«الملاك الذي أضلهم».. إسرائيل تعترف: أشرف مروان خدعنا في حرب أكتوبر

بعد عقود من الترويج له كأهم جاسوس عمل لصالحها داخل النظام المصري، بدأت الرواية الإسرائيلية الرسمية عن أشرف مروان تتبدل، وهذه المرة من داخل أروقتها نفسها.
ففي تقرير موسّع نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، يكشف الخبير الأمني رونين بيرجمان أن الرجل الذي حمل لقب "الملاك" داخل الموساد لم يكن كنزًا استراتيجيًا لتل أبيب كما اعتقدوا، بل كان رأس الحربة في خطة الخداع التي نفذتها القاهرة قبيل اندلاع حرب أكتوبر عام 1973.

التقرير يصف ما حدث بأنه "التحول الأخطر في قراءة دور مروان"، حيث أظهرت الوثائق والشهادات المتراكمة أن المعلومات التي قدّمها للموساد كانت دقيقة من حيث الشكل، لكنها مضللة في توقيتها ومغزاها، ونجحت في إقناع القيادة الإسرائيلية أن الحرب ليست وشيكة، وهو ما أدى إلى حالة من الطمأنينة الزائفة داخل دوائر صنع القرار.
التحقيق الإسرائيلي يسلّط الضوء على أن مروان قدّم للموساد رواية استخباراتية كاملة أعادت تشكيل فهمهم للمشهد المصري، وكانت كفيلة بإرباك الحسابات وتجميد رد الفعل في أخطر لحظات ما قبل الحرب. ومنذ أوائل السبعينيات، تم التعامل مع مروان بأسماء مشفّرة واحتفاء داخلي نادر، واعتُبر اختراقًا لا يتكرر.
غير أن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذا الاختراق كان في الحقيقة اختراقًا عكسيًا نفذته المخابرات المصرية بمنتهى الحنكة، عبر شخص لعب أدواره بإتقان أمام الجميع، بينما كان يخدم أهدافًا أكبر من أي جهاز مخابرات فردي.
التحقيق يشير أيضًا إلى أن حالة الاعتماد الكامل على مروان كمصدر وحيد للمعلومات كانت الثغرة الأكبر في أداء الموساد، وأن الخسارة لم تكن فقط في ساحة القتال، بل بدأت قبل ذلك بكثير في ساحة المعلومات، حيث أُخذت إسرائيل على حين غرة صباح السادس من أكتوبر، نتيجة ثقتها العمياء في تقييمات مصدر واحد.
وبينما لا يزال الجدل قائمًا في الأوساط الإسرائيلية حول ما إذا كان مروان عميلاً مزدوجًا أم جاسوسًا مخلصًا، بات من الواضح أن دوره في نصر أكتوبر لا يقل أهمية عن الجنود الذين عبروا القناة، بل إنه يسلّط الضوء على أن المعركة الاستخباراتية كانت حاسمة بقدر المعركة العسكرية، إن لم تكن أكثر.
وبينما كانت إسرائيل تحتفي لسنوات بما ظنته أكبر نجاح استخباراتي في تاريخها، تكشف الوثائق أن "الملاك" كان في الحقيقة الشبح الذي أضلّها، والمفاجأة التي لم تتعافَ منها استخباراتيًا حتى اليوم. فالحرب، كما تقول الدروس القديمة، لا تُخاض فقط بالسلاح، بل تُحسم أيضًا بالعقول.