العلاقات المصرية السعودية.. شراكة استراتيجية تعزز الاستقرار الإقليمي

تُعد العلاقات المصرية السعودية نموذجًا راسخًا للشراكة العربية الاستراتيجية، حيث تجمع بين القاهرة والرياض روابط تاريخية وأخوية ومصير مشترك، جعلت من البلدين ركيزتين أساسيتين للاستقرار في المنطقة.
وفي هذا السياق، استقبل الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بمدينة العلمين، قبل أيام قليلة في لقاء يعكس عمق العلاقات الثنائية وتطابق الرؤى بين البلدين تجاه قضايا الإقليم.
شراكة راسخة وإرادة سياسية موحدة
أكد الوزيران على قوة ومتانة العلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين، والتزام القيادة السياسية في كل من مصر والمملكة العربية السعودية – ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان – بدفع هذه العلاقات نحو آفاق أرحب من التعاون والتكامل.
وأشاد الوزيران بالدور المحوري الذي يلعبه مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، باعتباره إطارًا مؤسسيًا فاعلًا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، بما يلبي تطلعات الشعبين الشقيقين.
كما أعرب الوزير عبد العاطي عن الرفض التام لأية محاولات مشبوهة من بعض المنصات الإلكترونية للمساس بصلابة العلاقات بين القاهرة والرياض، مؤكدًا أن العلاقة بين البلدين تستند إلى أسس من الأخوة والثقة والاحترام المتبادل.
تنسيق إقليمي تجاه القضايا العربية
وتناول اللقاء عددًا من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث استعرض الوزير المصري الجهود الحثيثة التي تبذلها بلاده لوقف إطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى اعتزام القاهرة استضافة مؤتمر إعادة إعمار القطاع.
كما ناقش الجانبان الأزمة الليبية، مؤكدَين أهمية دعم مسار ليبي-ليبي خالص دون تدخلات خارجية، واحترام وحدة وسيادة ليبيا.
وفيما يخص الأزمة السودانية، شدد الوزيران على ضرورة وقف الصراع وحماية مؤسسات الدولة السودانية، مع رفض التدخلات الأجنبية التي تعمق الأزمة وتزيد من معاناة الشعب السوداني الشقيق.
وعبر الوزيران عن إدانتهما الشديدة للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، بما في ذلك استهداف مؤسسات الدولة في دمشق، مطالبين بوقف الانتهاكات الإسرائيلية والانسحاب من كافة الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وعلى رأسها هضبة الجولان.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير تميم خلاف أن مصر والسعودية يشكلان جناحي الأمتين العربية والإسلامية، وتجمعهما علاقات استراتيجية وثيقة غير قابلة للاهتزاز، وأي محاولة للمساس بهذه العلاقة الأخوية الراسخة لن يكتب لها النجاح.
وقال إن العلاقات المصرية - السعودية بطبيعتها تتسم بالخصوصية، وهناك تعاون مميز فى المجالات والقطاعات المختلفة وتنسيق كامل على صعيد الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، كما أن التنسيق المصري - السعودي يعكس التناغم فى الرؤى والمواقف بين البلدين الشقيقين على المستوى الإقليمي، والرغبة المتبادلة فى تحقيق المصالح المشتركة.
علاقات تاريخية وجذور عميقة
تعود العلاقات بين مصر والسعودية إلى بدايات القرن العشرين، حيث شكّل الهمّ العربي المشترك نقطة التقاء دائمة بين القيادتين. وقد بلغ التنسيق ذروته في حرب أكتوبر 1973، حينما لعبت الرياض دورًا حاسمًا في دعم القاهرة سياسيًا واقتصاديًا، واستخدمت سلاح النفط للضغط على القوى الغربية.
ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات بين البلدين لتصبح واحدة من أكثر الشراكات العربية تكاملًا واستقرارًا.
أعمدة التعاون الثنائي
على المستوى السياسي، يجري تنسيق وثيق بين البلدين في المحافل الدولية، مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، إلى جانب تطابق في الرؤى حول أمن البحر الأحمر، والوضع في ليبيا، واليمن، والسودان، والقضية الفلسطينية.
أما على المستوى الاقتصادي، فتُعد المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر عربي في مصر، بإجمالي استثمارات تتجاوز 30 مليار دولار في قطاعات الطاقة والعقارات والصناعة والزراعة. كما يمثل مشروع الربط الكهربائي بين البلدين نموذجًا للتكامل التنموي، ويُعد مشروع "نيوم" فرصة واعدة للتعاون الاستثماري، خاصة في شمال غرب سيناء.
وتُسهم الجاليات المصرية في السعودية، والتي تضم ملايين الأفراد، في دعم الاقتصاد المصري عبر التحويلات المالية المنتظمة.
رؤية مستقبلية للتكامل العربي
يمتد التعاون بين البلدين ليشمل ملفات التعليم والدين والثقافة، بما في ذلك تبادل البعثات الطلابية والدعوية، والتعاون بين الأزهر الشريف والحرمين الشريفين.
كما يتوسع نطاق التعاون في مجالات الأمن الغذائي، والمياه، والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، ضمن رؤيتي "السعودية 2030" و"مصر 2030".
نموذج يُحتذى به
تسير العلاقات المصرية السعودية نحو بناء نموذج ناجح للتكامل العربي، يقوم على أسس من الاستقرار والتنمية والتضامن، وسط توقعات بمرحلة جديدة من تعزيز الاستثمارات المتبادلة، والتنسيق السياسي والأمني، ومواصلة الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية.