رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

وسط الدمار والفوضى.. سكان غزة يتضورون جوعًا وإجراءات التفتيش تعرقل المساعدات

نشر
غزة
غزة

بعد مرور نحو 6 أشهر على الحرب في غزة، يطل شبح الجوع برأسه في غزة حاصدًا لـ أرواح مئات الفلسطينيين الذي لا يجدون ما يسدون به جوعهم، وفي منتصف مارس الجاري، امتد طابور من الشاحنات لمسافة 3 كيلومترات على طول طريق صحراوي قرب نقطة عبور من إسرائيل إلى قطاع غزة.
وفي اليوم نفسه، امتد طابور آخر أحيانًا من شاحنتين أو 3 في نفس الصف بطول 1.5 كيلومتر تقريبًا بالقرب من معبر رفح من مصر إلى غزة.

طوابير المساعدات

وكانت الشاحنات مليئة بالمساعدات، ومعظمها مواد غذائية، لتوصيلها لأكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الذي مزقته الحرب. 

وقال مسؤول في الهلال الأحمر المصري إن شاحنات مساعدات أخرى، حوالي 2400 شاحنة، ظلت متوقفة هذا الشهر في مدينة العريش المصرية على بعد حوالي 50 كيلومترا من غزة.

وهذه الشاحنات التي تقف بلا حراك محملة بالمواد الغذائية، وهي شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، في قلب الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي تعصف بالقطاع.

وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، حذرت هيئة عالمية معنية بالأمن الغذائي في تقرير من أن المجاعة أصبحت وشيكة في مناطق من غزة حيث أُجبر أكثر من ثلاثة أرباع السكان على ترك منازلهم وتحولت مساحات واسعة من القطاع إلى أثر بعد عين.

وبعدما روعته تقارير وصور لأطفال يتضورون جوعا، يضغط المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة على إسرائيل لحملها على تسهيل دخول المزيد من المساعدات إلى غزة. وأسقطت واشنطن مواد غذائية جوا على القطاع المطل على البحر المتوسط، وأعلنت مؤخرا أنها ستبني رصيفا قبالة ساحل غزة للمساعدة في توصيل مساعدات إضافية.

واتهم مسؤولون في الأمم المتحدة إسرائيل بمنع توصيل الإمدادات الإنسانية إلى غزة. وقال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن إسرائيل تستخدم الجوع “سلاح حرب”. ويقول مسؤولو وكالات الإغاثة إن الإجراءات الإسرائيلية تبطئ تدفق الشاحنات التي تحمل إمدادات غذائية.

ويرفض المسؤولون الإسرائيليون هذه الاتهامات ويقولون إنهم زادوا من عمليات توصيل المساعدات إلى غزة وإن إسرائيل ليست مسؤولة عن التأخير، وأضافوا أن تسليم المساعدات بمجرد دخولها إلى غزة يقع على عاتق الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية. واتهمت إسرائيل حماس أيضا بسرقة المساعدات.

وأجرت رويترز مقابلات مع أكثر من 24 شخصا، من بينهم عمال إغاثة ومسؤولون عسكريون إسرائيليون وسائقو شاحنات، لتتبع الطريق المضني الذي تسلكه شاحنات المساعدات إلى غزة في محاولة لتحديد نقاط الاختناق وأسباب تأخير الإمدادات.

واطلعت رويترز أيضا على إحصاءات الأمم المتحدة والجيش الإسرائيلي بشأن شحنات المساعدات، فضلا عن صور الأقمار الصناعية لمناطق المعابر الحدودية التي كشفت عن طوابير طويلة من الشاحنات.

وتخضع شحنات المساعدات لسلسلة من إجراءات التفتيش الإسرائيلية قبل دخولها غزة، وقد تمر شحنة من إحدى مراحل العملية لكن ربما تتعثر في الأخرى، وفقا لما ذكره 18 من عمال الإغاثة ومسؤولي الأمم المتحدة المشاركين في جهود الإغاثة.

وعند أحد المعابر من إسرائيل إلى غزة، يتم تنزيل البضائع مرتين من الشاحنات ثم يعاد تحميلها على شاحنات أخرى تنقل بعد ذلك المساعدات إلى مستودعات في غزة. وتنافس الدول في تقديم المساعدات قد يجعل عملية التسليم معقدة إذ تريد بعض الدول إعطاء الأولوية لمساهماتها.

وربما تتعرض المساعدات التي تصل إلى غزة للنهب من قبل مدنيين استبد بهم اليأس، أو تقع في أيدي عصابات مسلحة في بعض الأحيان، أو تعرقلها نقاط التفتيش التابعة للجيش الإسرائيلي. ولم تعد نصف المستودعات التي تخزن المساعدات في غزة صالحة للعمل بعد تعرضها للقصف أثناء القتال.

وقال باولو بيزاتي أحد العاملين في منظمة أوكسفام وقد تفقد مؤخرا طابور الشاحنات قرب حدود مصر مع غزة “من المحزن أن نرى شاحنات المساعدات هذه لا تذهب إلى أي مكان، والإمدادات الإنسانية الضخمة تتكدس في المستودعات بينما تفكر فيما يحدث الآن للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها”.

ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، كانت 200 شاحنة في المتوسط محملة بالمساعدات تدخل غزة يوميا قبل الحرب. وتدخل 300 شاحنة أخرى يوميا عبر إسرائيل محملة بواردات تجارية تشمل مواد غذائية وإمدادات زراعية ومواد صناعية.

لكن منذ بداية الحرب، تدخل نحو 100 شاحنة في المتوسط إلى غزة يوميا، وفقا لمراجعة لإحصاءات الأمم المتحدة وإحصائيات الجيش الإسرائيلي بشأن شحنات المساعدات.

ووسط الصعوبات الكبيرة في دخول الشاحنات إلى غزة، زادت الحاجة إلى المساعدات كثيرا بسبب عدد النازحين الهائل وتدمير البنية التحتية الرئيسية في الهجوم الإسرائيلي ومن بين ذلك المخابز والأسواق والأراضي الزراعية التي تلبي محاصيلها بعض الاحتياجات الغذائية لسكان غزة.

وقال علاء العطار وهو مسؤول محلي “لم تكن الحروب السابقة هكذا… لم يكن هناك تدمير لكل مصادر العيش، المنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية”.

وأضاف العطار، الذي نزح من شمال القطاع إلى جنوبه في بداية الحرب “لم يعد هناك شيء نعيش عليه، فقط المساعدات”.

وتقول وكالات الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة إن غزة تحتاج حاليا لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها إلى ما بين 500 و600 شاحنة يوميا بما يشمل المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية التي كانت تصل القطاع قبل الحرب. ويعادل هذا الرقم أربعة أمثال عدد الشاحنات التي تدخل الآن.

وزاد عدد الشاحنات التي تدخل غزة في شهر مارس زيادة طفيفة ليبلغ 150 شاحنة يوميا في المتوسط.

وتتم بعض عمليات التسليم عن طريق الإنزال الجوي الدولي وعبر البحر، لكنها لا تعوض النقص في الدخول البري. وأظهر إحصاء أجرته رويترز استنادا إلى أرقام عسكرية إسرائيلية أن ما يعادل حمولة نحو 50 شاحنة تم إسقاطها جوا أو نقلها بحرا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس.

ووجد تقرير حديث عن الأمن الغذائي، والمعروف باسم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن نقص المساعدات يعني أن جميع الأسر في غزة تقريبا لا تتناول كل الوجبات يوميا ويقلل البالغون من وجباتهم حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام.

وجاء في التقرير أن الوضع مأساوي جدا في شمال غزة حيث “أمضى ما يقرب من ثلثي الأسر أياما وليالي كاملة بدون طعام عشر مرات على الأقل خلال الثلاثين يوما الماضية”.

واندلعت الحرب بعد هجوم شنته حماس على تجمعات سكانية في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقا لإحصاءات إسرائيلية.

وبحسب السلطات الصحية في غزة، أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى مقتل أكثر من 32 ألف شخص.

وذكر باسم نعيم المسؤول البارز في حركة حماس أن إسرائيل مسؤولة عن عرقلة تدفق المساعدات.

وقال إن “التهديد الأكبر” لتوزيع المساعدات هو الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة.

وأضاف “العائق الأكبر أمام وصول المساعدات للناس هو استمرار إطلاق النار واستمرار استهداف المساعدات والقائمين عليها”.

عاجل