ذكرى ميلاد «ملكة المونولوج».. ثريا حلمي ضحكة الزمن الجميل التي سكنت القلوب

في مثل هذا اليوم، وُلدت واحدة من أشهر نجمات المونولوج في تاريخ الفن المصري، الفنانة ثريا حلمي، التي لم تكن مجرد مؤدية على المسرح، بل حالة فنية متكاملة مزجت بين خفة الظل والموهبة الحاضرة دائمًا.
هي صوت العوالم كما لقبها البعض، وضحكة الزمن الجميل التي كانت تسكن القلوب وتسبقها البهجة إلى كل مسرح غنّت فيه أو فيلم ظهرت به.
بدأت رحلتها من قلب شارع محمد علي، معقل الفن الشعبي، ونجحت في أن تنتزع لنفسها مكانًا ثابتًا وسط الكبار في زمن الكبار، ووقفت على خشبة المسرح تسخر من الفقر والهم، وتحول الوجع إلى نكتة، والنكتة إلى رسالة.
وعلى الرغم من أن المونولوج كان فنًا ساخرًا وسريع الزوال، فإن ثريا حلمي جعلته يعيش حتى بعد رحيلها، بإفيهاتها ولباقتها وصدق إحساسها.
بدايات متواضعة
وُلدت الفنانة ثريا حلمي في 26 سبتمبر 1923 بمدينة مغاغة بمحافظة المنيا، ونشأت في بيئة شعبية بسيطة ساعدت في تكوين شخصيتها الفنية التي جمعت بين الطابع الشعبي وخفة الدم.
بدأت حياتها من خلال الغناء وتقديم المونولوجات، قبل أن تشق طريقها إلى السينما، حيث قدمت عشرات الأدوار التي مزجت فيها بين الأداء الكوميدي واللمسة الاجتماعية.
جاءت انطلاقتها الأولى من خلال تقديم المونولوجات في الملاهي الليلية، حيث تميّزت بقدرتها الفائقة على التفاعل مع الجمهور، ونقل نبض الشارع إلى الأغنية، مما أكسبها شعبية واسعة. وقدمت مئات المونولوجات الناقدة والساخرة، التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية، بلغة بسيطة قريبة من الناس.
ثنائي المونولوج مع إسماعيل ياسين

في عدد من الأعمال كونت الفنانة ثريا حلمي ثنائيًّا، كان أكثرها مع الفنان إسماعيل ياسين، بعدد من الأفلام، حيث كانا يتميزان بالغناء معًا لتقدم من خلالها فن المونولوج الذي عشقته منذ بداياتها، حتى توفيت ثريا حلمي، في 9 أغسطس 1994.
ثريا حلمي والسينما
بدأت ثريا حلمي مشوارها السينمائي في عام 1940 في فيلم حياة الظلام حيث توالت أفلامها في السينما المصرية ومن بينها فيلم أخيرا تزوجت، لو كنت غني، العريس الخامس، نداء الدم، عريس الهنا، من الجاني، بائعة الخبز، السوق السوداء، ليلة الحظ، القرش الأبيض، ليلة الجمعة، كازينو اللطافة، كيلو 99، موعد في البرج، كرامة زوجتي، دلال المصرية، الجوع، المليونيرة الحافية، وغيرها من الأفلام التي شكّلت جزءًا من ذاكرة السينما المصرية، ورغم أن أدوارها لم تكن دائمًا البطولة، فإنها كانت دومًا الحضور الأكثر تميزًا في المشهد.
مونولوجست بدرجة فنانة مثقفة
على خلاف الصورة النمطية للمونولوجست في تلك الفترة، كانت ثريا حلمي تتمتع بثقافة فنية ووعي اجتماعي، مكنّاها من صياغة فنها بشكل يخدم الناس ويعبّر عنهم، لا مجرد أداء ساخر على خشبة المسرح، واستحقت عن جدارة لقب "مونولوجست الشعب".
زواجها من محمد فرغلي ورحيلها في صمت
تزوجت الفنانة ثريا حلمي من الفنان محمد فرغلي، الذي كان يشاركها بعض الأعمال المسرحية. ورغم الشهرة التي تمتعت بها، إلا أنها عانت في أواخر حياتها من التجاهل الفني، وابتعدت عن الأضواء.
رحلت عن عالمنا في 9 أغسطس 1994، تاركة خلفها إرثًا فنيًا عظيمًا ظلّ حاضرًا في قلوب محبي الفن الشعبي والسينما القديمة.
إرث فني عظيم
اليوم، وبينما تمر ذكرى ميلادها، لا يزال اسم ثريا حلمي يُذكر كأحد الرموز النسائية النادرة التي برعت في فن المونولوج، وتمكنت من انتزاع الضحكة وسط الألم، ومنحت للفن الشعبي نكهة خاصة بطريقتها العفوية، وصوتها المميز، وشخصيتها التي جمعت بين الجرأة والبهجة.
في زمن تغيّر فيه شكل الكوميديا، تبقى ثريا حلمي واحدة من علامات الفن المصري الأصيل، وشاهدًا على زمن الفن الجميل الذي عرف كيف يضحك الناس ويحترم عقولهم في آنٍ واحد.