معلومات الوزراء: 20 مليار طن احتياطي مصر من الرمال البيضاء

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا جديدًا سلَّط من خلاله الضوء على الرمال البيضاء/ السيليكا، مشيراً إلى أنها أحد الكنوز الطبيعية التي تزخر بها البيئات الصحراوية في العالم، ورغم وجودها بكميات هائلة على سطح الأرض فإنها كثيرًا ما ظلت بعيدة عن دائرة الاهتمام، حيث تبدو هذه الرمال الناعمة للوهلة الأولى مجرد مكوّن بسيط من مكوّنات الطبيعة، إلا أنها تحمل في طياتها قيمة اقتصادية وصناعية كبرى، حتى باتت تُعرف بالـ "الذهب الأبيض".
وبينما تواصل الدول البحث عن الموارد الخام التي تمثل أهمية اقتصادية وعناصر أساسية في عملية الإنتاج، تبرز الرمال البيضاء كثروة غير مستغلة، تنتظر الاستثمار الأمثل الذي يتيح لها أن تتحول من مجرد عنصر طبيعي خام إلى مورد استراتيجي يسهم في دفع عجلة التقدم والتنمية.
الرمال البيضاء
تُعرف الرمال البيضاء بأنها المادة الخام الأساسية لإنتاج عنصر السيليكون، الذي يُمثل بدوره عصب التطور التكنولوجي العالمي، وهي عبارة عن صخور رملية ناصعة البياض تتميز بدرجة نقاء عالية، إذ تحتوي على نسبة كبيرة من عنصر السيليكا، بنسبة تزيد على أكثر من 99%، وتتكون بشكل رئيس من حبيبات معدن الكوارتز. ويُشير الخبراء في مجال التكنولوجيا وتقنيات النانو إلى أن الرمال البيضاء تُعد بمثابة "الذهب الأبيض"، بل وتوازي قيمتها الألماس، حيث يُباع الطن الواحد منها بعد معالجته بأسعار تفوق سعر الذهب، وتدخل الرمال البيضاء في تطبيقات النانو تكنولوجي بعد تحويلها إلى صورة سائلة.
وعادةً ما توجد رمال السيليكا عالية الجودة أسفل طبقات خفيفة من التربة، وبعد استخراجها، تتم معالجتها عبر عدة مراحل تشمل: التنقية من الشوائب، والفرز (الغربلة) للتخلص من الحبيبات الكبيرة أو الصغيرة جدًا، والمعالجة الفيزيائية والكيميائية لإزالة المعادن غير المرغوبة، مثل: الحديد والكروم (باستخدام تقنيات، مثل الفصل المغناطيسي)، والتجفيف والطحن لإنتاج مسحوق ناعم يدخل في العديد من الصناعات.
واستعرض تحليل مركز المعلومات استخدامات الرمال البيضاء حيث تدخل في العديد من الصناعات بشكل فعَّال، ومن بينها:
-الصناعات الحيوية: إذ تمثل المادة الأساسية في صناعة الخلايا الشمسية والزجاج والحراريات والسيراميك والخزف، كما تدخل في صناعات متقدمة، مثل: رقائق السيليكون، والألياف الزجاجية، والعدسات البصرية، فضلًا عن استخدامها في إنتاج الأسمنت الأبيض ورمل المسابك والمرشحات، إلى جانب دورها في صناعة المنظفات الصناعية والمبيدات الحشرية.
-حقول النفط: حيث يتم ضخ أنواع خاصة من رمال السيليكا أسفل آبار النفط، وإلى طبقات الصخور الحاملة للنفط، مما يؤدي إلى تحسين نفاذية النفط وتدفقه إلى البئر.
-في قطاع الرياضة والترفيه: تُستَخدم في تجهيز مضامير سباقات الخيل القابلة للتكيف مع مختلف الظروف المناخية، كما تدخل في إنشاء الطبقات الأرضية وأنظمة الصرف لملاعب كرة القدم ذات المواصفات العالمية، وملاعب الجولف، إضافة إلى استخدامها في صناديق الرمال الخاصة بألعاب الأطفال مثل بناء القلاع الرملية.
استعرض التحليل حجم سوق الرمال البيضاء/ السيليكا الصناعية عالميًا والذي بلغ نحو 12.9 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 20.5 مليار دولار بحلول نهاية عام 2037، مرتفعًا بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.3٪. وبحلول عام 2037، من المتوقع أن تستحوذ سوق آسيا والمحيط الهادي على 38.4% من حصة سوق رمال السيليكا الصناعية، وذلك بفضل التوسع السريع في قطاع البنية التحتية، والتوسعات الكبيرة في صناعتي الزجاج والمسابك في المنطقة، حيث يتوقع أن تتجاوز قيمة سوق رمال السيليكا الصناعية في آسيا والمحيط الهادي 7.3 مليارات دولار، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.1% خلال الفترة (2025-2037).
وبالنسبة لأوروبا، تُقدر قيمة سوق رمال السيليكا الصناعية بنحو 2.8 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.8 مليارات دولار بحلول عام 2037، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 2.2%. وفي أمريكا الشمالية، بلغت قيمة سوق رمال السيليكا الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 2.9 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تنمو سوق رمل السيليكا الصناعية في كندا إلى 401 مليون دولار، وذلك بفضل النمو القوي في تصنيع الزجاج والإنشاءات ومعالجة رمال النفط.
وتدعم الواردات الثابتة نسبيًا الإنتاج المحلي، لا سيما عند الحصول على رمال عالية النقاء اللازمة للزجاج العائم والتطبيقات الكيميائية، حيث تأتي الواردات إلى كندا بشكل رئيس من أونتاريو وألبرتا. ومن المتوقع أن تنمو السوق الكندية بمعدل نمو سنوي مركب 3.7٪ خلال الفترة (2025-2037)، نتيجة للاستثمارات الكبيرة المخططة في البنية التحتية الكندية، وظهور تطبيقات جديدة لرمال السيليكا في مجال الطاقة النظيفة وصناعة الزجاج.
وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدري رمال السيليكا ورمال الكوارتز عالميًا، حيث بلغت صادرتها منها نحو 742.3 مليون دولار في عام 2023، كما بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي منها نحو 123.9 مليون دولار، ثم ألمانيا بصادرات بقيمة 92.2 مليون دولار، ثم بلجيكا بصادرات بقيمة 82.6 مليون دولار، تليها ماليزيا بصادرات بقيمة 70.2 مليون دولار. وأما بالنسبة للواردات، جاءت الصين في صدارة الدول المستوردة لرمال السيليكا ورمال الكوارتز في عام 2023، حيث بلغت وارداتها منها نحو 331.7 مليون دولار، تليها كندا بقيمة 273.8 مليون دولار، ويليها الاتحاد الأوروبي حيث استورد بنحو 88.7 مليون دولار، وبكمية 836.8 مليون طن، ثم الإمارات العربية المتحدة بقيمة 87.9 مليون دولار وبكمية 6.2 مليارات طن، ثم المكسيك بقيمة 83.4 مليون دولار، وبكمية 818 مليون طن.
كما استعرض مركز معلومات مجلس الوزراء خلال تحليله وضع الرمال البيضاء في مصر وسبل تعظيم الاستفادة منها حيث توجد الرمال البيضاء في العديد من المناطق؛ في شمال سيناء "مركز أبو رياش"، وفي جنوب سيناء "طريق نويبع- سانت كاترين، ومنطقة أبو زنيمة"، كما توجد في بحر الرمال العظيم، ووادي قنا، ووادي الدخل. وتُعد منطقة "أبو زنيمة" مصدرًا مهمًا للسيليكا عالية النقاء، حيث تتميز بحجم حبيبات ناعم وجيد الفرز، مع نسب منخفضة جدًا من الشوائب، وتصنَّف كيميائيًا وبترولوجيًا ضمن أفضل الخامات، مما يجعلها صالحة لصناعات متعددة، مثل: الزجاج عالي الجودة، والخلايا الشمسية، والسيراميك، والمحفزات البترولية، ومواد البناء، وتطابق المواصفات الأمريكية والبريطانية.
وتمتلك مصر احتياطيًا من الرمال البيضاء يُقدر بنحو 20 مليار طن، وكان يتم تصديرها في شكلها الخام قبل عام 2014، بينما كانت تتم معالجتها وإعادة بيعها في الأسواق العالمية بأسعار مضاعفة. وبعد عام 2014، تم تقليل الصادرات، حيث بلغت قيمة صادرات مصر من الرمال البيضاء نحو 26.5 مليون دولار في عام 2021، مقارنة بـ 33.4 مليون دولار في عام 2020، وبعد ذلك صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 108 لسنة 2022، بحظر تصدير الرمال البيضاء بهدف تعظيم الاستفادة منها محليًا، من خلال إعادة تصنيعها.
وقد شهدت قائمة الشركات التي تعتمد على الرمال البيضاء كمُدخل أساسي في الإنتاج توسعًا ملحوظًا، حيث ارتفع عددها في عام 2022، ليصل إلى 212 شركة في صناعة البويات والدهانات، و280 شركة في صناعة الزجاج، و67 شركة لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 94 شركة تعمل في مجال استخراج المعادن.
وتوفر الدولة حزمة متنوعة من الحوافز الموجهة للقطاع الخاص الراغب في الاستثمار في مجال الرمال البيضاء. وتشمل هذه الحوافز إعفاءات عامة، مثل الإعفاء من بعض رسوم تأسيس الشركات وتسجيل الأراضي، بالإضافة إلى إلغاء بعض الرسوم الجمركية.
كما تتضمن حوافز خاصة من بينها حافز ضريبي للمشروعات العاملة في مجال إنشاء المجمعات الصناعية الخاصة بخام الرمال البيضاء، يتمثل في خصم يعادل 50% من التكلفة الاستثمارية من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة للمشروعات المقامة في مناطق محددة، من بينها، المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي، العاصمة الإدارية الجديدة، محافظات إقليم قناة السويس، جنوب الجيزة، محافظات الصعيد، والمحافظات الحدودية.
بينما تحصل المشروعات المقامة في باقي أنحاء الجمهورية على خصم ضريبي يعادل 30% من التكلفة الاستثمارية. وإلى جانب ذلك، يتم منح حوافز غير ضريبية للصناعات المرتبطة بخام الرمال البيضاء، وفقًا لضوابط وشروط تضمن جدية التنفيذ والإنتاج.
وتتمثل الاستراتيجيات التي ينبغي اتباعها لتعظيم الاستفادة من الرمال البيضاء في ضرورة بناء شراكات مع الدول الرائدة في الصناعات الاستراتيجية القائمة على الرمال البيضاء، بما يتيح الاستفادة من خبراتها وتجاربها الناجحة، وضرورة التعامل مع الصناعات المرتبطة بالرمال البيضاء كمشروعات استراتيجية وليست تجارية فحسب، نظرًا لاعتماد العديد من الصناعات العالمية الكبرى عليها بشكل أساسي، الأمر الذي يجعل توفرها عاملًا حاسمًا لاستمرار الإنتاج، وتجنب مخاطر التوقف، والعمل على تأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في هذه الصناعات، إلى جانب استقطاب ونقل الخبرات العالمية لتعزيز القدرات المحلية، والدخول في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث إنها تقوم على محورين أساسيين هما التصميم والتصنيع، وهو ما يفتح فرصة حقيقية للتوجه نحو هذه الصناعة بشكل تدريجي.
ويمكن لمصر أن تبدأ بمجال تصميم الرقائق باعتباره أقل تكلفة من التصنيع، ويتيح دخولًا أسرع إلى السوق العالمية، في حين يتطلب التصنيع مقومات أخرى تتعلق بالتعاون والتفاوض مع الكيانات الكبرى العاملة في هذا المجال، بما يضمن توطينًا جزئيًا لهذه الصناعة الاستراتيجية ونقل تقنيات تصنيعها، مع الاستفادة من امتلاك مصر للموارد والمواد الخام اللازمة لصناعة الرقائق.
وأشار التحليل في ختامه إلى أن الرمال البيضاء ليست مجرد مورد خام عادي، بل هي ثروة كامنة تحمل بين طياتها فرصًا واعدة للصناعة والتنمية. وقد ظلت بعيدة عن دائرة الاهتمام لفترة طويلة، لكنها اليوم تفرض نفسها كعنصر أساسي يمكن أن يُسهم في مستقبل اقتصادي أكثر استدامة.
ويمثل التوجه نحو استغلالها بالشكل الأمثل خطوة حقيقية نحو تحويل هذه الثروة إلى قوة داعمة للصناعة وللاقتصاد الوطني لقدرتها على فتح آفاق جديدة للابتكار، وجذب المزيد من الاستثمارات العالمية، وبذلك تتحول من كنز طبيعي غير مستغل إلى ركيزة أساسية في مسيرة التنمية المستدامة.