رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«معلومات الوزراء» يوضح دور الألومنيوم في مستقبل الاقتصاد العالمي

نشر
رئيس الوزراء
رئيس الوزراء

أصدَر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً معلوماتياً تناول خلاله دور معدن الألومنيوم في مستقبل الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن المواد أو المعادن الحرجة هي المواد اللازمة لإنتاج العديد من التقنيات الرئيسة لانتقال الطاقة، بما في ذلك توربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات المركبات الكهربائية والمحللات الكهربائية؛ إذ تتطلب عملية إزالة الكربون العميقة من أنظمة الطاقة كميات كبيرة من المعادن المهمة، بما في ذلك على سبيل المثال: «الليثيوم، والنيكل، والكوبالت، والنحاس، والعناصر الأرضية النادرة (REEs)»، ومن الأهمية بمكان ضمان توافرها والقدرة على تحمل تكاليفها لتحقيق انتقال ناجح، ولضمان التحول المنظم للطاقة؛ حيث أصبحت الحكومات تركز على حماية هذه المعادن الحرجة وتعزيز الحلول طويلة الأجل.

وأشار المركز إلى أنَّ مفهوم المعادن الحرجة ليس جديدًا؛ فقد ظهرت الفكرة في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى، وتمت صياغتها في قانون تخزين المواد الاستراتيجية والحرجة لعام 1939، والذي ركز على المواد اللازمة لدعم صناعة الدفاع، ومع ذلك فقد شهد هذا المفهوم تجددًا بسبب التركيز المتزايد على أهمية التحول منخفض الكربون، مع نشر تقنيات الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والمركبات الكهربائية، التي من المحتمل أن تتطلب كميات كبيرة من المعادن الأساسية كالنحاس والصلب، إلى جانب مستويات عالية نسبيًّا من مجموعة واسعة من المعادن المتخصصة، من النيوديميوم إلى الإيريديوم والديسبروسيوم. وقد أدى هذا إلى اتخاذ إجراءات سياسية في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، في تحليله، أنَّه في أوائل يوليو 2023، عدَّل الاتحاد الأوروبي قائمته للمعادن التي يعتبرها مهمة، مضيفًا الألومنيوم إلى القائمة بموجب قانون المعادن الخام الحرجة، وهذه هي المواد التي تُعَد بالغة الأهمية لاقتصاد أوروبا، وخاصة في سياق التحول المكثف ماديًّا بعيدًا عن الوقود الأحفوري، كما تجدر الإشارة إلى أن الألومنيوم مدرج أيضًا في قائمة المعادن المهمة في الولايات المتحدة.

كما أشار التحليل إلى ما قدرته الدراسات التي أجرتها منظمات مثل البنك الدولي ووكالة الطاقة الدولية بزيادات كبيرة محتملة في الطلب على المواد من تقنيات الطاقة الجديدة هذه، ويمكن أن يكون حجم الطلب المحتمل على الألومنيوم من مجموعة فرعية من هذه التقنيات كبيرًا، إذ تشير التقديرات أنه لتلبية السيناريوهات الطموحة ونشر 60 تيراوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحلول عام 2050، قد تكون هناك حاجة إلى ما يصل إلى 486 مليون طن من الألومنيوم حتى عام 2050، مقارنة بالإنتاج السنوي العالمي الحالي البالغ 69 مليون طن.

وأكّد التحليل أنَّ الألومنيوم لا يُستخدَم في تقنيات تحويل الطاقة هذه فحسب، بل إنه في الواقع لا يشكل سوى جزء صغير من إجمالي الطلب؛ فهو مادة حيوية عبر مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك البناء (يمثل نحو 25% من الطلب الحالي)، والنقل (بما في ذلك الطائرات والمركبات الكهربائية، ويمثل 23%)، والمواد الكهربائية (بما في ذلك الاستخدام المتزايد في خطوط النقل ويشكل 12%)، والآلات والمعدات الأخرى (11%).

وأشار التحليل إلى أنَّ الألومنيوم هو المادة المكررة من خام البوكسيت، وهو ثاني أكثر العناصر المعدنية وفرة على وجه الأرض، وفي عام 2022 بلغ الإنتاج العالمي من البوكسيت نحو 380 مليون طن، مع احتياطيات عالمية محددة قادرة على الحفاظ على هذا المستوى لمدة 100 عام تقريبًا. كما أن هذا الإنتاج متنوع نسبيًّا؛ حيث تنتج أستراليا (26%) من إجمالي الإنتاج العالمي، والصين (24%)، وغينيا (23%)، وهي تمثل الحصص الكبرى. ومع ذلك، فإن البوكسيت ليس هو الألومنيوم؛ إذ إنه للحصول على المعدن النهائي؛ يجب أولًا تكرير الخام إلى ألومينا ثم صهره إلى الألومنيوم. ومرحلة إنتاج الألومينا هي المرحلة التي يبدأ فيها التركيز في السوق، حيث مثلت الصين 54% من الإنتاج العالمي في عام 2022. وداخل الصهر، يزداد التركيز بشكل أكبر؛ حيث تصهر الصين 58% من المعروض العالمي.

وعلى مدار العقدين الماضيين، كانت هناك زيادة سريعة في القدرة العالمية على تكرير وصهر الألومنيوم، وهو ما يعني زيادة في العرض العالمي من نحو 40 مليون طن في عام 2008 إلى 69 مليون طن في عام 2022، ومع ذلك، حدثت هذه الزيادة في القدرة بشكل حصري تقريبًا في البلدان المتوسطة الدخل، وخاصة الصين والهند؛ حيث تضاعفت قدرة الصهر السابقة ثلاث مرات بين عام 2008 و2021، كما كان هناك أيضًا استثمار كبير في قدرات الصهر الجديدة في منطقة الخليج، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي أجزاء أخرى من العالم كان الاتجاه عكس ذلك، حيث توقفت المصاهر عن العمل أو أغلقت أبوابها وخصوصًا في البرازيل، في حين ظلت الطاقة الاستيعابية في مواقع أخرى مثل كندا والنرويج ثابتة.

وأضاف التحليل إلى أنَّ أحد الجوانب المهمة لإنتاج الألومنيوم، والذي يمثل نحو 30% من التكاليف، هو استخدام الكهرباء في عملية «هول-هيرو»: وهي عملية تحويل الألومينا إلى المعدن النهائي، وتستخدم هذه العملية ما لا يقل عن 6 كيلووات ساعة من الكهرباء لكل كيلوجرام من الألومنيوم، ومن المحتمل أن تكون مصدرًا كبيرًا للانبعاثات، اعتمادًا على كيفية إنتاج هذه الكهرباء، وبالتالي فإن الجوانب الرئيسة التي تحدد موقع مصاهر الألومنيوم الجديدة هي التكاليف الرأسمالية الأولية والحصول على الكهرباء الرخيصة، وهذه العوامل هي التي أدت إلى زيادة القدرة والإنتاج في البلدان المتوسطة الدخل، وانخفاض الإنتاج في المناطق الأعلى تكلفة مثل أمريكا الشمالية وأوروبا.

وذكر التحليل أنَّ الاختلاف في كيفية إنتاج هذه الكهرباء له أيضًا آثار عميقة على التأثير البيئي العالمي للمادة؛ فالألومنيوم الذي يُنتَج عن طريق الكهرباء المولدة بالطاقة الكهرومائية في بلدان مثل البرازيل والنرويج (وبشكل متزايد في مناطق أخرى مثل الصين) له بصمة إجمالية أقل بدرجة من حيث الحجم، من الألومنيوم المُنتَج باستخدام الكهرباء التي تعمل بالفحم، كما كان الحال تقليديًّا في الصين والهند.

إن التحول العالمي لإنتاج الألومنيوم إلى البلدان الأخيرة يعني أنه على الرغم من التحسينات في الصناعة من حيث استخدام الكهرباء وتقليل الانبعاثات -بخلاف ثاني أكسيد الكربون- التي تنشأ بسبب عملية الإنتاج، فإن متوسط الانبعاثات العالمية لكل طن من الألومنيوم لم ينخفض إلا قليلًا العقد الماضي.

وأكّد التحليل أن حجم بصمة الانبعاثات المحتملة لإنتاج الألومنيوم يعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك حجم الزيادة في الطلب، وموقع إنتاج الألومنيوم المستقبلي، والأهم من ذلك طريقة توليد الكهرباء المستخدمة لتشغيل مصاهر الألومنيوم، وتنشأ الانبعاثات أيضًا في عملية «هول-هيرو» نفسها؛ إذ يتم تمرير الكهرباء عبر أنودات الكربون، على الرغم من أن انبعاثات العملية هذه قد انخفضت في السنوات الأخيرة وهناك جهود مستمرة داخل القطاع لإيجاد حلول اقتصادية وممكنة من الناحية التكنولوجية للقضاء على هذه الانبعاثات.

وتبذل مصر جهودًا حثيثة لتطوير منظومة صناعة الألومنيوم؛ وذلك لدورها الحيوي في عملية التنمية الجارية في القطاعات كافة، إذ تستهدف مصر تحسين بيئة صناعة الألومنيوم وتقليل الانبعاثات الكربونية واستخدام الطاقة النظيفة، تفعيلًا للتوصيات الصادرة عن قمة المناخ COP27 التي استضافتها مصر العام الماضي. كما تستهدف مصر تطوير مجمع الألومنيوم بنجع حمادي، وإنشاء مصنع جديد بمدينة سفاجا.

أوضح التحليل أنَّ السيناريو المستقبلي المحتمل ينطوي على توسع في الطلب العالمي على الألومنيوم بسبب الانتشار الكبير للطاقة الشمسية الكهروضوئية كثيفة الاستخدام للألومنيوم، والتي سيتم تلبيتها بشكل أساسي من خلال توريد الألومنيوم كثيف الانبعاثات نسبيًّا من الصين أو الهند، وهذا من شأنه أن يخلق سلسلة توريد معرضة للقضايا الجيوسياسية وبصمة الانبعاثات المتبقية التي يمكن أن تقوض بعض المكاسب من التحول إلى توليد الطاقة المتجددة.

كما أن أحد العوامل المخففة في مثل هذا السيناريو هو القدرة على إعادة تدوير الألومنيوم بسهولة نسبية وبتكلفة زهيدة، ويتمتع الألومنيوم المعاد تدويره بالقدرة على أن يكون له بصمة كربونية أقل 20 مرة من الألومنيوم الأولي، على الرغم من أن هذا يعتمد بشكل كبير على المكان الذي يفترض أن يأتي منه الألومنيوم الأولي؛ على سبيل المثال، إذا كان من منتج يستخدم الطاقة الكهرومائية بكثافة، فيمكن أن تكون البصمة الكربونية أقل حتى ثماني مرات.

وتناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ما أفاد به المعهد الدولي للألومنيوم بأن البرازيل تقوم بالفعل بإعادة تدوير أكثر من 100% من الخردة المتاحة لديها، وهو ما أصبح ممكنًا بفضل الدور الذي تلعبه البلاد في استيراد الخردة من مختلف أنحاء العالم. وتنتج البلاد الآن كمية كبرى من الألومنيوم الثانوي مقارنة بالألومنيوم الأولي، وبالتالي فإن زيادة توافر الخردة على مستوى العالم تُعد شرطًا أساسيًّا لتوسيع نطاق الألومنيوم المعاد تدويره، وهذا يمثل تحديًا في كثير من الأحيان بسبب الطبيعة طويلة الأمد لبعض استخدامات الألومنيوم، على سبيل المثال في المركبات والمباني، وكذلك العمليات كثيفة العمالة لجمع الخردة من الاستخدامات الأخرى مثل التعبئة والتغليف، فهناك حاجة إلى تحسين دعم السياسات لمصادر الألومنيوم المعاد تدويره على طول سلسلة التوريد لتحقيق إمكانات الألومنيوم الثانوي للمساعدة في تلبية متطلبات التحول منخفض الكربون.

وأفاد التحليل، في ختامه، أنَّ قصة الألومنيوم تعكس من نواحٍ عديدة الوضع بالنسبة لمجموعة من المعادن المهمة اللازمة للتحول إلى الكربون المنخفض، ومن الممكن أن تؤدي مسارات تكنولوجية معينة لعالم منخفض الكربون إلى زيادات كبيرة في الطلب على هذه المادة، ومن المحتمل أن يثير هذا قضايا بيئية وجيوسياسية، جنبًا إلى جنب مع تساؤلات حول السرعة التي يمكن بها تحقيق التحول والتكلفة التي يمكن بها بناء التكنولوجيات ونشرها.

كما يُعَد ضمان وجود مصدر ثابت وآمن وموثوق للانبعاثات المنخفضة والتأثير البيئي المنخفض والألومنيوم الرخيص أمرًا مهمًّا للمساعدة في تسهيل الانتقال السلس إلى عالم منخفض الكربون. ولكن هذا يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية عبر سلسلة التوريد، بدءًا من تحفيز إجراءات التخفيف داخل القطاع -مثل البحث والتطوير في مجال الأنودات الخاملة التي تقلل من انبعاثات العمليات- إلى تشجيع المزيد من إعادة التدوير.

عاجل