«أيقونة السينما الواقعية».. فاروق الفيشاوي نجم لم يغب عن وجدان الجماهير

في مثل هذا اليوم، 25 يوليو، قبل ست سنوات، ودّعت مصر والعالم العربي الفنان الكبير فاروق الفيشاوي، أحد أبرز نجوم السينما والدراما والمسرح، الذي امتدت رحلته الفنية لأكثر من أربعة عقود، قدّم خلالها أعمالًا متنوعة جمعت بين الجرأة والصدق، وبين البساطة والعمق، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الأجيال.
وُلد محمد فاروق الفيشاوي في 5 فبراير 1952 بقرية سرس الليّان بمحافظة المنوفية، في بيت مصري بسيط. فقد والده وهو في سن مبكرة، فرباه شقيقه الأكبر.
التحق بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وهناك ظهرت موهبته التمثيلية على مسرح الجامعة، فلفت أنظار المخرج الكبير عبدالرحيم الزرقاني الذي منحه أول فرصة للظهور على الشاشة.
بدأت مسيرته الفنية الفعلية في أواخر السبعينيات، لكن اسمه لمع بقوة في عقد الثمانينيات، حيث تحوّل من ممثل واعد إلى نجم شباك تتهافت عليه شركات الإنتاج، وتتصدّر صوره ملصقات الأفلام.
شارك في أكثر من 250 عملًا بين السينما والتليفزيون والمسرح، ورفض أن يُحبَس في قالب واحد، بل سعى دائمًا لاختيار أدوار تحمل مضمونًا، وتطرح قضايا تهم الجمهور.
من بين أبرز أفلامه "المشبوه" مع النجم عادل إمام والنجمة الراحلة سعاد حسني وأيضا فيلم "الباطنية" عام 1980، وتوالت النجاحات بأفلام "المرأة الحديدية"، و"الطوفان"، و"حنفي الأبهة"، و"الجراج" ، الذي تميز فيه بأداء صامت نال إشادة نقدية كبيرة.
كما تناولت بعض أفلامه قضايا سياسية حساسة مثل "48 ساعة في إسرائيل" و"فتاة من إسرائيل"، حيث عالج قضايا الصراع العربي الإسرائيلي والتطبيع من منظور إنساني ووطني.
أما في التليفزيون، فقد كان له حضور لافت من بدايته في مسلسل "أبنائي الأعزاء.. شكرًا" عام 1979، حين قدّم دور ماجد، مرورًا بمسلسلات خالدة مثل "ليلة القبض على فاطمة"، و"علي الزيبق" بدور حسن رأس الغول، و"كناريا وشركاه"، و"الأصدقاء" وظهر كضيف شرف في مسلسل "عوالم خفية" مع صديقه الفنان عادل إمام في أحد أدواره الأخيرة، ليختتم مسيرته بإطلالة إنسانية مؤثرة.
ورغم هيمنته على السينما والتليفزيون، لم يتخلَّ عن عشقه الأول: المسرح. وكان ظهوره القوي في مسرحية "الملك لير" عام 2002 إلى جانب يحيى الفخراني محط اهتمام واسع من النقاد والجمهور، إذ أعاد تقديم نفسه لجيل جديد وأثبت أن الممثل الجاد قادر على الإبداع مهما تنوّعت وسائط العرض.
لم يكن فاروق الفيشاوي فنانًا فحسب، بل كان إنسانًا صريحًا وجريئًا لا يخشى المواجهة، سواء في أعماله أو في حياته الخاصة.
تحدث بصراحة عن زواجه من الفنانة سمية الألفي، والدة ابنه الفنان أحمد الفيشاوي، وعن زيجات أخرى من بينها زواجه بالفنانة سهير رمزي، كما اعترف بعلاقته العاطفية بالفنانة ليلى علوي.
ظل محاطًا بحب زملائه رغم مواقفه الإعلامية التي كانت في بعض الأحيان مثار جدل، لكنه كان دائمًا صادقًا، وهذه الصراحة كانت سر محبة الناس له.
في أكتوبر 2018، وبينما كان يُكرَّم في مهرجان الإسكندرية السينمائي، أعلن أمام الجمهور إصابته بمرض السرطان، في لحظة إنسانية مؤثرة قال فيها: "سأتعامل مع المرض كأنه صداع.. وسأهزمه". وتمسّك بالأمل حتى النهاية، لكن حالته الصحية تدهورت لاحقًا نتيجة مضاعفات في الكبد، ليدخل في غيبوبة ويرحل عن عالمنا صباح الخميس 25 يوليو 2019.
تحوّلت جنازته من مسجد مصطفى محمود إلى تظاهرة حب وفاء، شارك فيها فنانون وجمهور من مختلف الأجيال، الذين جاؤوا لتوديع نجم ظل قريبًا من قلوبهم. وبعد رحيله، كرّمه مهرجان المسرح القومي في دورته الثانية عشرة، وتناولت الصحف مسيرته بوصفه "أيقونة السينما الواقعية" وجزءًا من وجدان المصريين.
لم يكن فاروق الفيشاوي مجرد ممثل، بل كان ظاهرة فنية جمعت بين الذكاء الفني والجرأة في الاختيار، والقدرة على التعبير عن أوجاع الناس وأحلامهم.تنقّل بين الأدوار الجادة والكوميدية، السياسية والاجتماعية ، وكان دائمًا يقول: "النجاح الحقيقي هو حب الناس واستمرار التأثير.. وليس فقط عدد الأفلام."