رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

من سقوط نوكيا إلى ريادة التكنولوجيا.. كيف نهضت فنلندا من كبوتها؟

نشر
مستقبل وطن نيوز

نجحت فنلندا، الدولة الإسكندنافية التي يعمّها البرد القارس معظم أشهر السنة، في استثمار ظروفها المناخية القاسية لتصبح واحدة من أبرز الوجهات العالمية لمراكز البيانات. فقد وفّرت بيئتها الباردة ميزة طبيعية لتبريد الخوادم العملاقة دون الحاجة إلى استهلاك طاقة كبيرة، وهو ما جعلها محط أنظار شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم.

استثمارات ضخمة من جوجل وتيك توك

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، شهدت فنلندا نموًا لافتًا في عدد مراكز البيانات، لا سيما تلك التي تستخدم مياهًا باردة لتبريد خوادمها. وكانت شركة غوغل من أوائل المستثمرين، حيث ضخّت أكثر من 4.5 مليار دولار في منشأة عملاقة على ساحل مدينة هامينا، بعد تحويل مطحنة ورق قديمة إلى مركز بيانات حديث.

ولم تتأخر منصة تيك توك في اقتفاء أثر غوغل، حيث أعلنت عن استثمار قدره مليار دولار لبناء مركز بيانات جديد في مدينة كوفولا الصغيرة في الداخل الفنلندي، حسبما ذكرت شبكة FOX Business.

كل المقومات في مكان واحد

ترى رئيسة بلدية كوفولا، ماريتا تويكا، أن بلادها توفر بيئة مثالية لهذا النوع من الاستثمارات. فقد قالت: "لدينا كل ما تحتاجه مراكز البيانات: خدمات حكومية فعالة، سرعة في منح تصاريح البناء، أراضٍ شاسعة مخصصة للاستخدام الصناعي، مناخ بارد، طاقة متجددة بأسعار معقولة، نظام ضريبي تنافسي، مجتمع آمن، واتصالات لوجستية ممتازة."

دفء المنازل من حرارة الخوادم

ولا تقتصر فوائد مراكز البيانات على الاقتصاد وحسب، بل تمتد إلى البيئة والمجتمعات المجاورة. ففي العاصمة هلسنكي، يساهم مركز بيانات جديد تابع لشركة تيليا في استرجاع ما يصل إلى 90% من الحرارة الناتجة عن عملياته، وهي كمية تكفي لتدفئة نحو 14 ألف منزل مزدوج خلال فصل الشتاء.

وقال كالي هاسو، مدير الإنتاج لأنظمة التبريد والأتمتة في تيليا، في بيان صحفي: "في فنلندا نمتلك ميزة فريدة هي التبريد المجاني شبه الدائم. واستغلال الحرارة المهدرة من مراكز البيانات يمثل مثالًا ممتازًا لحل مستدام وخالٍ من الانبعاثات لإنتاج الطاقة الحرارية."

من الابتكارات الذكية إلى الصناعات المتقدمة

رغم أن أشهر منتجات التكنولوجيا الفنلندية في السنوات الماضية تمثلت في ابتكارات مثل خاتم "أورا" الذكي القابل للارتداء، وألعاب الفيديو الشهيرة مثل "أنغري بيردز" و**"كلاش أوف كلانز"**، فإن البلاد باتت اليوم بيئة مزدهرة لقطاعات أوسع، أبرزها التكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الخضراء، والدفاع، والابتكار الصحي.

وفي قلب العاصمة هلسنكي، تأسس مركز الشركات الناشئة Maria 01، الذي يوفر أكثر من 215 ألف قدم مربع من المساحات المخصصة لرواد الأعمال لإطلاق أفكارهم ومشاريعهم التكنولوجية.

سقوط نوكيا.. نقطة التحول الكبرى

لحظة فارقة في المشهد الاقتصادي الفنلندي الحديث تمثلت في سقوط شركة نوكيا، التي كانت لفترة واحدة من أكثر العلامات التجارية شهرة في العالم. تراجعت الشركة سريعًا في أواخر العقد الأول من الألفية بعد فشلها في مواكبة الابتكارات في سوق الهواتف الذكية، لا سيما من أبل وسامسونغ.

وفقًا لمعهد الأبحاث الاقتصادية الفنلندي "إيتلا" (Etla)، كانت نوكيا تمثل أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي، و23% من صادرات البلاد في عام 1999. لكن مع تدهور أوضاعها، فقد نحو 60 ألف شخص وظائفهم، مما أحدث هزة في الاقتصاد الوطني.

مع ذلك، شكّل هذا التراجع منصة انطلاق لعشرات الشركات الناشئة التي ظهرت لاحقًا في قطاع التكنولوجيا، وأعادت تشكيل المشهد الاقتصادي في البلاد.

وقالت ساريتا رونيبيرغ، الرئيسة التنفيذية لـ Maria 01: "نوكيا كانت عظيمة للبلاد، وسقوطها كان مروعًا، لكنّه ساعد في بناء منظومة ناشئة قوية."

يوم الفشل.. ثقافة جديدة لريادة الأعمال

في مشهد يعكس النضج في عقلية ريادة الأعمال الفنلندية، تحتفل الشركات الناشئة في البلاد سنويًا في شهر أكتوبر بـ "يوم الفشل"، وهو تقليد فريد أطلقه طلاب جامعيون لتشجيع رواد الأعمال على اعتبار الفشل جزءًا طبيعيًا من طريق النجاح.

عاجل