رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«يوم عرفة».. عنوان الطاعة والتسليم على صعيد وحدانية الله

نشر
وقفة عرفة
وقفة عرفة

"يوم عرفة" خير يوم تشرق فيه الشمس؛ يوم يباهي الله ملائكته بعباده الذين أتوه برا وجوا وبحرا مستسلمين لربوبيته شاهدين له بالوحدانية مكبرين ملبين استجابة لدعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام حاجين إلى البيت العتيق يكسوهم اللون الأبيض آملين أن تطمن قلوبهم؛ سائرين على خطى خاتم المرسلين سيد ولد آدم الذي اقترن اسمه باسم الرحمن ليكون منذ الأزل مفتاح باب الجنة "لا إله الا الله .. محمد رسول الله".. رحلة الحج بدأت بيوم "التروية" في مشعر منى تلاه وقفة الحجيج على صعيد عرفات الطاهر؛ يتلوهما نحر الأضاحي ورمي الجمرات بأيام التشريق ليكتمل عقد عيد المسلمين الأكبر.
 

وصلنا إلي مشعر "مني" في يوم التروية أرواحنا عطشى ونفوسنا ظمأى اعتصرتهما مصاعب الدنيا وتحوطهما غواية حكايا الفتن والفرقة وصراعات عدمية تضرب أهل الدنيا شرقا وغربا؛ وشمالا وجنوبا حيث يطحن القوي المليئة خزائنه؛ الضعيف الفقير ويسلبه مقدرات مستقبله.
 

يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي بهذا الاسم لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء في مكة ويخرجون به إلى منى حيث كان معدوماً في تلك الأيام ليكفيهم حتى اليوم الأخير من أيام الحج.
 

وفي التاسع من ذي الحجة تعرف خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام أن رؤياه "حق " حيث رأى في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل، ثم تأكد من صدق الرؤيا في ليلة عرفة.. وهو أيضا يوم إكمال الدين الإسلامي وإتمام النعمة.. وقبلهما تعارف آدم وحواء على صعيد عرفات عقب هبوطهما من الجنة إلى الحياة الدنيا بسبب غواية الشيطان؛ وأصبح رجم إبليس منسكا للحجيج اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام.

اليقين والتضحية والفداء: 
 

«يابني إني أرى من المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى»
 

إسماعيل متيقنا من أنه قضاء الله وليس له إلا أن يرضى؛ حاول الصبي إسماعيل أن يخفف عن أبيه وبادره عندما تروى إبراهيم كيف يبلغ فلذة كبده؛ فبادره إسماعيل موقنا "يا أبت أفعل ماتؤمر" وأوصاه الإبن البار بأبيه الشيخ: يا أبت قيدني وشد الوثاق؛ وتله للجبين وضرب الصخرة بسكينه المسنون فقطعها.. ونجح خليل الله في الابتلاء وهم بذبح من يحب قربانا لله وطاعة واستسلاما فكان الرد: أن تعطل نصل السكين وأصبح بردا وسلاما على رقبة إسماعيل مكررا تجربة إبراهيم نفسه جزئيا مع النمرود وحفظ القدير خليله ونسله.. ولما استسلما إيمانا واحتسابا جاءت البشارة "ففديناه بذبح عظيم" نجاة لإسماعيل وعبورا آخر لخليل الرحمن متحصنا باليقين.
 

التروية لغة: من روي؛ وتأتي بمعنى الشرب التام إلى ذهاب العطش، والشرب حتى الشبع، واستسقاء الماء، والتزود بالماء.. والتروية شرعا: هي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وهو من أيام الحج، وهو أيضا يوم النقلة، حيث ينتقل الحجاج فيه من مكة إلى مشعر"منى".
 

تنضبط البوصلة ثانية في طريقنا عقب صلاة فجر يوم عرفة ركن الحج الأعظم غايتنا جبل الرحمة؛ حيث وضعت الموازين القسط في خطبة الوداع التي أوجز فيها خاتم النبيين وصفة التعايش ورسم طريقا لحقوق الإنسان وترسيخ السلام معلنا رفع الوحي وانقطاع جبريل الأمين عن الأرض.
 

وفي الطريق مع نسمات الصباح الدافئة تنوعت العرقيات ولانت الجلود المختلفة واقشعرت الأبدان إيمانا وتوحدت القلوب الحائرة على عبارة واحدة "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك" عبارة لخصت معاني التوحيد والمحبة والطاعة والتضحية والفداء؛ تجلب معها العيد الأكبر للمسلمين في بقاع الأرض التي أنهكتها الصراعات والفتن والحروب؛ وفي القلب منها فلسطين حيث لايزال ثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي الكريم أسيرا؛ فالمسجد الأقصي المبارك ينتظر الخلاص.
 

ليس غريبا أن ينحصر ترحال المسلمين إلى ثلاثة مساجد حصرا؛ أولها الحرم المكي بيت الله العتيق؛ والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة؛ والمسجد الأقصي المبارك الذي له حظ كبير من مسماه "الأقصى" أي الأبعد ليس على كل مسلم ولكن عن الفلسطيني من الضفة الغربية بل ومن سكان القدس الشرقية؛ حيث تمنعهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي من بلوغه وهو "الأدني" المتاخم لمنازلهم وأرضهم المحتلة المغروسة أشجار الزيتون منذ القدم وترتجي نسمات السلام؛ ناهيك عن استحالة بلوغ الأقصي لأهل غزة الذين يعانون منذ أكتوبر الماضي جرائم إبادة جماعية يندى لها جبين كل حر شريف بالعالم بعد تحول الحرب على غزة إلى "حرب تجويع وتصفية لوجود الشعب الفلسطيني".
 

خطبة الوداع: هي آخر خطبة ألقاها النبي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في من على صعيد عرفات الطاهر، وقد ألقاها من قمة جبل الرحمة. حيث أوصى المسلمين بعدة وصايا هامة، مشددا على أهمية التمسك بالدين قرآنا وسنة نبوية، والعدل وعدم الظلم، و تقوى الله وفعل الخيرات؛ وحسن المعاملة بين الناس والتوصية على الأقربين وعدم ظلمهم أو إيذائهم. 
وقال نصا:
"أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟". 
"أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم من آدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟". 
"أيها الناس، لا تظلموا، ولا تقتلوا أنفسكم، ولا تسرقوا، ولا تغتابوا، ولا تقعوا في الشرك، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟". 
"أيها الناس، استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرًا.". 
 

عاجل