بدعوة من النقابات العمالية.. فرنسا تدخل موجة جديدة من المظاهرات والإضرابات الشاملة

تشهد فرنسا اليوم الخميس، موجة جديدة من المظاهرات والإضرابات التي تشمل جميع القطاعات الحيوية، من النقل والصحة والتعليم، في إطار حركة احتجاجية دعت إليها النقابات العمالية الرئيسية في البلاد، وذلك اعتراضا على خطة ميزانية الدولة التي اقترحها رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو.
تأتي هذه المظاهرات كتصعيد مُنَظم بعد نحو أسبوع من الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في 10 سبتمبر في إطار حركة "لنغلق كل شيء"، ضد الإجراءات المالية التي أعلنها بايرو.
وكان رئيس الوزراء السابق قد طرح مقترحات للميزانية الجديدة، تضمنت خفض النفقات العامة بما يصل إلى 43.8 مليار يورو للحد من العجز، منها 5 مليارات يورو من مخصصات الصحة، بالإضافة إلى بند مثير للجدل يتعلق بإلغاء يومي عطلة رسمية. غير أن هذه الإجراءات فجرت موجة غضب واسعة، لم تقتصر على الشارع الفرنسي، بل طالت أيضًا الأوساط السياسية والبرلمانية التي أطاحت بحكومته.
ووصفت النقابات العمالية أن هذه الإجراءات "قاسية للغاية"، مؤكدة في بيان مشترك صدر أواخر أغسطس أنها تعيد تحميل عبء السياسات الحكومية على العمال والموظفين والمتقاعدين والمرضى.
وبالرغم من سقوط حكومة بايرو (في 8 سبتمبر)، لم يهدئ الشارع الفرنسي، وظلت الدعوة إلى إضراب 18 سبتمبر قائمة، في تعبير عن رفض شعبي لمشروع ميزانية 2026 الذي تعتبره النقابات محملا بسياسات تقشف، وضغوط إضافية على الخدمات العامة.
هذه المرة، تتوقع السلطات الفرنسية مشاركة حاشدة بين 600 ألف و900 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا، (أي ما يفوق عدد المتظاهرين خلال حركة "لنُغلق كل شيء" التي جمعت نحو 200 ألف شخص)، بينهم ما بين 50 و100 ألف شخص في باريس، ضمن 250 مظاهرة بجميع أنحاء البلاد.
وتخشى السلطات من انضمام مجموعات متطرفة قد تزيد من التوترات خلال المظاهرات وتقوم بأعمال شغب ولهذا أعلن وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة برونو ريتايو، عن تعزيزات أمنية مكثفة مع نشر 80 ألفا من قوات الشرطة والدرك في فرنسا، وذلك لتأمين المظاهرات الحاشدة التي ستشهدها البلاد اليوم.
وقال برونو ريتايو، إن 80 ألفا من قوات الشرطة والدرك سينتشرون على مستوى البلاد، بالإضافة إلى 24 مدرعة من طراز "سنتور" تابعة للدرك الوطني، قادرة على التعامل مع أخطر الاضطرابات وأعمال الشغب، إضافة إلى عشر مركبات مزودة بمدافع مياه وطائرات مسيّرة.
وتوقع ريتايو "حشدا كبيرا للغاية" خلال مظاهرات اليوم.. وفي ظل مخاطر اندلاع أعمال فوضى وأعمال تخريبية، وأصدر تعليمات صارمة لمنع أي ضرر وأي محاولة لإغلاق طرق، متعهدا بالرد "بقوة" على أي أعمال شغب تشوب مظاهرات اليوم
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت توقيف 473 متظاهرا خلال احتجاجات 10 سبتمبر، بينهم 203 في باريس.
وللمرة الأولى منذ موجة الاحتجاجات على قانون إصلاح نظام التقاعد عام 2023، تعود النقابات الفرنسية الرئيسية إلى التعبئة الموحدة، في ظل حكومة جديدة تواجه حالة من عدم الاستقرار السياسي. ووضعت القيادات النقابية خلافاتها جانبا لتأكيد وحدة موقفها، مع التركيز على حماية الوظائف، ورفع الأجور، والحفاظ على الحماية الاجتماعية، والعدالة الضريبية.
ودعا اتحاد النقابات العمالية المواطنين إلى المشاركة في هذه المظاهرات رفضا لإجراءات التقشف بميزانية الدولة 2026، مع تنظيم 250 مسيرة في مختلف أنحاء فرنسا، والدخول في إضرابات بقطاعات حيوية مختلفة ، وهو تحرك لم يحدث منذ الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد في 2023.
وتتضمن المطالب الرئيسة للنقابات رفض إجراءات التقشف بميزانية الدولة لعام 2026، بما في ذلك توفير 43.8 مليار يورو، والحفاظ على أيام العطل الرسمية، واستمرار الإجازات المدفوعة، وعدم تعديل الرسوم الطبية، والحفاظ على الأسبوع الخامس من الإجازات السنوية، وكذلك التراجع عن زيادة سن التقاعد.
تأتي مظاهرات اليوم بعد تعيين سيباستيان ليكورنو رئيسا جديدا للحكومة الفرنسية، الذي أعلن خلال تسلمه منصبه رسميا استعداده لإحداث "تغييرات جوهرية" وجاءت أولى قراراته بالتراجع عن إلغاء يومي العطلة الرسمية ـ وهو ما اعتبرته النقابات "انتصارا أوليا"، لكنها ترى أن جوهر الإجراءات لا يزال قائما.
وتحدثت صوفي بينيه، زعيمة الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي – أكبر نقابة بفرنسا)، عن "أول انتصار" أظهر "أننا في موقف قوة"، لكنها شددت في الوقت نفسه أن ذلك ليس كافيا.
أما زعيمة الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي إف دي تي)، ماريليز ليون، فاعتبرت أن الميزانية بصيغتها الحالية لا تنسجم مع العدالة الاجتماعية والمالية وهو ما دفعها إلى الانضمام إلى هذه الحركة.
ومن المقرر تنظيم نحو 250 مسيرة في جميع المدن الكبرى، من بينها باريس ومرسيليا وليون وتولوز ونيس ورين ومونبلييه.. وفي العاصمة، تنطلق المسيرة عند الثانية بعد ظهر اليوم (بتوقيت باريس) من ساحة الباستيل، وصولا إلى ساحة "الأمة"، ومن المتوقع أن يشارك فيها بين 50 و100 ألف شخص.
وبالرغم من أن هذه الاحتجاجات ستكون أكثر تنظيما من حركة 10 سبتمبر، إلا أن الإضرابات المعلنة واسعة النطاق ستؤثر بشكل مباشر على عدة قطاعات حيوية ويتوقع أن يكون قطاع النقل وحركة القطارات والحافلات الأكثر تضررا.
ففي باريس، وصفت شركة النقل العام اليوم بـ"يوم أسود" في حركة النقل، مع دخول أربع نقابات في الإضراب، ما سيؤدي إلى توقف شبه كامل لمترو الأنفاق، وإغلاق بعض خطوط الحافلات.
كما دعت ثلاث نقابات رئيسية للسكك الحديدية إلى "المشاركة الجماعية" في الإضراب، فيما حذر فيليب تابارو، وزير النقل المستقيل، اضطرابات كبيرة للغاية ستشهدها حركة القطارات ووسائل النقل الجماعي على مستوى البلاد.
كما تشارك أيضا النقابات الرئيسية في قطاع التعليم حيث من المتوقع أن يشارك نحو ثلث معلمي المدارس الابتدائية في الإضراب، حسبما أعلن الاتحاد الوطني للنقابات في منطقة باريس.
كذلك في قطاع الصحة والصيدلة، حيث تشهد الصيدليات احتجاجات منذ الصيف ضد إجراء تخفيض مكافآتهم من بيع الأدوية العامة، ومن المتوقع إغلاق أكثر من 90% من الصيدليات، فضلا عن توقف عمل عدد كبير من عيادات العلاج الطبيعي، إذ تدعو أكبر قوة نقابية في القطاع، إلى إغلاق العيادات "باستثناء الحالات الطارئة.
كما يعتزم عمال في قطاع الطاقة والغاز والكهرباء الإضراب والمشاركة في المسيرات، ما ينذر بشلل واسع في النقل والخدمات العامة خلال هذه الحركة الاحتجاجية واسعة النطاق التي تشهدها فرنسا اليوم.