رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«كريدي سويس» يحتاج لاستعادة ثقة العملاء مع خطة الإنقاذ

نشر
كريدي سويس
كريدي سويس

حاز مصرف "كريدي سويس جروب" من خلال خطة إنقاذ بقيمة 54 مليار دولار الخميس الماضي على فرصة للنجاح تتطلب جهداً كبيراً لإعادة بناء أنشطته التجارية. لكن بعض العملاء لا ينتظرون حتى يعرفوا ما آلت إليه الأمور.

على صعيد آسيا، استمر العديد من العملاء فائقي الثراء في الحد من انكشافهم على البنك في ظل اضطرابات الأسبوع الجاري. بالنسبة للشرق الأوسط، طلب بعض العملاء من المصرف تحويل الودائع النقدية إلى أذونات خزانة وسندات. في ألمانيا، استقبل أحد مديري الثروات استفسارات من عملاء "كريدي سويس" الذين يسعون لنقل الودائع إلى شركته.

تدفقات خارجة
ستجعل عملية استنزاف من هذا النوع، في حالة استفحالها بطريقة كبيرة، جهود الإصلاح الشامل التي يشرف عليها الرئيس التنفيذي أولريش كورنر وفريق عمله أشد صعوبة. يُعتبر وقف نزوح العملاء الذي دام لشهور مسألة بالغة الأهمية لتقويم المصرف السويسري المتضرر، والذي سجل صافي تدفقات خارجة 110.5 مليار فرنك (ما يعادل 119 مليار دولار) خلال الربع الأخير من العام الماضي.

ذكر كورنر أمام مؤتمر للمستثمرين الثلاثاء الماضي: "نسعى لتعويض كافة خسائرنا، وبمجرد تحقيق ذلك سنذهب بعيداً ونعزز نمو أنشطتنا التجارية مرة ثانية".

يؤكد المصرف بصفة دائمة أنه يمتلك سيولة مالية تكفيه، وهو موقف تدعمه خطة الإنقاذ فقط. لم يتضح حتى الآن حجم التدفقات الإجمالية أو ما إذا كان الدعم سيسهم في جذب العملاء مرة ثانية".

اتصالات المصرفيين
يجري المصرفيون اتصالات سريعة مع العملاء بهدف طمأنتهم، مع توجيههم بنقاط للحديث يرسلها لهم المديرون التنفيذيون أو من خلال التواصل المباشر في قاعات الاجتماعات. ذكرت بلومبرج في تقرير سابق الشهر الجاري أن المصرف يقدم أسعار فائدة على الودائع أعلى من المنافسين بكثير لوقف نزيف الأموال الخارجة.

ذكر المصرف في بيان: "في أثناء محادثاتنا مع العملاء الأسابيع الأخيرة، وجدنا دعماً قوياً للمصرف ولموظفينا ونركز بصورة تامة على إمداد عملائنا بالنصائح والحلول".

لكن بعض العائلات فائقة الثراء من آسيا التي ألغت عقودها سرعت من وتيرة انسحابها من المصرف السويسري الأسبوع الأخير، بحسب 3 مكاتب كبيرة تخدم كل واحدة منه عائلة واحدة تدير جميعها مليارات من الدولارات، والعديد من المصرفيين بالمصارف الخاصة المقيمين عبر أنحاء هونغ كونغ وسنغافورة.

يعتزم أحد مكاتب إدارة ثروات العائلات بالمنطقة تقليص ما يقدّر بـ30% من أمواله المودعة بالمصرف المتأزم عقب عدم تمكن مدير الثروة من طمأنته بأنه سيجري توفير الحماية للعملاء غير السويسريين في حالة الإفلاس، وفقاً لما ذكره أحد الأشخاص.

يشتمل أولئك الذين يشرحون تحركات العملاء المختلفة أيضاً على مصرفيين ومستشارين خارجيين، الذين طلب جميعهم عدم الإفصاح عن هوياتهم لحماية العلاقات التجارية.

تقدّم بعض العملاء بمنطقة الشرق الأوسط بطلبات إلى المصرف لتحويل ودائعهم النقدية إلى أوراق مالية ذات دخل ثابت، ما يوفر لهم الارتياح أكثر للإبقاء على الأموال لدى البنك، بحسب شخص آخر على دراية بالموضوع. كما ذكر مديرو الثروات في أوروبا وجود تدفقات خارجة الخميس الماضي.

على ما يبدو أن هناك آخرين يشعرون بقدر أقل من القلق، إذ أوضح أحد مستشاري صناديق ائتمانية عديدة أنه أوصى بالاحتفاظ بودائعهم في المصرف رغم أنها تفوق كثيراً المبالغ التي يغطيها التأمين على الودائع بالبلاد. أضاف أن لديه قناعة بعدم وجود مخاطر نظراً لأن الحكومة السويسرية لن تدع "كريدي سويس" يسقط على الإطلاق.

شهور صعبة
تنذر سحوبات العملاء بتفاقم اتجاه يمتد لشهور عديدة. ففي نوفمبر الماضي، أعلن المصرف عند تدفقات خارجة بلغت 84 مليار فرنك سويسري تقريباً من وحداته بما فيها أعمال إدارة الثروات الأساسية أثناء الأسابيع القليلة الأولى من الربع الحالي عقب عاصفة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي حول سلامة الموقف المالي للمصرف ما أثار مخاوف العملاء. يكمن مصدر القلق في أن مزيداً من التدفقات الخارجة ربما يعرقل بصورة دائمة عمل وحدة الثروة التي انزلقت فعلاً لمستوى الخسارة قبل خصم الضرائب السنة الماضية.


لم تنعكس التدفقات الخارجة لتصبح تدفقات داخلة مع بداية الشهر الجاري، رغم أنها ثبتت عند مستويات أقل كثيراً، بحسب تقرير سنوي للمصرف صادر الثلاثاء الماضي، وهو نفس اليوم الذي صرح فيه كورنر على تلفزيون بلومبرج بأن المصرف سجل تدفقات داخلة يوم الإثنين. وبعد يوم واحد، هبطت أسهم مصرفه بعد استبعاد أكبر مساهم فيه إجراء عملية زيادة لحصة ملكيته، ما أجج شعوراً بالقلق لدي المستثمرين فعلاً في أعقاب انهيار 3 مصارف أميركية إقليمية خلال أيام معدودة.

سيصبح الدعم المقدم لأقران "كريدي سويس" مسألة بالغة الأهمية أيضاً. فقد عملت أكبر المصارف في الولايات المتحدة على تقليص انكشافها المباشر على البنك السويسري على مدى شهور إذ بدأ يتعثر في أزمة بعد أخرى. قال أشخاص على دراية بالموضوع أن مؤسسات بما فيها "جيه بي مورغان تشيس أند كو" و"بنك أوف أميركا" و"سيتي غروب" أبلغت الجهات التنظيمية أن انكشافها بالوقت الراهن محدود.

خلال الأسبوع الأخير، اتخذ مصرف "بي إن بي باريبا" ومقره باريس أيضاً إجراءات لخفض انكشافه حيث يخبر العملاء بأنه لن يقبل بعد الآن ما يُطلق عليه عقود تبديل الالتزام إذ يُطلب من "بي إن بي" التدخل في عقود المشتقات المالية التي يُعد "كريدي سويس" طرفاً مقابلاً فيها، حسبما أكد أشخاص على دراية بالموضوع.

أسعار السندات
يُعزى جزئياً لمثل هذه التطورات عدم قدرة إعلانات خطط الإنقاذ الخميس الماضي إلى جانب تراجع المخاوف إزاء موقف السيولة للمصرف السويسري، على محو الشكوك المتعلقة بالطريقة التي يستطيع بها "كريدي سويس" إعادة تشكيل أنشطته التجارية بنجاح.

عقب صعود 40% في فترة الذروة، تراجعت الأسهم منذ ذلك التوقيت لتمحو قدراً كبيراً من هذه المكاسب في حين ارتفعت تكلفة التأمين على ديون المصرف ضد التخلف عن السداد إذ انغمست سنداته بشدة في الأزمة.

أشار جيري ديل ميسير، كبير مسؤولي الاستثمار في "كوبر ستريت كابيتال" (Copper Street Capital) والرئيس التنفيذي السابق للعمليات بمصرف "باركليز" إلى أن الدعم "ينبغي أن يسفر عن تجاوز الصعوبات الراهنة التي تواجه "كريدي سويس" لكنها لن تُبدد مشكلاته الهيكلية".

يعني ذلك أن بعضاً من المحللين بدأوا في وضع بدائل سريعة لإعادة هيكلة الشركة.

كتب محلل "جيه بي مورغان" كيان أبو حسين في مذكرة للعملاء أن "الموقف الحالي لم يعد يشكل خياراً"، إذ رسم 3 سيناريوهات محتملة لـ"كريدي سويس" مشيراً إلى أن الاستحواذ –في ظل وجود منافسه مصرف "يو بي إس غروب" المتقدم المحتمل للصفقة- هو الأمر المرجح أكثر. ذكرت بلومبرج الخميس الماضي أن كلا المصرفين يعارضان الدمج القسري.

قد يعقب أي تحرك بهذا الشكل إدراج الوحدة السويسرية بالبورصة أو فصلها لتصبح كياناً مستقلاً. وتضمنت الاحتمالات الأخرى المطروحة في المذكرة تدخل البنك الوطني السويسري بضمان كامل للودائع أو يجري إغلاق نشاط "كريدي سويس" الاستثماري تماماً.

يؤكد المسؤولون التنفيذيون أن الحلول الجذرية من هذا النوع -والأطر الزمنية المضغوطة– غير مطلوبة في الوقت الحاضر. يشيرون كذلك إلى أن عملية التجديد الاستراتيجية التي أُعلن عنها أكتوبر الماضي تبقي الخطة الأساسية لتعديل مسار المصرف، إذ يبرز عرض المصرف إعادة شراء الديون احتفاظه بقوته الأساسية.

أوضح كورنر في بيان الخميس الماضي: "تظهر هذه التدابير التحرك الحاسم لتقوية "كريدي سويس" في حين نستمر بعملية تحولنا الاستراتيجية، وأضاف "أصمم أنا وفريقي على مواصلة العمل لتقديم مصرف أبسط وأشد تركيزاً مبنياً على أساس احتياجات العملاء".


يعزز ذلك وجود حالة متوازنة للغاية. حيث احتشدت فرق التصوير الخميس الماضي أمام مقر "كريدي سويس" المكسو بالحجارة بساحة باراديبلاتز الثرية في زيورخ، في وقت حث فيه الرئيس التنفيذي كورنر، الموظفين على الاحتفاظ بتركيزهم في العمل.

وقال في مذكرة للعملاء: "تشكل عمليات التواصل الفعالة الأساس للتأكد من إدراك عملائنا وأصحاب المصلحة الخارجيين لنقاط قوة المصرف واستراتيجيتنا والتقدم الذي نحرزه بوتيرة متسارعة لتشييد كريدي سويس في حلته الجديدة".

عاجل