رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ما حكم لعب الشطرنج؟.. المفتي يجيب

نشر
الشطرنج
الشطرنج

حكم لعب الشطرنج هو ما يريد معرفته الكثيرون؛ خاصة مع إصرار البعض أن لعبة الشطرنج محرمة بسبب الإلهاء، ما يجعل من معرفة حكم لعب الشطرنج أمرا مهما.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم لعب الشطرنج، وأجاب عنه مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليتعرف الجميع على حكم لعب الشطرنج.

حكم لعب الشطرنج

سأل سائل يقول: ما حكم اللعب بالشطرنج؟ وهل يختلف حكمه عن حكم اللعب بالنرد عند الفقهاء؟ أفيدونا أفادكم الله.

وأجاب مفتي الجمهورية على السائل بقوله: اللعب بالشطرنج مُباحٌ عند جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، ولا شيء فيه ما لم يكن قمارًا، أو سببًا في إسقاط المروءة، أو مفوِّتًا للواجبات والمهمات، أو منقطعًا به عن العبادات، وقد أقره جمعٌ من الصحابة والتابعين، وتبعهم جماعة من الفقهاء والمحدِّثين؛ حتَّى شبَّه بعض الفقهاء هذا القول بالإجماع، وذلك لِما وضعت له هذه اللعبة من التدبير والتخطيط وإعمال العقل وتنشيط الذهن، بخلاف النرد على المال؛ لِما فيه من المقامرة المحرمة.

وما ورد في النهي عنها من آثار عن بعض الصحابة والتابعين: فليست على إطلاقها في الحرمة، بل هي محمولة على الانشغال عن الصلاة عند سماع الآذان، أو ذكر الفحش من الكلام عند اللعب بها، أو تشابه صورتها بالتماثيل المعبودة عند بعض الطوائف.

والنصوص التي جاءت باستثناء بعض أشكال اللعب المباح لا تفيد حصر الإباحة فيها، وإنما هي تنبيه على مشروعية ما يفيد من اللعب ونهي عما لا يفيد، وإلَّا فقد رغَّب الشرعُ الشريف إلى تعلم بعض الرياضات المشتملة على المنافع والمصالح مع أنها لم تذكر في الخصال الواردة في الحديث، واللعب بالشطرنج داخل ضمن هذه المعاني؛ لِما تضمنه من معنى التنبيه على مكائد الحرب ووجوه الشدِّ والحزم وتدبير الجيوش.

وقال العلَّامة الفيروزآبادي في "تحبير الموشِّين في التعبير بالسّين والشّين" (ص: 43، ط. دار قُتيبة): [الشِّطرنج والسِّطرنج -بكسر أولهما- اللُعبة المعروفة التي اخترعها صصَّة بن داهر الهندي للمَلك شِهرام -بكسر الشين المعجمة-، وكان أَرْدَشِير بن بابِك أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النَّرْد، ولذلك قيل: النَّرْدشير، فافتخرت الفرس بوضعه، فوضع صصَّة المذكور الشطرنج لشِهْرَام، فقضت حكماء العصر جميعًا بترجيحه على النرد، وفرح بها شِهرام كثيرًا وأمر أن يكون في بيوت الديانات، ورآها أفضلَ ما عُلم] اهـ.

وأضاف مفتي الجمهورية: الشطرنج والنرد وإن كانتا تشتركان في أنهما أداتان للهو، غير أن في الشطرنج شحذًا للعقل، وتنشيطًا للذهن، وتقويةً للفكر، بخلاف النرد؛ الذي يقوم اللعبُ به على محض الحظ والمخاطرة.

قال القاضي عياض المالكي (ت544هـ) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 202، ط. دار الوفاء):

[وقد قال بعض العلماء: كأن الأوائل لَمّا نظروا إلى أمور الدنيا فوجدوها تجري على أسلوبين مختلفين: منها ما يجري بحكم الاتفاق، ومنها ما يجري بحكم السعي والتخيل.

فوضعوا النرد مثالًا لِمَا يجري من أمور الدنيا بحكم الاتفاق؛ لتشعر به النفس وتتصداه.

ووضعوا الشطرنج مثالًا لِمَا يجري من أمور الدنيا بحكم السعي والاجتهاد؛ لتشعر النفس بذلك، وتنهض الخواطر إلى عمل مثله مِن المطلوبات] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي (ت620هـ) في "المغني" (10/ 151، ط. مكتبة القاهرة): [ويفارق الشطرنجُ النردَ من وجهين: أحدهما: أن في الشطرنج تدبيرَ الحرب، فأشبه اللعبَ بالحراب، والرميَ بالنشاب، والمسابقة بالخيل. والثاني: أنَّ المعول في النرد ما يخرجه الكعبتان؛ فأشبه الأزلام، والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره؛ فأشبه المسابقة بالسهام] اهـ.

وقال العلَّامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت974هـ) في "تحفة المحتاج" (10/ 216، ط. المكتبة التجارية): [وفارق الشطرنجَ: بأن معتمده الحسابُ الدقيق والفكر الصحيح؛ ففيه تصحيح الفكر، ونوع من التدبير. ومعتمدُ النَّرْدِ: الْحَزْرُ والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق] اهـ.

ولأجل هذا الفرق بين النرد والشطرنج كان اختلافُ العلماء في حكم اللعب بالشطرنج أوسعَ وأيسرَ من اختلافهم في حكم اللعب بالنَّرد.

فمن أجاز اللعب بها من السلف والفقهاء والمُحدِّثين نظر إلى هذا الفرق الجوهري بين اللعبتين:

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (2/ 242، ط. المطبعة العلمية): [وقد رخَّص بعض العلماء في اللعب بالشطرنج، وزعم أنَّه قد يُتبَصَّرُ به في أمر الحرب ومكيدة العدو] اهـ.

وقال العلَّامة أبو بكر السمرقندي الحنفي (ت540هـ) في "تحفة الفقهاء" (3/ 345، ط. دار الكتب العلمية): [وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث أباحوا اللّعب بالشطرنج؛ لِمَا فِيهِ من تشحيذ الخاطر] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (13/ 181، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [وأما الشطرنج: فاختلاف أهل العلم في اللعب بها على غير اختلافهم في اللعب بالنرد؛ لأن كثيرًا منهم أجاز اللعب بالشطرنج ما لم يكن قمارًا: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن المنكدِر، وعروة بن الزبير، وابنه هشام، وسليمان بن يسار، وأبو وائل، والشعبي، والحسن البصري، وعلي بن الحسن بن علي، وجعفر بن محمد، وابن شهاب، وربيعة، وعطاء؛ كل هؤلاء يجيز اللعب بها على غير قمار] اهـ.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (3/ 10، ط. دار الكتب العلمية): [قول الشافعية: أنه يخالف النرد؛ لأنَّ فيه إكدادَ الفهم، واستعمال القريحة، والنرد قمار غرر لا يعلم ما يخرج له فيه، كالاستقسام بالأزلام] اهـ.

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (13/ 289، ط. دار المنهاج): [أصل النرد وضع على القمار، والقمار مُحَرَّم، ويخالف الشطرنج؛ فإنه موضوع على تدبير الحرب والقتال، وذلك مباح] اهـ.

وقال العلَّامة شهاب الدين البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (6/ 116، ط. دار الوطن):

[وقال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص عمر البلقيني رحمه الله وأعاد علينا من بركاته، ومن خطه نقلت: ليس بحرام، وقد كرهه جمع من العلماء، ومن يقول بالتحريم يستدل له بالقياس على النردشير الذي جاء في الخبر ما يقتضي تحريمه، وقد جاء عن بعض السلف أنه مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون!

والقياس مردود؛ بأنَّ النرد ليس فيه الفكرة التي في الشطرنج من الأمور التي يعرفها الحُذّاق.

ولقد أحسن من قال: إذا سلم المال من الخسران، واللسان من البهتان، والصلاة من النسيان، فهو أنس بين الخلان، فلا يوصف بالحرمان] اهـ.

واللعب بالشطرنج وارد عن جماعات من السلف؛ حتى عدَّ بعض الفقهاء ذلك "أشبه بالإجماع" على إباحته، فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وعبد الله بن عبَّاس، والحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وابنه هشام، وسليمان بن يسار، وأبو وائل، والشعبي، والحسن البصري، وعلي زين العابدين، وجعفر بن محمد، وابن شهاب، وربيعة، وعطاء، رحمهم الله:

فروى الإمام البيهقي في "السنن الكبرى" عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: لعبَ سعيد بن جبير بالشطرنج من وراء ظهره، فيقول: "بأيش دفع كذا؟ قال: بكذا، قال: ادفع بكذا".

وقال الإمام الشافعي: "كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدبارًا".

وعن معقل بن مالك الباهلي قال: خرجت من المسجد الجامع فإذا رجل قد قربت إليه دابة فسأله رجل: ما كان الحسن يقول في الشطرنج؟ فقال: "كان لا يرى بها بأسًا، وكان يكره النردشير".

وقال معمر: "بلغني أن الشعبي كان يلعب بالشطرنج، ويلبس ملحفة، ويرخي شعره".

وعن عطاء الخُشْك، قال: "كنا مُحتَبَسينَ في السجن، فكنا نلعب الشطرنج، وكان ابن سيرين يَمُر بنا فيقول: "ادفع الفرس افعل كذا" يعني: في الشطرنج". أخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء".

قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (17/ 178-179، ط. دار الكتب العلمية):

[واستدل من أباحها وحللها: بانتشارها بين الصحابة والتابعين إقرارًا عليها، وعملا بها، فروى الخطيب مولى سليمان بن يسار قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج فيسلم علينا ولا ينهانا.

وروى الضحاك بن مزاحم قال: رأيت الحسن بن علي عليهما السلام مرَّ بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: "ادفع ذا ودع ذا".

وروى أبو راشد قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يدعو غلامًا فيلاعبه بالشطرنج.

وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يجيز الشطرنج ويلعب بها.

وروي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يلعب بالشطرنج.

فهؤلاء خمسة من الصحابة أقروا عليها ولعبوا بها.

وأما التابعون: فروي عن سعيد بن المسيب أنه كان يلعب بها.

وروى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه كان يلعب بها استدبارًا. قال المزني: فقلت للشافعي: فكيف كان يلعب بها استدبارًا؟ فقال: كان يوليها ظهره ويقول للغلام: بماذا دفع؟ فيقول: بكذا، فيقول: ائت بكذا.

وروى الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يلاعب أهله بالشطرنج.

وروى أبو لؤلؤة قال: رأيت الشعبي يلعب بالشطرنج مع الغرماء.

وروى راشد بن كريب قال: رأيت عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أقيم قائمًا في لعب الشطرنج.

ورُوي أنَّ محمد بن سيرين كان يلعب بالشطرنج وقال: هي لُبُّ الرجال.

وإذا اشتهر هذا عمن ذكرنا من الصحابة والتابعين وقد عمل به معهم من لا يحصى عددهم من علماء الأمصار وفضلائهم من حذفنا ذكرهم إيجازًا: خرج من حكم الحظر وكان بالإجماع أشبه] اهـ.

بينما حظرَ اللعبَ بالشطرنج جماعةٌ من الفقهاء، مستدلين على ذلك ببعض الآثار التي يفيد ظاهرُها النهيَ عن اللعب بها؛ كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ»، وفي رواية: «وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الْحَقِّ» رواه الإمام أحمد في "المسند" من حديث عقبة بن عامر الجُهني رضي الله عنه.

وأمّا ما ورد في تحريم اللعب الشطرنج من أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فلم يصح منها شيء.

قال الحافظ زكي الدين المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 24، ط. دار الكتب العلمية): [وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها إسنادًا صحيحًا ولا حسنًا والله أعلم] اهـ.

وأما الآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين فمنها ما يلي:

قال الإمام عليٌّ رضي الله عنه: "النَّرْدُ أَوِ الشِّطْرَنْجُ مِنَ الْمَيْسِرِ" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".

ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون الشطرنج فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى".

وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ" أخرجه البيهقي في "الآداب".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سئل عن الشطرنج فقال: "هو شرُّ من النرد" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى".

عاجل