رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«التغيرات المناخية والنخيل».. سيناريوهات إنقاذ الشجرة المباركة

نشر
نخيل التمر
نخيل التمر

تعتبر أشجار النخيل من الأشجار المحسنة والصديقة للبيئة؛ حيث تستهلك النخلة البالغة ما يقرب من 100 كجم كربون سنويا، كما تمتلك قدرة اختيارية عالية بمنطقة الجذور تمكنه من التعامل عدد من الإجهادات البيئية والتغلب عليها (مثل الملوحة التي تصل إلى 6 آلاف جزء في المليون) ورغم ذلك لن تنجو من تأثير التغيرات المناخية فلا يوجد ركن في كوكبنا بمنأى عن هذه الآثار المدمرة لتغير المناخ.


 

 أشجار النخيل تلعب دورًا كبيرًا في المحافظة على البيئة

 

وتستعرض وكالة أنباء الشرق الأوسط - في تقرير لها - آراء الخبراء في هذه الظاهرة والجهود التي تبذل في محاولة لإنقاذ أشجار النخيل التي تحتلّ مركزا متقدّما كإحدى أشهر وأهم الأشجار التي تزرع في مناطق مختلفة حول العالم لأهميتها الاقتصادية، فشجرة النخيل من الأشجار المباركة والتي لا تحتاج إلى تعريف بقيمتها وأهميتها، فقد كرمت وذكرت في جميع الكتب السماوية بأنها شجرة طيبة، كما لعبت أشجار النخيل دورا كبيرا في المحافظة على البيئة ومكافحة زحف الصحراء لما تتمتع به من قدرة على التأقلم مع تلك البيئات.
 

في البداية، تؤكد الدكتورة منى طه سمعوني الباحثة بالمعمل المركزي للأبحاث وتطوير النخيل أن نخيل البلح من النباتات رباعية الكربون وهي الأقدر في عملية التمثيل الغذائي والاستفادة من الزيادة الحادثة في نسب ثاني أكسيد الكربون في الجو، وتتحمل أشجار النخيل قلة المياه وتظل منتجة لثمار صالحة للاستهلاك وإن كانت أقل جودة ولكن نتيجة التغيرات المناخية الحادثة حاليا والمتوقعة مستقبلا فإن بعض المناطق المناسبة مناخيا حاليا لزراعة نخيل التمر ستصبح غير مناسبة مستقبلا، وبالمقابل ستصبح بعض المناطق غير المناسبة في المناخ الحالي مناسبة مستقبلا لزراعات النخيل، لذلك من المتوقع أن تشهد بعض البلدان تدهورا اقتصاديا وغذائيا في مجال إنتاج التمور. 
 

وأشارت سمعوني في هذا الصدد إلى أنه يجب التركيز على دراسة السيناريوهات المحتملة للتغيرات المناخية من أجل التخطيط بشكل استراتيجي لإدارة ملف زراعة النخيل والأماكن المتضررة وفرص الأماكن الجديدة.
 

وتابعت: "أنه باستعمال برامج" CLIMEX" لتقدير مناسبة المناطق لزراعة النخيل مستقبلا وجد أنه بحلول عام 2100 ستكون الأماكن المناسبة لزراعة النخيل في أمريكا الشمالية غير ملائمة وستحل محلها مواقع مثل جنوب شرق بوليفيا وشمال فنزويلا.. ومن المتوقع أن تشهد مناطق جنوب شرق السعودية والعراق وغرب إيران انخفاض في الملائمة المناخية للنخيل".
 

وقالت إنه تم تحليل البيانات المتعلقة بعدد من العوامل المرتبطة بالمناخ مثل المعلومات الجغرافية من قوام التربة (درجة الملوحة واستخدام الأرض وتضاريس الأرض) لتحقيق نماذج أكثر واقعية.. منوهة بأنه سيكون هناك تحول في زراعات النخيل باتجاه الشمال لتوقع الملائمة المناخية أكثر مع الوقت، حيث إن حوالي 22 مليون هكتار قد تصبح مناسبة لزراعات النخيل في منطقة إسبانيا بحلول عام 2100 في المناطق الوسطى والشمالية. 
 

وأضافت أنه بالرغم أن أشجار نخيل البلح متحملة بشكل ملحوظ للضغوط البيئية، لكن الآليات المعنية بذلك لا تزال ضعيفة التوصيف لذلك تم إجراء دراسة للنمط الأيضي للأوراق على كل من الأوراق الناضجة والشابة في غرف مناخية تحاكي ظروف الصيف والشتاء في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، حيث بدراسة التغيرات في التفاعلات الأيضية تبين سهولة تحمل النخيل لدرجات الحرارة المرتفعة وأن الأوراق الشابة أكثر استجابة لتغيرات المناخ والتأقلم معها. 
 

وفي دراسة عن المعطيات المناخية في الأردن من حرارة ورطوبة في بعض مناطق زراعة النخيل هناك وكونهما أهم عاملين يؤثران في مجال زراعة النخيل خاصة التراكم الحراري ونسبة الرطوبة الجوية السائدة خلال مراحل النضج وجد أن مناطق مثل وادي الأردن والعقبة والأغوار يتوافر فيها التراكم الحراري المناسب لكافة أصناف النخيل، أما مناطق مثل الأزرق الشمالي والجنوبي ومعان فمناسبة للأصناف المبكرة أو التي تؤكل بسر وتحتاج إلى وحدات حرارية قليلة.
 

وأكدت الدكتورة منى طه سمعوني أنه مع الزيادة السكانية العالمية الحادثة تشكل التغيرات المناخية عبئا وتهديدا كبيرا للقدرة على توفير الغذاء للشعوب نتيجة للتحول في خصائص التربة والملائمة المناخية للنباتات المنزرعة وتغير الخريطة الزراعية وإنتاجية النباتات مما ينذر بتفاقم المجاعات الحالية وظهور جديدة ونخشى مع الوقت ألا تشكل القدرة المالية مهما زادت وسيلة لتوفير الغذاء وأن الحروب القادمة ستكون بهدف المياه والأراضي الصالحة للزراعة وسلاسل الأمداد، ووسط هذا يظهر نخيل البلح كأمل وحجر زاوية يمكن أن يساعدنا في توفير غذاء متكامل وتحت ظروف غير مقبولة لعدد من الأشجار والمحاصيل الأخرى، كما تمكننا زراعات أشجار النخيل من تغير خصائص المناخ الدقيق لتصبح ملائمة للزراعات أخرى أسفلها في حماية النخيل.
 

وأوضحت سمعونى أنه لابد من التخطيط الاستراتيجي من قبل الحكومات والمنظمات الزراعية من خلال تحديد مناطق جديدة لزراعة هذا المحصول المهم اقتصاديًا في المستقبل وتلك المناطق التي ستحتاج إلى مزيد من الاهتمام بسبب تحولها إلى مناطق هامشية لاستمرار زراعة نخيل التمر مثل منطقة الأحساء التي من المتوقع أن تشهد ضغطا سلبيا على إنتاج التمور والصناعات القائمة عليه نتيجة تغيرات المناخ المتوقعة بين عامي 2070 – 2100 ، حيث من المتوقع انخفاض رطوبة التربة المثلى للنخيل مما سيؤثر على جودة المحصول الناتج.
 

وأضافت أن الانتقاء المختبري لأصناف نخيل التمر مع القدرة على تحمل الإجهاد الحيوي يمثل دعمًا كبيرًا، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى أصناف ذات جودة زراعية فائقة أو أداء محسن، بالإضافة إلى أنماط وراثية تحتوي على سمات جديدة مثل تحمل الجفاف والملوحة في عصر بدأ فيه السباق نحو الغذاء الوظيفي والمغذيات، كما يمكن أيضًا استكشاف مصدر الاختلاف هذا لتحسين القيمة الغذائية للتمور مما يضع أهمية كبيرة على التطبيقات المستقبلية لهذه التقنية في مواجهة التحديات المناخية التي تواجه العالم. 
 

ومن جانبه، أكد الدكتور أشرف الفار الأمين العام للاتحاد العربي للتمور وعضو اللجنة العليا للاقتصاد الأخضر بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، أن الاتحاد سيسعى في خطة عمله القادمة مع شركائه الاستراتيجيين في الحصول على الدعم المناسب من الاتحاد الأوروبي وصندوق الأضرار والخسائر التابع للأمم المتحدة والذي أقر في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ "cop27 " لعمل مركز رصد وأبحاث للتأثيرات المناخية على نمو وإنتاج النخيل في الأماكن الكثيفة الزراعة مثل توشكي والوادي الجديد وسيوة والأغوار وعنيزة وبسكرة وغيرها على مستوى العالم العربي.
 

وأشار إلى أن الاتحاد سوف يحرص كذلك على تنظيم ورش عمل خاصة بالمناخ وتغيراته وإثارة في كل فاعلياته في الفترات القادمة، كما يسعى الاتحاد إلى تفعيل الشراكات مع المعمل المركزي للنخيل والمجلس الدولي للتمور وجمعيات التمور العربية والمراكز البحثية العربية والعالمية لحشد الدعم لمواجهة وتخفيف التغيرات المناخية التي فرضت علينا نتيجة لتقدم الدول الصناعية الكبري في الصناعة وهو ما أدى إلى تلوث الغلاف الجوي بالانبعاثات الكربونية.
 

وأكد أن تأثيرات التغيرات المناخية هي حديث العالم في الوقت الحالي سواء على مستوى المؤتمرات الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة أو على مستوى الحكومات لما لهذه التغيرات المناخية من تأثير على كوكب الأرض وهى عبارة عن مجموعة من التحولات تحدث في درجة الحرارة وأنماط الطقس المختلفة من نسبة الرطوبة وحركة الرياح والأمطار والسيول والفيضانات وهى تؤثر على الحياة في كوكب الأرض.
 

وفي سياق متصل، قال الدكتور عبد الرحمن الحبيب المدير التنفيذي للمجلس الدولي للتمور إنه منذ نشأة المجلس ندرك تماما أهمية الأبحاث العلمية في قطاع النخيل خاصة مع ظاهرة التغيرات المناخية إحدى أكبر المشاكل التي تواجه كوكب الأرض لآثارها السلبية على الإنتاج الزراعي من خلال ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وحالة الرياح وتساقط الأمطار والرطوبة تلك التغيرات التي قد تؤثر على إنتاج ثمرة غير جيدة أو ظهور الحشرات والآفات وغيرها.
 

وأضاف الحبيب: قمنا بعمل الدراسة المرجعية التي قام بإعدادها مجموعة من الباحثين الأكاديميين والخبراء الدوليين عن "التغيرات المناخية وعلاقتها بزراعة النخيل"، مشدداً على خطورة التغيرات المناخية وتأثيراتها على نخيل التمر وكيفية مواجهتها وتجنب تلك التأثيرات الضارة على النخيل وكذلك التعريف بالتغيرات في سلوك الآفات الحشرية وطبيعية الإصابات المرضية متأثرة بالتغيرات المناخية وكيفية مكافحتها.
 

بدوره، قال خبير المجلس الدولي للتمور الدكتور حسام على متولي: "في بداية العمل على الدراسة بالمجلس واجهنا صعوبة كبيرة جدا في عدم إيجاد مادة علمية كافية عن تغيرات المناخية للتمور إلا القليل منها، وبالتالي قمنا بالرصد الحصري للمجلس وخرجنا بهذه الدراسة التي شملت التغيرات المناخية وتأثيرها على نمو النخيل كشجرة وكذلك توجيه توزيع أصنافه على مستوى المناطق وبالفعل وجدنا تغيرا في الإصابات المرضية والحشرية ووجدنا هناك اختلاف في سلوك الحشرات والأمراض فضلا عن مشكلة التلقيح، والتغيرات المناخية أثرت على جودة الثمرة ككل، مؤكدا أن هذه الدراسة هي مجرد "تحريك للمياه الراكدة" وتجميع للأبحاث التي تمت في هذا المجال وفتح آفاق وأبواب جديدة متخصصة في أبحاث النخيل، ولاسيما أننا بمصر نقوم بزرع 2,5 مليون نخلة من الأصناف الفاخرة التي تقبل عليها السوق العالمية، وبالتالي فنحن في احتياج كبير لهذه الدراسات والأبحاث العلمية والتي يعمل عليها المجلس الدولي للتمور وهناك عدة شراكات مع المعمل المركزي لبحوث النخيل والبلح والمركز العربي "أكساد " لخدمة قطاع وتطوير التمور خلال المرحلة القادمة.
 

وفي السياق، قال الدكتور عز الدين العباسي مدير المعمل المركزي للنخيل إنه تم رصد بعض الظواهر والملاحظات خلال الدراسة المرجعية والتي تم إعدادها بالتعاون مع المجلس الدولي للتمور وتم تسجيلها للعمل بها، ووجدنا أن هذه الظواهر والتغيرات لها آثار "سلبية وإيجابية"، حيث تتمثل الآثار السلبية في زيادة ارتفاع درجات الحرارة والتي تساعد في انتشار وظهور الحشرات الضارة للنخيل مع زيادة الرطوبة يؤدي إلى زيادة الأمراض الفطرية وكذلك انخفاض درجات الحرارة يؤدي إلى تأخير ظهور الأغاريض وبعض المشاكل في التلقيح والإخصاب ونضج الثمار، أما فيما يخص الآثار الإيجابية فإن ارتفاع درجة الحرارة يؤدى إلى التبكير في النضج في حالة استمرارها خلال شهر يوليو وأغسطس وسبتمبر، وفي حالة ارتفاع درجة الحرارة مبكراً يؤدي إلى خروج الأغاريض المؤنثة في غير موعدها وعدم خروج الأغاريض المذكرة وبالطبع لن تحدث عملية التلقيح وبالتالي يؤثر ذلك على كمية إنتاج المحصول، مشيراً إلى أن العام الماضي قلت نسبة إنتاج محصول التمر حوالي 20%، وأن هناك شيئا إيجابيا آخر وهو أن النخلة الواحدة تمتص 200 كجرام من ثاني أوكسيد الكربون عند ارتفاع حرارة الجو.
 

وتابع العباسي: خرجت الدراسة بعدة توصيات بعد أن قمنا برصد تلك الظواهر والتقلبات الجوية على مدار عامين سوف يتم الإعلان عنها بعد مراجعتها الفترة القادمة، ولاسيما وأن هناك توصية هامة جدا وهي أن نتعاون مع الدول العربية لعمل دراسات مشتركة لرصد التغير المناخي تحت رعاية ودعم المنظمات الدولية منها الفاو وأكساد والمجلس الدولي للتمور وغيرها من خلال توفير الدعم اللازم حتى نستطيع الاستمرار بالدراسات التي لا تقل عن خمس سنوات، وعلينا جميعا أن نتوخى الحذر ونواجه تلك الظواهر بالأساليب العلمية وأن نعقد لقاءات إرشادية للمزارعين لتوعيتهم بخطورة تلك التغيرات المناخية وكيفية مواجهتها.

عاجل