الاقتصاد العالمي يوجه تحذيرات بشأن الطلب على النفط مع تصاعد الحرب التجارية

بدأت أكبر القطاعات الصناعية المستهلكة للنفط في العالم إرسال إشارات تحذيرية بشأن الطلب العالمي، وسط تدهور آفاق الاقتصاد نتيجة الحرب التجارية المستمرة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، قامت عدة شركات طيران أميركية بسحب توقعاتها الاسترشادية للأرباح هذا العام، مشيرة إلى حالة عدم اليقين السائدة بشأن الاقتصاد العالمي وتراجع الحجوزات المحلية مؤخراً. وفي الوقت نفسه، تم تقليص سعة سفن الحاويات بين آسيا والولايات المتحدة بأكثر من 40% لبعض الأسابيع القادمة، مع لجوء الشركات إلى استخدام سفن أصغر لتلبية الاحتياجات.
قطاعا الطيران والشحن البحري في مقدمة المتأثرين
تشكل هذه التطورات مؤشراً أولياً على التأثيرات الواقعية لحرب الرسوم الجمركية التي تهدف إلى إعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة التجارية مع أبرز شركائها. إذ يُشكل وقود الطيران والوقود البحري معاً ما يزيد على 10% من إجمالي استهلاك النفط العالمي، في حين يُتوقع أن تطال تداعيات إضافية سائقي الشاحنات الذين ينقلون الحاويات من الموانئ، مما يشكل ضغطاً إضافياً على استهلاك وقود الديزل.
بداية قوية للعام يعقبها ضعف في الطلب
صرّح بوب جوردان، الرئيس التنفيذي لشركة "ساوث ويست إيرلاينز"، خلال مكالمة أرباح هذا الشهر، بأن العام بدأ بشكل قوي، إلا أن الوضع تغيّر مع مرور الوقت. وأوضح أن الطلب، لا سيما على الرحلات الترفيهية، شهد تراجعاً ملحوظاً مع تقدم الربع، واستمرت وتيرة الحجوزات الضعيفة خلال الربع الثاني.
في قطاع الشحن البري، كشفت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي عن انخفاض مبيعات الشاحنات الثقيلة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2020. كما توقعت شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" أن يتوقف الطلب على الشحن بالشاحنات الشهر المقبل، مما سيؤدي إلى موجة من التسريحات.
تراجع متوقع في الطلب على الديزل عالمياً
توقعت شركة الاستشارات "إف جي إيه" (FGE) انخفاض الطلب العالمي على الديزل خلال الربعين الثاني والثالث من العام الحالي، نتيجة التباطؤ المتسارع في الاستهلاك بسبب تصاعد الحرب التجارية. وذكرت الشركة أن هذا التراجع يعكس ضعفاً في النشاط الصناعي والتجاري على حد سواء.
ورغم الصورة القاتمة، هناك بعض المؤشرات الإيجابية. فقد صرحت "يونايتد إيرلاينز هولدينغز" أن أسواق السفر الدولية ما تزال قوية باستثناء تراجع في الحجوزات بين الولايات المتحدة وكندا. وفي أوروبا، لم تُظهر شركات الطيران تباطؤاً ملحوظاً حتى الآن، باستثناء شركة "إير فرانس – كيه إل إم" التي سجلت تراجعاً في مبيعات تذاكر الدرجة الاقتصادية، خاصة للرحلات العابرة للأطلسي.
تغيّرات في حركة الشحن البحري
في قطاع شحن الحاويات، تراجعت الأحجام المتجهة إلى الولايات المتحدة من الصين، بينما زادت الأحجام من دول جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا وفيتنام وتايلاند. وقالت شركة "هاباغ لويد"، خامس أكبر ناقل حاويات في العالم، إن 30% من الحجوزات من الصين إلى الولايات المتحدة قد أُلغيت، في حين ارتفعت الرحلات من دول أخرى في المنطقة.
شركة "كلاركسون"، أكبر سمسار سفن في العالم، خفضت توقعاتها لأرباح عام 2025 بسبب تزايد عدم اليقين المرتبط بالحرب التجارية. كما حذرت شركة "نرويغان كروز لاين" من تراجع في الحجوزات المستقبلية، ما يعكس حالة التردد والقلق في السوق.
تراجع مؤشرات النقل وأسواق المال
انخفض مؤشر "داو جونز للنقل"، الذي يقيس أداء 20 من أسهم النقل الأميركية، بنحو 15% منذ بداية العام، متجاوزاً تراجع مؤشر "إس آند بي 500"، مما يشير إلى تأثر قطاع النقل بشكل أكبر بالأوضاع الاقتصادية. ومع ذلك، يبقى الوضع أقل حدة من أيام الإغلاق العالمي في بداية الجائحة، حينما انخفض الطلب على النفط بنحو الثلث وانخفضت الأسعار إلى ما دون الصفر مؤقتاً.
التباطؤ يضرب قطاع البتروكيماويات أيضاً
بدأ عدم اليقين وانخفاض الطلب يدفعان مراقبي النفط إلى خفض توقعاتهم للطلب العالمي بسرعة. وقد تم تقليص توقعات النمو بمقدار الثلث حتى الآن. ومع تراجع استهلاك وقود النقل، فإن الطلب على البتروكيماويات مهدد كذلك بسبب انكماش التجارة، وهو القطاع الذي كان من المتوقع أن يقود نمو الطلب على النفط هذا العام.
في الصين، سجل نشاط المصانع أسوأ انكماش منذ ديسمبر 2023، في إشارة إلى الأثر الأولي للحرب التجارية. كما حذرت شركة "إل جي كيم" الكورية من انخفاض محتمل في الطلب على منتجاتها بفعل الرسوم، بينما خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للمواد الأولية اللازمة لصناعة البتروكيماويات.
الشركات الصغيرة تواجه تحديات كبرى
ذكرت شركة "يونايتد بارسل سيرفيس" أن الشركات الصغيرة والمتوسطة — التي تمثل ثلث أعمالها في الولايات المتحدة — من المتوقع أن تبطئ شحناتها خلال الربع الثاني، مضيفة أن العديد من هذه الشركات تعتمد على مصادر وحيدة في الصين، ولا تمتلك السيولة اللازمة لتأمين البضائع مسبقاً في حال حدوث أي اضطراب في سلاسل الإمداد.
ركود مرتقب في الشحن العالمي
أعلنت شركة "ميتسوي أو إس كيه لاينز" اليابانية، إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، أنها تتوقع تباطؤاً في حركة الشحن خلال هذا العام، ورجحت حدوث ركود اقتصادي عالمي نتيجة تصاعد الرسوم الجمركية. كما أشارت إلى انخفاض متوقع في أسعار وحدات الحاويات، وناقلات السيارات، وناقلات المواد الكيميائية.
انخفاض مرتقب في شحنات البضائع
ختاماً، قال جين سيروكا، المدير التنفيذي لميناء لوس أنجلوس، في جلسة استماع مؤخراً، إن حجوزات وتحميلات الحاويات القادمة من آسيا تراجعت بشكل ملحوظ، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه لبعض الوقت. وأضاف: "إذا كنت سائق شاحنة وتنقل أربعة أو خمسة حاويات اليوم، فقد تنقل اثنتين أو ثلاثاً فقط غداً"، في إشارة واضحة إلى عمق التأثير الذي تعاني منه سلاسل الإمداد والنقل.