رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

هل تجوز الصلاة على مرتبة من الإسفنج؟.. على جمعة يجيب

نشر
حكم الصلاة على مرتبة
حكم الصلاة على مرتبة من الإسفنج

الصلاة على مرتبة من الإسفنج هو السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان؛ خاصة عندما لا يستطيع الشخص الصلاة على السجادة العادية بسبب عدم احتماله لصلابة الأرض؛ ما يجعل من معرفة الرأي الشرعي في الصلاة على مرتبة من الإسفنج من الأمور المهمة.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حور الصلاة على مرتبة من الإسفنج وأجاب عنه د. علي جمعة باستفاضة من أجل أن يتعرف الجميع على حكم الصلاة على مرتبة من الإسفنج.

الصلاة على مرتبة من الإسفنج

سأل سائل يقول: عملنا مَرتَبة طولها أربعة أمتار، وعرضها متر وربع، بعرض الزاوية التي نصلي فيها؛ وذلك للصلاة عليها، وهي عبارة عن قِطعتَي قماش نظيف بينهما طبقة إسفنج رقيقة هي أقل ما وجدنا في السوق لا تزيد عن سنتيمتر واحد، بل أقل من ذلك، وقد حاكها المنجِّد على شكل مربعات، طول المربع عشرون سنتيمترًا؛ ليصلي عليها ثمانية أشخاص من رُوَّاد الزاوية، فإذا جاء مصلُّون أكثر صلَّوا على موكيت الزاوية العادي القديم، وهي تريحنا في الصلاة، لا سيما نحن كبار السن الذين نعاني ألمًا في الرُّكَب، وقد رآها كثيرون فأحبُّوها وصلَّوا عليها، لكن فوجئنا بمن يستنكر علينا ذلك، فأحببنا أن نعرف الرأي الصحيح فيها من حضراتكم.

 

وأجاب د. علي جمعة على الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية قائلا: لا مانع شرعًا من الصلاة على المرتبة باتفاق الفقهاء من أهل السنَّة وأرباب المذاهب الأربعة، ما دامت لا تمنع من استقرارِ جبهة المصلي على الأرض، خاصة إذا كانت تخفف الألم عن كبار السن؛ لما رُوِى في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي -أَوْ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ- عَلَى فَرْوَةٍ مَدْبُوغَةٍ" رواه أحمد، وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "يسجد المريض على المِرْفَقَةِ -المخدة- والثوب الطيِّب"، وعن أم سلمة رضي الله عنها: "أنَّها رمدت عينُها فكانت تسجد على وسادةٍ من أَدَم".

 

وأضاف د. علي جمعة: من المقرر المتفق عليه بين الفقهاء من أهل السنَّة أنه لا يُشترط أن تكون الصلاة على شيء من جنس الأرض كالتراب والحصى مثلًا؛ قال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 426): [أجمع المسلمون إلا الشيعة على جواز الصلاة على الصوف وفيه، ولا كراهةَ في الصلاة على شيء من ذلك إلا عند مالك، فإنه كَرِه الصلاة عليه تنزيهًا، وقالت الشيعة: ولا يجوز ذلك؛ لأنه ليس من نبات الأرض] اهـ.

كما أنه لا يؤثر في صحة الصلاة أيضًا أن يكون ما يُصَلِّي عليه الإنسان شيئًا وثيرًا أو سميكًا بعض الشيء ما دام أن جبهته تستقر في السجود عليه. فروى الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث عائشة رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ"، وترجم عليه بقوله: (بَاب الصَّلاة عَلَى الْفِرَاش).

 

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": [وأشار البخاري بالترجمة إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن الأسود وأصحابه أنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح، وأخرج عن جمع من الصحابة والتابعين جواز ذلك] اهـ.

 

وروى الإمام أحمد في "مسنده" واللفظ له وأبو داود والطبراني في "المعجم الكبير" وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي -أَوْ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ- عَلَى فَرْوَةٍ مَدْبُوغَةٍ". 

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بذكر "الفروة"، إنما خرجه مسلم من حديث أبي سعيد في الصلاة على الحصير. وقال الذهبي: على شرط مسلم.

وهذا الحديث وإن كان في إسناده من ضعف في الحديث إلا أنه يُحسَّن لورود روايات أخرى في هذا المعنى؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده" عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن رجلًا قال: يا رسول الله؟ أُصلِّي في الفراء؟ قال: «فَأَيْنَ الدِّبَاغُ؟» قال الشيخ السندي في "حاشيته على المسند" (31/ 407): [أي إن لم تُصَلِّ فقد ضاع الدِّباغ، فإنه للتطهير وجواز الصلاة فيها، فإن لم تَجُزْ بعدُ فلا فائدة فيه] اهـ.

 

وروى الحافظ الطُّيُوري الحنبلي في "الطُّيُورِيَّات": (740) عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى عَلَى طِنْفِسَة".

وجاء عن جماعة من الصحابة والسلف جوازُ ذلك، وأنهم كانوا يُصَلُّون أحيانًا على أشياء سميكة ووثيرة؛ كالفُرُش، والمَرَافِق، والوسائد، والنَّمارِق، والطَّنَافِس، والمَيَاثِر، والعَبْقَرِيِّ، والفِرَاء، والمُسُوح، والأَحْلاس، والمَرَاشِح، واللُّبُود، وغير ذلك:

 

فروى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنَّف" في المريض يسجد على الوِسَادة والمِرفَقَة (1/ 304- 305): عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "يسجد المريض على المرفقة والثوب الطيِّب". وعن أم سلمة رضي الله عنها: "أنَّها رمدت عينها فكانت تسجد على وسادة من أدم". وعن أنس رضي الله عنه: "أنه سجد على مِرفَقَة". وعن أبي العالية: "أنَّه كان مريضًا وكانت مِرفَقَة تُثْنَى له فيسجد عليها". وعن الحسن البصري: "أنه كان لا يرى بأسًا أن يسجد الرجل على المِرْفَقَة والوِسادة في السفينة".

ورُوِىَ في الصلاة على الفِرَاش: عن أنس رضي الله عنه: "أنه كان يصلي على فراشه". وعن طاوس: "أنه كان يصلي على الفراش الذي مرض عليه".

وروى أيضًا في الصلاة على المُسُوح (1/ 436- 437): عن علي وجابر وأبي الدرداء وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وعن عمر بن عبد العزيز من التابعين رحمه الله تعالى: "أنهم كانوا يصلُّون على المُسُوح"، بينما روى عن إبراهيم عن الأسود وأصحابه: "أنهم كانوا يكرهون أن يصلُّوا على الطنافس والفراء والمسوح".

وروى أيضًا في الصلاة على الطَّنافِس والبُسُط (1/ 437- 438): عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "ما أُبَالي لو صليت على ست طنافس بعضها فوق بعض". وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: "صلَّى بِنا ابن عباس رضي الله عنهما على طِنفسة قد طبقت البيت صلاة المغرب". 

وعن عبد الله بن عمار قال: "رأيت عمر يصلي على عبقري".. وعن الحسن البصري قال: "لا بأس بالصلاة على الطنفسة". وعنه أيضًا: "أنه كان يصلي على طنفسة قدماه وركبتاه عليها ويداه ووجهه على الأرض أو على بُورِيٍّ -وهو الحصير المعمول بالقصب-". وعن قيس بن عباد القيسي: "أنه صلَّى على لِبْد دابته". وعن مرة الهمداني: "أنه صلَّى على لِبْد". وروى أيضًا في الصلاة على الفراء (1/ 441- 442): عن مسروق: "أنه كان يدبغ جلد أضحيته فيتخذه مُصَلًّى يُصلِّي عليه"، وعن علقمة كذلك. وعن عبد الرحمن بن الأسود: "أنه كان يُصلِّي في بيته على جلد فرو ضأن، الصوف ظاهر يلي قدميه"، بينما روى عن الأسود وأصحابه: "أنهم كانوا يكرهون أن يصلُّوا على الفراء". اهـ.

فالفُرُش: جمع فِرَاش، وهو ما يُنام عليه.

والمَرافِق: جمع مِرْفَقَة كمِكْنَسَة، وهي المِخَدَّةُ والمُتَّكَأُ.

والوَسَائِد: جمع وِسَادة، وهي ما يُوضع تحت الخَدِّ، كالمِخَدَّة.

والنَّمارِق: جمع نُمرُقة، وهي الوسادة التي يجلس عليها الراكب فوق الرَّحْل.

والطَّنَافِس: جمع طِنْفِسَة مُثَلَّثة الطَّاءِ والفاءِ، وهي بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ الرَّحْلِ عَلَى كَتِفَي الْبَعِيرِ.

والمَيَاثِر: جمع مِيثَرَة، وهي وِطاءٌ مَحْشُوٌّ يُتْرَكُ على رَحْل البعيرِ تحت الرَّاكِبِ.

والعَبْقَرِيُّ: جمع عَبْقَرِيَّة، والعَبْقَرِيُّ كما قال الفَرَّاءُ: الطَّنَافِسُ الثِّخانُ.

والفِرَاء: جمع فروة، وهي الكساء المُتَّخَذ من فرو الحيوانات.

والمُسُوح: جمع مِسْح بالكسر، وهو ثَوْبٌ من الشَّعر غليظٌ.

والأَحْلاس: جمع حِلْس بالكسْرِ، وهو كُلُّ شيءٍ وَلِيَ ظهرَ البعيرِ والدَّابَّةِ تحتَ الرَّحْلِ والسَّرْجِ والقَتَبِ وهو بمنزلةِ المِرْشَحَةِ تكون تحتَ اللِّبْدِ.

والمَرَاشِح: جمع مِرْشَح ومِرْشَحَة، وهي البِطانَةُ التي تحت لِبْدِ السَّرْجِ؛ سُمِّيَتْ بذلك لأَنها تُنَشِّف الرَّشْحَ، يعنِي العَرَق.

واللُّبُود: جمع لِبْد بالكسر ولِبْدَة بزيادة الهاء ولُبْدَة بالضَّم، وهي كُلُّ شَعَرٍ أَو صُوفٍ مُتَلَبِّدٍ، وفي بعض النسخ ملْتَبِد أَي بعضُه على بعْضٍ.

عاجل