رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ما حكم الاستراحة أثناء الطواف؟.. دار الإفتاء تجيب

نشر
الطواف حول الكعبة
الطواف حول الكعبة

حكم الاستراحة أثناء الطواف هو ما يرغب في معرفته كل معتمر وحاج، حتى لا يقع في المحظور بمخالفة الشرع، ما يجعل من معرفة حكم الاستراحة أثناء الطواف أمرا مهما.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم الاستراحة أثناء الطواف وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام باستفاضة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليتعرف الجميع على حكم الاستراحة أثناء الطواف.

حكم الاستراحة أثناء الطواف

سأل يقول: ما حكم الاستراحة في الطواف؟ فأنا رجلٌ تقدَّمَ بي العمر، ولا أقدرُ على إتمامِ الطوافِ دفعةً واحدة، فأجلسُ لالتقاطِ أنفاسي لأقدرَ على إكمالِ الطواف.

وأجاب مفتي الجمهورية قائلا: يجوز شرعًا لمَن يطوف بالبيت الحرام الاستراحة في الطواف إذا كان لعذرٍ؛ كالاستراحة لعدم القدرة على إتمام الطواف دفعةً واحدة -كما في واقعة السؤال- وكذلك إذا كانت الاستراحة قصيرة لا تقطع الموالاة، ولا خلاف بين الفقهاء في عدم تأثيرها على صحة الطواف؛ لكونها لا تأثير لها على الموالاة فيه، أمَّا الاستراحةُ الطويلةُ بدون عذرٍ فهي وإنْ كانت لا تُؤثِّر في صحة الطواف، إلَّا أنَّ الأَوْلَى تركها مراعاةً لخلافِ الفقهاءِ مِن كونها مُؤثِّرةً في صحةِ الطوافِ مِن عدمه.

فضل الطواف بالبيت الحرام

الطواف بالبيت قربةٌ عظيمة، يثاب عليه المسلم سواء فعله على سبيل الوجوب والفرضية، أم على سبيل الندب والتطوع؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158]؛ قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (1/ 151، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾؛ أي: فعل طاعة فرضًا كان أو نفلًا، أو زاد على ما فرض الله عليه من حجٍ أو عمرةٍ، أو طوافٍ أو تطوعٍ بالسعي إن قلنا إنَّه سنة.. ﴿فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ مثيب على الطاعة لا تخفى عليه] اهـ.

وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه -في قصة فتح مكة- قال: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ»؛ قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 129، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه: الابتداء بالطواف في أول دخول مكة؛ سواء كان مُحْرِمًا بحجٍ أو عمرةٍ، أو غير مُحْرِمٍ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلها في هذا اليوم وهو يوم الفتح غير مُحْرِمٍ بإجماع المسلمين، وكان على رأسه المغفر، والأحاديث متظاهرة على ذلك والإجماع منعقد عليه] اهـ.

بيان مفهوم الطواف

الطواف لغة: الدوران حول الشيء، يقال طاف بالشيء يطوف طوْفًا وطوافًا؛ أي: استدار به، والمطاف موضع الطواف، ينظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1396، ط. دار العلم)، و"المصباح المنير" للفيومي (2/ 380، ط. المكتبة العلمية).

واصطلاحًا: قصره الفقهاء على الطواف بالبيت الحرام، من طواف قدوم، وإفاضة، ووداع؛ قال الإمام النووي في "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص: 150، ط. دار القلم): [وفي الحج ثلاثة أطوفة: أحدها: طواف القدوم، ويقال له: طواف القادم والورود والوارد، والتحية الثاني: طواف الإفاضة، ويقال له: طواف الزيارة وطواف الفرض وطواف الركن.. الثالث: طواف الوداع] اهـ.

حكم الموالاة بين أشواط الطواف

يَتَخرَّج الحكم التكليفي للاستراحة عند الفقهاء على مدى اشتراطهم للموالاةِ في الطواف، وما يَقْطَعُهَا؛ فيرى الحنفية، والشافعية في الأظهر، والحنابلة في روايةٍ: إلى أنَّ الموالاة من سنن الطواف، ومن ثَمَّ فتركها لا يمنع من صحة الطواف، وإن كان يفيد كراهة الاستراحةِ في الطوافِ.

قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (2 / 498، ط. دار الفكر): [ولو زحمه الناس وقف حتى يجد فرجة فيرمل] اهـ، قال العلامة ابن عابدين محشِّيًا عليه: [قوله: (وقف) وفي "شرح الطحاوي": يمشي حتى يجد الرمل، وهو الأظهر؛ لأن وقوفه مخالف للسنة، "قاري على النقاية"، وفي "شرحه على اللباب": لأن الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف سنة متفقٌ عليها؛ بل قيل: واجبة؛ فلا يتركها لسنة مختلف فيها. اهـ. قلت: ينبغي التفصيل جمعًا بين القولين بأنه إن كانت الزحمة قبل الشروع: وَقَفَ؛ لأن المبادرة إلى الطواف مستحبة؛ فيتركها لسنة الرمل المؤكدة، وإن حصلت في الأثناء فلا يقف لئلا تفوت الموالاة] اهـ.

وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (3/ 84، ط. المكتب الإسلامي) عند تعداده واجبات الطواف: [الواجب الثامن: مختلف فيه، وهو الموالاة بين الطَّوْفات السبع، وفيها قولان: أظهرهما: أنَّها سنة، فلا تبطل بالتفريق الكثير] اهـ.

وقال ابن أبي عمر شمس الدين ابن قدامة في "الشرح الكبير" (3/ 400، ط. دار الكتاب العربي): [الموالاة في الطواف سنة، وهو قول أصحاب الرأي؛ قياسًا على الصفا والمروة] اهـ.

وذهب الحنفية في قولٍ -كما يستفاد من نص ابن عابدين السابقِ ذكرُهُ- والشافعيةُ في مقابلِ الأظهرَ: أنَّ الموالاةَ في الطوافَ واجبةٌ، ومن ثَمَّ فَيَبْطُل الطوافُ بالتفريقِ الكثيرِ، وهو يتحقق بالفصل الطويل الذي يغلب على الظن تركَه الطواف أو إِعراضه عنه.

قال الإمام النووي الشافعي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص: 231، ط. دار البشائر): [الواجب السابع والواجب الثامن: الموالاة بين الطَّوْفات والصلاة بعد الطواف، والأصح: أنَّهما سنتان، وفي قول: واجبتان] اهـ.

وقال أيضًا في "روضة الطالبين" (3/ 84): [قال الإمام: والكثير ما يغلب على الظن تركه الطواف. ولو أقيمت المكتوبة وهو في أثناء الطواف، فالتفريق بها تفريق بعذر. وقطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة أو الرواتب مكروه، إذ لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية] اهـ.

وذهب المالكية، والحنابلة في المذهب: إلى أنَّ الموالاة من شروطِ صحةِ الطوافِ، ويغتفر فيها الفاصل اليسير الذي لا إطالة فيه، وما كان بعذرٍ أو حاجةٍ، فيبطل الطواف بقطعه باستراحةٍ تقطع الموالاة من غير عذر.

قال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 75-76، ط. دار الفكر): [(وولاء)، ش: يعني أنَّ من شروط الطواف الموالاة، قال ابن بشير،: ولا يفرق بين أجزاء الطواف، فإن فعل ابتدأ إلا أن يفرق لضرورة؛ كصلاة الفرض تقام عليه، وهو في الطواف انتهى، وهذا في التفريق الكثير، أما في التفريق اليسير فقد صرَّح اللخمي بأنه مغتفر، قال: ويوالي بين الطواف والركوع والسعي، فإن فرَّق الطواف متعمِّدًا لم يجزه إلَّا أن يكون ذلك التفريق يسيرًا أو يكون لعذر، وهو على طهارة، فإن انتقضت طهارته توضَّأ واستأنف الطواف من أوَّله سواء انتقضت طهارته تعمُّدًا أو غلبة.

وصرح صاحب "الطراز" أيضًا: بأن التفريق اليسير لا يفسد الطواف، ونصه: الطائف يخرج للمكتوبة عند الجميع؛ لأنَّ الطواف لا يفسد بالتفريق اليسير، ولا سيما إذا كان لعذر انتهى، ثم قال لما ذكر قول أشهب: إنه يبني إذا صلى على جنازة، وجهه أنه عبادة.. (قلت:) الظاهر: أن قولهم: يبتدئ إذا خرج لنفقة نسيها إنما يريدون إذا خرج من المسجد، أما مَن نسي نفقة أو شيئًا في طرف المسجد فخرج من الطواف وأخذه فلا يبطل بذلك طوافه، وقد تقدم عند قول المصنف (سبعًا) ما يدل على ذلك، وكذلك مَن وقف في الطواف لحظة لم يبطل بذلك طوافه، قال ابن حبيب: الوقوف للحديث في السعي والطواف أشد منه بغير وقوف، وهو في الطواف الواجب أشد. انتهى. من التادلي؛ فعلم من كلام صاحب "الطراز" أن: التفريق اليسير لا يبطل به الطواف، ولو كان لغير عذر، والله سبحانه أعلم] اهـ.

وقال العلامة الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 470، ط. دار الكتب العلمية): [تنبيه: من شروطه: موالاته في نفسه، ويغتفر التفريق اليسير؛ كصلاته أثناءه على جنازة، أو بيعه، أو اشترائه شيئًا، أو جلس مع أحد، أو وقف معه يُحَدِّثه ولم يُطِلْ فيبنى معه، ولا ينبغي شيء من ذلك؛ كما في "المدونة"، فإنْ كثر التفريق لم يبن وابتدأه] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 17، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإن أحدث في بعض طوافه، أو قطعه بفصل طويل ابتدأه) هذا المذهب بلا ريب؛ لأنَّ الموالاة شرط.. ويبطله الفصل الطويل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب ونص عليه، وعنه: لا تشترط الموالاة مع العذر] اهـ.

حكم الاستراحة أثناء الطواف

يَسْتَبِيِنُ من نصوص الفقهاءِ السابقِ ذكرها أنَّ الاستراحة في الطوافِ قد لا تُؤثِّر على الموالاة فيه؛ -كالقصيرةِ التي لا تمنع من الموالاة، وكذلك الطويلة بعذرٍ، كالاستراحة لعدم القدرة على إتمام الطواف دفعةً واحدة كما هي الصورة الواردة في واقعة السؤال-، فهذه الحالة لا خلافَ بينهم في عدم تأثيرها على صحةِ الطواف.

أما خلافُ الفقهاءِ فيأتي في الاستراحةِ الطويلة التي تقطعُ الموالاةَ بغير عذرٍ، وانبنى خلافهم هذا على مدى اشتراط الموالاة في الطواف، فمَن رأى أنَّ الموالاةَ واجبةٌ في الطواف جَعَل تلك الاستراحة مُؤثِّرة في الطواف، ومَن اكتفى بكونها سنةً جَعَل تلك الاستراحة غير مؤثِّرةٍ في صحة الطواف، وهو ما صَرَّح به بعض العلماء من كون الاستراحة مطلقًا غير مُؤثِّرةٍ في صحة الطواف، ولا بأس بها، كما نصَّ على ذلك الإمامُ الشافعيُ على كونِ الاستراحة في الطواف لا بأس بها، ولا تؤثِّر على صحة الطواف؛ فقال في "الأم" (2/ 189، ط. دار المعرفة): [لا بأس بالاستراحة في الطواف؛ أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء: "أنَّه كان لا يرى بأسًا بالاستراحة في الطواف، وذكر الاستراحة جالسًا"] اهـ.

وهو المروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وعطاء، والحسن البصري، كما أورده ابن أبي شيبة في "المصنَّفِ"، تحت باب "الاستراحة في الطواف"، والفاكهي في "أخبار مكةَ" تحت باب "ذكر الاستراحةِ في الطوافِ".

وقد حكى الإجماع على جواز الاستراحة أثناء الطواف الإمام الرملي الكبير في "حاشيته على أسنى المطالب" (1/ 479، ط. دار الكتاب الإسلامي) عند تعليل قول الماتن [(وهي سنة لا واجبة)؛ فقال: لأنَّها عبادة لا يبطلها التفريق اليسير؛ لإجماعهم على جواز الجلوس للاستراحة، فلا يبطلها التفريق الكثير؛ كالزكاة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فالاستراحة في الطواف بعذرٍ؛ كالاستراحة لعدم القدرة على إتمام الطواف دفعةً واحدة -كما هي حالة السائل-، وكذلك القصيرة التي لا تقطع الموالاة، لا خلاف بين الفقهاء في عدم تأثيرها على صحة الطواف، لكونها لا تأثير لها على الموالاة فيه.

أمَّا الاستراحةُ الطويلةُ بدون عذرٍ فهي وإنْ كانت لا تُؤثِّر في صحة الطواف، إلَّا أنَّ الأَوْلَى تركها مراعاةً لخلافِ الفقهاءِ مِن كونها مُؤثِّرةً في صحةِ الطوافِ مِن عدمه.

عاجل