جلال عبر حسابه الرسمي، «تكرم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنحي ثقة كبرى بتعييني عضوًا بمجلس الشيوخ الموقر وهى ثقة سأسعى ببذل الجهد بكل إخلاص وتفاني من أجل تحقيقها، إن وطننا العزيز يستحق أن أكون في خدمته ما حييت».
وتابع: «كل الشكر للرئيس الفخر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر».

وكذلك الكاتب أحمد مراد، صاحب القصص التي أثرت المكتبة العربية والساحة الدرامية.
وجه مراد، الشكر لرئيس الجمهورية، قائلًا: «أتوجه بخالص الامتنان والتقدير إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ثقته الغالية باختياري عضوًا في مجلس الشيوخ المصري».
وتابع: «أدرك تمامًا أن هذا التكليف ليس تشريفًا فحسب، بل مسئولية كبيرة أتعهد بأن أكون جديرًا بها، وأن أبذل ما في وسعي لأسهم بصدق في خدمة الوطن وقضاياه، مسترشدًا بثقة من أولوني إياها، ومخلصًا لما يتطلع إليه الوطن منا».

ويمثل هذا التعيين الجماعي استكمالًا لمشوار الأسرة الفنية في مجلس الشيوخ، وتأكيدًا على أن الإبداع ليس منفصلًا عن البناء الوطني، وأن صوت المثقف والفنان ضروري في صناعة القرار.
ومن محمود المليجي إلى ياسر جلال وخالد جلال وأحمد مراد، تظل رحلة الفن في مجلس الشيوخ المصري شاهدًا على تلاحم الفن مع الدولة، وتكريسًا لدور المثقف الذي لا يقتصر على الإبداع الفني فقط، بل يمتد ليشارك برؤيته في صياغة مستقبل الوطن.

