رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها وفق دار الإفتاء

نشر
مكان قضاء العدة للمتوفى
مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها

مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها هو ما يتم السؤال عنه عقب وفاة الزوج، ما يجعل من معرفة مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها من الأمور المهمة في الشريعة الإسلامية.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها، وإجابت عنه دار الإفتاء باستفاضة ليتعرف الجميع على مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها.

مكان قضاء العدة للمتوفى عنها زوجها

سأل سائل يقول: أين تعتد من مات عنها زوجها وليس لها مسكن زوجية؛ كالإقامة بفندق أو بانتهاء عقد الإيجار الجديد مثلًا؟ وأين تعتد في هذه الحالة؟ 

وأجابت دار الإفتاء على موقعها الرسمي بقولها: عدة المرأة المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ هجرية من تاريخ وفاة الزوج، والواجب على المرأة في هذه الحالة أن تلتزم العدة في مسكن الزوجية إن وُجِدَ ما لم يكن هناك ما يقتضي تحولَها عنه، فإن لم يوجد وأوجده الورثة أو الحاكم وكان لائقًا بمثلها فعليها الاعتداد فيه، فإن لم يوجد فإنها تعتد حيث شاءت ولا إثم عليها. 

وأضافت دار الإفتاء: العدة في الشرع: اسمٌ لمدة معدودة تتربص بها المرأة لتعرف براءة الرحم، وذلك يحصل بالولادة والأقراء والأشهر، واشتقاقها من العدد، وشُرعت صيانةً للأنساب وحفظًا لها من الاختلاط رعايةً لحق الزوجين والولد، والمغلب فيها التعبد، والأصل فيها الإجماع والآيات والأخبار. انظر: "النجم الوهاج" (8/ 123، ط. دار المنهاج).

والأصل في المرأة التي مات زوجها أن تمكث في بيت الزوجية؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]، فبموت الزوج يجب على زوجته الحداد، ومن الحداد أن تمكث الزوجة في بيت الزوجية حتى تنتهي عدتها، لكن هناك حالات لا يوجد فيها بيت زوجية، كمن كانت تسكن في بيت مستأجر وانتهى إيجاره، أو تهدم المنزل، أو كانت تسكن في فندق؛ ففي هذه الحالة يأتي السؤال: هل يجب على المرأة الإحداد أم لا؟

وقد تكلم الفقهاء السابقون في هذه المسألة على اختلاف مشاربهم، واتفق جمهورهم على وجوب مكث المتوفى عنها زوجها في البيت إجمالا، لكن اختلفوا في بعض تفاصيل المسألة؛ هل يؤخذ ثمن المسكن من التركة، أم يجب على الزوجة من مالها، أم يسقط الحكم بذهاب المحل؟

والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًاۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۗ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234].

قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (5/ 79، ط. مؤسسة الرسالة): [وأما قوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾، إنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج والطيب والزينة والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرًا، إلا أن يكن حوامل فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن، فإذا وضعن حملهن، انقضت عددهن حينئذ] اهـ.

وقال أيضًا في كتابه "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 176، ط. دار الكتب العلمية): [قوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ التربص: التأني والتصبر عن النكاح، وترك الخروج عن مسكن النكاح؛ وذلك بألا تفارقه ليلًا] اهـ.

وأما الدليل من السنة فهو ما ورد عن زينب بنت كعب بن عجرة رضي الله عنها: أن الفريعة بنت مالك بن سنان رضي الله عنها -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- أخبرتها أنها جاءت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإن زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَعَمْ»، قالت: فانصرفتُ، حتى إذا كنتُ في الحجرة -أو في المسجد-، ناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -أو أمر بي فنوديتُ له-، فقال: «كَيْفَ قُلْتِ؟» قالت: فرددتُ عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به. أخرجه الإمام الترمذي وقال في "السنن" (3/ 500): [هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم؛ لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها. والقول الأول أصح] اهـ.

قال العلامة أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد" (21/ 31، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب): [وهو حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ولا تخرج منه وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وهو قول عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وغيرهم. وبالله التوفيق] اهـ.

إذا ثبت هذا، فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي كانت تسكنه حال الزوجية، سواء كان مملوكًا لزوجها أو بإجارةٍ أو عارية؛ لقوله في الحديث: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ»، ولم تكن في بيتٍ يملكه زوجها.

فإن وُجِدَ ما يقتضي تحولَها عن المسكن الذي وجب عليها الإحداد فيه، جاز لها الانتقال إلى مسكن آخر تأمن فيه على نفسها ومالها؛ كأن خافت هدمًا أو عدوًا، أو بَانَ للسكن مستحقٌّ فأخرجها؛ كما لو كان عاريةً أو إجارةً انقضت مدتها، أو مُنِعَت السكنى تعديًا، أو طلب منها أكثر من أجرة المثل، أو لم تجد ما تكتري به، أو لم تجد إلا من مالها- فلها أن تنتقل؛ لأنها حال عذر، ولا يلزمها بذلك أجر المسكن، وإنما الواجب عليها فعل السكنى، لا تحصيل المسكن، وإذا تعذرت السكنى سقطت، ولها أن تسكن حيث شاءت؛ لأن الواجب سَقَطَ لعذرٍ، ولم يرد الشرع له ببدلٍ؛ فلا يجب؛ كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط، والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد. وهذا مذهب الحنابلة.

قال العلامة ابن قدامة في "الكافي" (3/ 207، ط. دار الكتب العلمية): [المتوفى عنها زوجها، عليها أن تعتد في منزلها الذي كانت ساكنة به، حين توفي زوجها، لما روت فريعة بنت مالك بن سنان رضي الله عنها أخت أبي سعيد رضي الله عنه: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ له، فقتلوه بطرف القدوم، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن أملكه ولا نفقة، فقال: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، فاعتدّت فيه أربعة أشهرٍ وعشرًا، فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إليَّ فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيح. فإن خافت هدمًا أو غرقًا أو عدوًا، أو حولها صاحب المنزل، أو لم تتمكن من سكناه إلا بأجرة، فلها الانتقال حيث شاءت؛ لأن الواجب سقط للعذر، ولم يرد الشرع له ببدلٍ؛ فلم يجب، وليس عليها بدل الأجرة وإن قدرت عليها؛ لأنه إنما يلزمها فعل السكنى، لا تحصيل المسكن] اهـ.

وإنما كان عدم وجوب السكنى في مال التركة كما هو مذهب الشافعية لما ذكرنا، ولأن الآية المذكورة ذكرت العدة ولم تذكر السكنى، ولو كانت واجبة لذكرها كما ذكر ذلك في الطلاق بقوله: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: 1]، ولأنها لا تجب لها النفقة بالإجماع فلم تجب لها السكنى كما لو وطئها بشبهة. وهذا أحد قولي الشافعي واختاره المزني؛ كما في "البيان" (11/ 59).

ولأنّا لو أوجبنا السكنى في مال التركة إن لم يكن هناك سكن، فإن هذا سينقص نصيب الورثة الذي هو في الغالب مقيد بالقوانين، ولهذا فهذه المسألة يجب أن تقيّد بما يتفق وما أخذ به قانون الميراث؛ حتى لا يكون هناك تناقض بينهما.

ولو فرّعنا على مذهب الحنابلة والمرجوح من مذهب الشافعية وبَذَلَ لها الورثةُ المنزلَ لتحصين النسب وجب عليها القبول.

قال العلامة العمراني في "البيان" (11/ 61): [وإن قلنا: لا يجب لها السكنى، فإن تطوع الورثة بإسكانها لتحصين ماء الزوج، وجب عليها أن تسكن حيث أسكنوها إذا كان يصلح لسكنى مثلها، وإن لم يتطوعوا ورأى السلطان من المصلحة أن يكتري لها مسكنا من بيت المال لتحصين ماء الميت كان له ذلك؛ لأن ذلك مصلحة، وإذا بذل لها ذلك وجب عليها السكنى فيه؛ لأن ذلك يتعلق به حفظ نسب الميت. وإن لم يتطوع الورثة ولا السلطان بإسكانها، فلها أن تسكن حيث شاءت] اهـ.

وقد عكس الأحناف المسألة وقالوا بوجوب أجرة المنزل في مال المتوفى عنها زوجها إن لم يكن سكن، وهو مذهب المالكية، لكنهم ذهبوا إلى التفرقة بين المدخول بها وغيرها. وهذا تقدم الرد عليه، ويمكن أيضًا أن يقال: إن السكن سببٌ في الوجوب، وهي ليست مطالبة بتحقيقه كنظائره.

قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (6/ 33-34، ط. دار المعرفة): [فأما في عدة الوفاة: أجر المنزل عليها؛ لأنها لا تستوجب على زوجها السكنى كما لا تستوجب النفقة، فإن مكنها أهل المنزل من المقام بِكِرَاءٍ وهي تقدر على ذلك فعليها أن تسكن، وإن كانت لا تجد ذلك فهي في سعة من التحول؛ لأن سكناها في ذلك المنزل حق الشرع، فإذا قدرت عليه بعوضٍ لزمها؛ كالمسافر إذا وجد الماء بثمن مثله: فإن كان عنده الثمن فليس له أن يتيمم، وإن لم يكن عنده الثمن فله أن يتيمم.. وإن كانت في منزل زوجها فمات الزوج: إن كان نصيبها من ذلك يكفيها؛ فعليها أن تسكن في نصيبها في العدة، ولا يخلو بها من ليس بمحرم لها من ورثة الزوج، وإن كان نصيبها لا يكفيها؛ فإن رضي ورثة الزوج أن تسكن فيه سكنت، وإن أَبَوْا كانت في سعةٍ من التحول للعذر، وإن كانت في منزلٍ مخوفٍ على نفسها أو مالها وليس معها رجل كانت في سعة من الرحلة؛ لأن المقام مع الخوف لا يمكن، وفي المقام ضررٌ عليها في نفسها ومالها، وذلك عذر في إسقاط حق الشرع؛ كما لو كان بينه وبين الماء سبع أو عدو، ولو كانت بالسواد فدخل عليها الخوف من سلطان أو غيره كانت في سعة من التحول إلى المصر؛ لأنها تتمكن من إزالة الخوف هنا بالتحول إلى المصر، ولو كان زوال الخوف بالتحول من منزل إلى منزل كان لها أن تتحول، فكذلك إذا كان بالتحول من السواد إلى المصر] اهـ.

وقال الشيخ عليش في "منح الجليل" (4/ 330، ط. دار الفكر): [(ولـ)ـزوجة (المتوفى) بفتح الفاء زوجها (عنها) وهي في عصمته (السكنى) مدة عدتها (إن) كان الزوج (دخل بها) وأطاقت الوطء؛ سكن معها أم لا (و) الحال (المسكن له) أي الزوج بملك (أو) إجارة و(نقد) أي دفع (كراءه) كله قبل موته؛ سواء كان الكراء وجيبة أو مشاهرة، فإن كان نقد بعضه فلها السكنى بقدر ما نقده، فإن انقضت مدته قبل تمام عدتها فلا يلزم الوارث أجرة بقيتها؛ فتدفعها من مالها] اهـ.

ومما سبق يتبين: أن المتوفى عنها زوجها تعتدّ في مسكن الزوجية إن وُجِد، فإن لم يوجد وأوجده الورثة أو الحاكم وكان لائقًا بمثلها فعليها الاعتداد فيه، فإن لم يوجد فإنها تعتدّ حيث شاءت؛ لذهاب المحل.

عاجل