رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

هيكل يحاور الفريق أول أحمد إسماعيل

الفريق أحمد إسماعيل يروي في حوار مع هيكل أسرار الحرب وخطة الخداع الاستراتجي

نشر
السادات والفريق أحد
السادات والفريق أحد إسماعيل

عقب انتهاء حرب أكتوبر 1973 استطاع الكاتب الصحفي الأشهر محمد حسنين هيكل (رئيس تحرير جريدة الأهرام آنذاك) إجراء حوار مع الفريق أحمد إسماعيل الذي حكى فيه أسرار الحرب، وسر اختيار ساعة الصفر.

الفريق أحمد إسماعيل 

ويستعرض "مستقبل وطن نيوز"، تفاصيل الحوار المهم الذي يؤرخ لأكبر عملية عسكرية في التاريخ المعاصر قام بها أبطال القوات المسلحة ضد العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 

هيكل: كان مشهد قاعة العمليات مهيبًا.. الجو هناك فيه رائحة العصر، وفيه عطره وهذا مطمئن.. حدثنا عنه؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: كان يجب أن ترى هذه القاعة فى يوم "ى" - يوم 6 أكتوبر - وكان يجب أن تراها فى ساعة الصفر، أى الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم.. وقتها كنت تشعر حقيقة أن هذه القاعة لم تكن العصر وحده، وإنما كانت تاريخ مصر كله.. سوف يبقى ذلك اليوم مشهودًا لمصر وجيشها مهما كان أو يكن.

كنا جميعًا فى مقاعدنا، وكانت الخطط أمامنا، والعمليات تجرى أمام عيوننا، تحملها إلينا البلاغات من الجبهة، المهمة "كذا" بدأ تنفيذها، والمهمة "كذا" تم تنفيذها، من الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر، كان المشهد فى هذه القاعة مثيرًا إلى أبعد حد.. كان العمل دقيقًا بأكثر مما يتصور أحد، أنا نفسى كنت مأخوذًا بما يجرى.. أثبتت الخطة كفاءتها، وكانت المهام تنفذ بجسارة واقتدار، كانت هناك لحظات تهز المشاعر إلى الأعماق، ولكننا لم نسمح لأنفسنا بأى انفعال.

المشير أحمد إسماعيل 

ضربة الطيران الرئيسية الأولى - تمهيد المدفعية ونيرانها الكثيفة - موجات العبور الأولى - عمليات الاقتحام المبكرة لخط بارليف - بداية إقامة الجسور - الجيش الثانى يفرغ من إقامة جسوره فى الموعد المحدد - الجيش الثالث يتأخر بعض الشىء بسبب طبيعة الأرض فى إتمام إقامة جسوره - الهجمات المضادة للعدو بالدبابات تجئ فى الموعد الذى توقعناه فى الخطة - جسور الجيش الثالث لابد من تركيبها بسرعة لكى تعبر الدبابات قبل أن تبدأ الهجمات المضادة للعدو أمام الموجات الأولى التى عبرت بالأسلحة المضادة للدبابات.. لابد أن تكون دباباتها وراءها بسرعة - أعصابنا يجب أن تظل قوية، لأن أى ارتباك فى مركز القيادة يحدث خللاً فى توازن العمليات كلها - العدو يقاوم على الجسور وفى الحصون - قواتنا تواصل تنفيذ مهامها - أبطال من رجالنا يستشهدون على الجسور وأمام الحصون، ولكنهم يعبرون ويقتحمون - خسائرنا أقل مما توقعنا - خسائر العدو أكبر مما توقع.. ليس لدى شك فى أننا حققنا انتصارًا كبيرًا.

المشير أحمد إسماعيل 

وأضاف ذلك الوضع الجديد إلى تفكيرى اعتبارًا ثانيًا: كان الأول أن تكون ضربتنا كبيرة، وجاء الاعتبار الثانى: وهو أن تكون ضربتنا مشتركة من جبهتين، وتكونت فى ذلك الوقت جماعة تخطيط، وضعت أمامها تصوراتى عن العدو وعنا.. كان تقديرى بالنسبة للعدو أنه يملك أربع ميزات أساسية: "تفوقه الجوى، ومقدرته التكنولوجية، وتدريبه الدقيق، واعتماده على معاونة سريعة من الولايات المتحدة الأمريكية، تكفل له إمدادًا مستمرًا".. لكن هذا العدو كانت له عيوبه الأساسية إلى جانب ميزاته الأساسية: "خطوط مواصلاته طويلة كما أن هذه الخطوط على الجبهات المتعددة ممتدة يصعب الدفاع عنها، أوضاعه البشرية لا تسمح له بتحمل خسائر كبيرة، وظروفه الاقتصادية تمنعه من قبول حرب طويلة، وثم هو عدو أصابه الغرور".

هيكل: سوف أعترضك هنا بسؤال.. هل تعتقد أن العدو اكتشف نوايا الهجوم قبل أن يبدأ بساعات؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: أمامنا فى ميدان القتال أحسست بأن المفاجأة بالنسبة لهم كانت كاملة.. لقد كانت لهجة التبليغات من المواقع الإسرائيلية المقدمة إلى قياداتها توحى كلها بالمفاجأة الكاملة، كانت هذه التبليغات تحمل عصبية لا تصنعها غير المفاجأة، وفى الحقيقة فإن المنظر الذى رأوه أمامهم بعد المفاجأة الأولى كان منظرًا مخيفًا من وجهة نظرهم، عظيمًا من وجهة نظرنا، وقد بدأوا يضربون ضربات طائشة، ثم بدأت هجماتهم المضادة مرتبكة، ثم أخذوا يتمالكون أعصابهم ويردون.. لكن قواتنا كانت تتدفق من الغرب على الشرق، وفى الساعات الأولى من القتال لم تكن الدبابات قد دخلت، وإن كانت قد دخلت عناصر مضادة للدبابات انتظارًا لهجمات العدو المضادة على قواتنا التى لم تكن دروعها قد لحقت بها بعد.. لكن كل شىء كان يسير وفق ما قدرناه، وربما أحسن مما قدرنا.

كنا على استعداد لخسائر فى العبور كبيرة، لأنه كان علينا أن نقتحم طريقنا مهما كان الثمن، ولقد ضحينا ولكن تضحياتنا كانت أقل مما قدرناه لأن الإنسان المصرى كان فى هذه الساعات الحاسمة على مستوى إحساسه بتاريخه وعلى مستوى أمله فى مستقبله.

هيكل: لقد قاطعتك بهذا السؤال عن المفاجأة، هل نعود إلى السياق الذى كنت تتحدث عنه، لقد تكلمت عن العدو وعن تصوراتك إزاءه، وهذه التصورات أخذت اعتبارها فى التخطيط، ماذا عن ناحيتنا نحن، عن قواتنا؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: كانت المشكلة بالنسبة لقواتنا أن الظروف فرضت عليها أن تعيش 6 أو 7 سنوات فى الدفاع، معظمها فى الدفاع الجامد، والقوات على هذا النحو، أى قوات فى الدنيا معرضة لما نسميه فى العسكرية "بمرض الخنادق".. كان لابد أن نتخلص من تأثير مرض الخنادق وعقده، وركزت فى تلك الفترة على مجموعة ضرورات، رأيت أننا بغيرها لن نستطيع عمل شىء، أى شىء.

أولى الضرورات: أن تقتنع القوات بأنه لا مفر من القتال ولا حل بدونه، وقمت بزيارات للقوات المسلحة فى مواقعها أشرح الظروف للرجال، وأقول لهم أن الوضع الذى نحن فيه لابد من تغييره، وإذا لم نغيره نحن فإن العدو قد يفرض علينا التغيير، ومعنى ذلك أننا إذا لم نبدأ بالقتال فإن العدو سوف يبدأ هو بالقتال، لأن حالة اللاسلم واللاحرب غير قابلة للاستمرار إلى ما لا نهاية.

الفريق أحمد إسماعيل 

وكانت الثانية: أن يأخذ الرجال ثقة فى سلاحهم، وكنت أريد تغيير المفهوم القديم، بأن الرجل بالسلاح، والحقيقة أن السلاح بالرجل، إذا لم يكن واثقًا من نفسه فلن يحميه أى سلاح وإذا كان واثقًا، فإن كل سلاح فى يده يحميه.. ربما نستطيع أن نفهم ذلك فى التطبيق العملى إذا تذكرنا أن طائرة من طراز ميج 17 تمكنت أثناء القتال من إسقاط طائرة فانتوم، وهذا ما أقصده بأن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح.

والثالثة: وهى تتصل بذلك مباشرة: أن يكون التدريب تدريبًا كثيفًا.. إذا كنت أقول أن السلاح بالرجل، فذلك يعنى أول ما يعنى قدرة الرجل على استيعاب سلاحه والسيطرة الكاملة عليه.

وكانت الرابعة بين الضرورات: أن أجعل قوات أدركت حتمية القتال، وعرفت قيمة سلاحها، وأحسنت التدريب عليه - ترى رُأى العين ما سوف تواجهه وتكسر الرهبة ما بينها وبينه، وهكذا بدأت أختار للتدريب ميادين قريبة الشبه إلى أقصى حد بظروف وطبيعة المهمة التى سوف تقوم بها القوات، وأُولاها عبور القناة.

هيكل: هناك سؤال سوف يظل مطروحًا لمناقشات طويلة عندنا وعندهم، كنا نقول إننا لا نستطيع ناحيتنا أن نكتم سرًا، وكنا نتصور أن العدو من ناحيته يستطيع اختراق أى سر.. كيف فاتهم أن يروا ما كان يحدث؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: فى كل حرب هناك خطة للعمليات وهناك خطة للخداع، وأعتقد أننا نجحنا، فلقد وضعنا خطة الخداع على المستوى الاستراتيجى والتعبوى، ووضعت لها توقيتات وجداول سارت جنبا إلى جنب مع خطة العمليات وتوقيتاتها وجداولها.. سوف أتحدث إليك بعد قليل عن العوامل التى دفعتنا إلى اختيار يوم (ى) يوم بدء العمليات، وإلى اختيار ساعة (س) ساعة الصفر أو ساعة بدء العمليات.. لكنى الآن أقول لك أننا وصلنا فى الكتمان إلى درجة أن يوم (ى) لم يكن معروفًا بعد تحديده مبدئياً إلا من اثنين: الرئيس وأنا.

وحتى عندما بدأ العد التنازلى من يوم (ى) بالناقص، وكان ذلك قبل شهر من بدء العملية، ى ناقص 30، ى ناقص 29، (ى) ناقص 28.. وهكذا، فإن السر ظل محصورًا، وعندما بدأنا الحشد، وأنا أعرف أن العدو يستطلع كل يوم، فلقد كنت أدفع إلى الميدان بلواء مثلاً وأعود فى الليل بكتيبة لكى يشعر العدو أن القوات المسلحة كانت فى مهمة تدريب أدتها وعادت منها.

ولقد أخرت إرسال معدات العبور إلى أقصى حد ممكن، فقد كان مؤكدًا أن خروج هذه المعدات من مخازنها كفيل بتنبيه العدو إلى نوايانا، ولقد صنعنا لبعض هذه المعدات صناديق خاصة لا يشعر أحد أن اللوارى الضخمة التى تحملها لوارى مهندسين، ثم رتبنا لهذه المعدات حفرًا على جانب القناة نزلت إليها فور وصولها فى الليل، وكانت الخطة خلال هذا كله بالطبع قد اكتملت إلى آخر التفاصيل، بل إلى تفاصيل التفاصيل، وكان ذلك طوال الوقت بالتنسيق مع سوريا.

وقبل أيام قليلة من يوم (ى) كانت تفاصيل الخطة تنزل من قادة الجيوش إلى قادة الفرق، ثم قادة الألوية، ثم قادة الكتائب، بعض الجنود من طلائع الهجوم عرفوا قبله بثمان وأربعين ساعة وبعضهم عرفوا فى الصباح يومها، ولقد تتذكر أننا تعمدنا تسريب أنباء تصرف النظر تماماً عن نوايانا.. أذعنا مثلاً أن وزير دفاع رومانيا قادم فى زيارة لى يوم 8 أكتوبر، وطلبنا منكم فى "الأهرام" مثلاً نشر خبر بأننى فتحت الباب لقبول طلبات الضباط والجنود الراغبين فى أداء العمرة.

هيكل: لقد كانت هذه مرة من مرات قليلة نادرة نَشر فيها الأهرام، خبرًا غير صحيح.. لكنى رضيت بنشره عارفاً القصد منه، ولقد قبلنا لـ"الأهرام" أن يكذب لأننا تمنينا لعمليتك أن تصح؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: لقد كنت واثقًا أنك سوف تبلعها وتسكت، المهم فى كل ما قلته التخطيط لعملية الخداع الاستراتيجى على مستوى رفيع وناجح.

هيكل: هل ننتقل إلى عوامل تحديد يوم (ى) وتحديد ساعة (س)؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: لقد كان تحديد يوم (ى) عملاً علميًا على مستوى رفيع، وحين نطرح وثائقنا كلها للدراسة التاريخية، فإن هذا العمل سوف يأخذ حقه من التقدير وسوف يدخل التاريخ العلمى للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين.

كان لابد أن يتحرك الموقف من وجهة نظر التقدير السياسى سنة 1973 بعد وصول التأييد العربى والعالمى لنا فى كل المجالات إلى الذروة العالية التى لا مجال بعدها لإضافة إلا إضافة نصنعها نحن بقوة السلاح. هذا من وجهة نظر عامة.

ومن ناحية التحديد، فقد كنا نريد ما يلى: "ليلة مقمرة يتصاعد فيها القمر معنا فى الساعات الحاسمة، وليلة يكون تيار القناة مناسبًا للعبور من ناحية السرعة، وليلة يكون عملنا فيها بعيدًا عن توقعات العدو، وليلة لا يكون فيها العدو نفسه مستعدًا للعمل".. هذه الميزات حددت لنا يوم 6 أكتوبر من قبلها بشهور.

 

الحسابات الفلكية تعطينا فى تلك الليلة قمرًا ينمو فى أول الليل ثم يغيب فى آخره.. فعلمائنا فى القوات المسلحة درسوا تقارير هيئة قناة السويس لسنوات طويلة سبقت لكى يحسبوا سرعة التيارات فى كل يوم من أيام السنة، وكان يوم 6 أكتوبر أكثرها مناسبة، وأن العدو لا يتوقع منا العمل فى شهر رمضان، وأن العدو مشغول بمناسبات مختلفة بينها انتخاباته العامة التى تشد اهتمام الجميع.

وأما عن تحديد ساعة (س)، فقد ظل الموعد إلى أيام قبل بدء القتال موضوع مناقشة بيننا وبين إخواننا فى سوريا.. فكان السوريون لعدة أسباب من بينها اتجاه الشمس معهم وضد العدو يفضلون العمل مع أول ضوء فى الفجر. وكنا نحن - لعدة أسباب من بينها إلى جانب اتجاه الشمس وضرورات العبور ونصب الكبارى وفتح الطريق لدخول المعدات الثقيلة كالدبابات فى ظلام الليل، نفضل العمل فى آخر ضوء فى المساء.

وكنت بوصفى قائدًا عامًا للجبهتين قد بعثت إلى السورين يوم 30 سبتمبر بإشارة التحذير بأن العملية محتملة فى أى وقت - رهنًا بإشارة تقول: "بدر"، وسافرت بنفسى يوم 2 أكتوبر إلى سورية وتناقشنا حول الساعة وبعد دراسة تفصيلية صدق عليها الرئيس حافظ الأسد تحددت الساعة الثانية بعد الظهر موعدًا لساعة "س".

وعدت من سورية فقصدت إلى مركز قيادة العمليات وبقيت هناك لم أخرج لعدة أيام.. كان أول يوم رأيت فيه الشارع بعدها هو اليوم الذى ذهبت فيه مع الرئيس إلى مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر.

هيكل: أريد أن أسألك عن السبب الذى من أجله لم يجر تطوير هجومنا الشامل بالسرعة الواجبة فى رأى بعض الخبراء؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: أن هذه الأسئلة كلها يجب أن تطرح وليس هناك ضرر فى رأيى من طرحها، وإن كانت الإجابة الكاملة عليها لابد أن تنتظر إلى وقت نكون فيه أكثر إحساسًا بالأمان حتى نفتح أوراقنا ونطرح صورة الوقائع كلها لبحث مستفيض، أثق أننا لابد أن نأخذ منه دروسًا مستفادة.

لكنى أريد أن أجيب بسرعة على بعض التساؤلات.. هل خططنا للعبور وحده؟ بالطبع لا، لقد كانت لدينا خطة أوسع بكثير، وكان لابد أن تكون لدينا خطة أوسع بكثير، لأن الحرب حوار بين تخطيط وتخطيط.. قوة نيران وقوة نيران.. مقدرة حركة ومقدرة حركة، وليس معقولاً أن تكون لدينا خطوة واحدة نتعطل بعدها فلا نعرف كيف نواصل الحوار بالتخطيط وبالنيران وبالحركة.. بالطبع فإن عملية العبور أخذت جزءًا كبيرًا من اهتمامنا، لأنها كانت المدخل، ولأنها كانت خطوة درسنا كل تفاصيلها، لأننا عرفنا أننا سنبدأ بها، هذه ميزة الأخذ بزمام المبادأة.

ما يجئ بعد ذلك؟ احتمالات متعددة مدروسة، وقد حسبناها إلى أقصى حد، ولكن الأمر فى النهاية كان يتوقف على ما سوف يقوم به العدو، وبالتالى فإن خطة العبور كانت خطة كاملة إلى النهاية، وكان ما بعدها قد شمله التخطيط، ولكن اختيار الاحتمالات كان متوقفاً على رد فعل العدو، ولكن لو أنى دفعت بقواتى وراء الفرصة المتاحة التى يتحدثون عنها، ولم تكن دفاعاتى ضد تفوق العدو الجوى جاهزة، لكان معنى ذلك أننى ألقى العبء كله على الطيران، وأحمله بما لا يطيق، فى وقت أعرف فيه أن الساعات الصعبة مازالت أمامنا.

هيكل: سوف أسأل مرة أخرى، ولعلك تقبل منى إلحاحى.. هل كنا تقليديين أكثر مما يجب؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: أريد أن أسألك هل كان تخطيط وتنفيذ عملية العبور التى رأيت وسمعت بنفسك تقدير خبراء العالم لها.. هل كان ذلك عملاً تقليديًا.. إن الذين سمعونى أتحدث إلى القوات عرفوا أن أكثر ما كنت أحذر منه هو أن نكون تقليديين، ولم أكن أريد أن نكون تقليديين.. وفى نفس الوقت فلم أكن أريد أن نكون مغامرين.. فالحرب قضية أكبر بكثير من المغامرة.

هيكل: سوف أسألك إذن عن الثغرة.. كيف حدثت؟ ولماذا سمحنا بحدوثها؟ لماذا تضاربت البيانات الرسمية حولها؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: سوف أبدأ بالنقطة الثانية، وأسلم معك على طول الخط بأن علاجنا لهذه الثغرة من ناحية البيانات لم يكن على النحو الذى تمنيته والتزمت به من أول لحظة فى الحرب، وهو أن لا نقول غير الحقيقة، وأريدك أن تعرف على الفور أننى لم أقصد فى أى لحظة أن أقول فيما يتعلق بهذه الثغرة - أو أسمح لغيرى أن يقول - شيئًا غير الحقيقة، ومعنى ذلك أن ما قلناه عكس فى معظم الأحيان صورة ما كنا نراه، وأعترف أن رؤيتنا للصورة كانت مهتزة لأسباب عديدة؟ ولكننا حاولنا أن نعبر عما نراه.

لقد كنت أعرف من البداية أن جزءاً كبيراً من نجاح الحرب يرتهن بثقة الناس فى صدق ما نقوله عن حقيقة ما نفعله، ولهذا فإنى طلبت التزاماً دقيقاً فى صياغة البيانات، وكانت هناك شكاوى عديدة تصل إلى من قلة البيانات الرسمية، ومن قلة المعلومات التى تذاع عن المعارك؟ ولكنى وضعت قاعدتين: الأولى: أن نقول ما نستطيع قوله مما لا يكشف خططنا وأوضاعنا للعدو - وربما كنا متزمتين فى ذلك بعض الشيء، ولكن التزمت كان فى رأيى أفضل من التسيب، خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بالحرب. أما الثانية: هى أن ما نقوله يجب أن يكون صادقاً.. ولكى أكون صريحاً معك، يجب أن يكون قريبا من الصدق.

هذا عن الناحية النفسية فى علاج الثغرة.. أما الناحية العسكرية، فأقول أن صورة ما جرى فعلاً كانت مهتزة أمامنا لعدة اعتبارات، وكانت المعلومات الأولى التى تلقيتها عن العملية، وقد وجدتها فى انتظارى بعد أن عدت من جلسة مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر، تشير إلى أعداد صغيرة متسللة من الدبابات البرمائية، وكان تقدير قيادتنا المحلية فى موقع التسلل أن القضاء عليها بسرعة أمر ممكن، وبالفعل فإن القائد المحلى حرك كتيبة صاعقة لمواجهتها.. كان هذا سببًا، والآخر هو أن المعلومات تقطعت نتيجة اعتبار يتصل بتبادل فى المسؤوليات أجريناه لظروف طارئة فى بعض القيادات.. أما السبب الثالث أن العدو استطاع أن يخفى دباباته المتسللة فى منطقة الثغرة، وهى منطقة حدائق فاكهة، ساعدت على التخفى فى المراحل الحرجة من بداية عمليته.

وكان قبولنا لقرار وقف إطلاق النار عملية تتصل بأسباب أوسع وموازين أكبر من عملية الثغرة، ولقد استغل العدو قرار وقف إطلاق النار، ولم نكن نحن غافلين، ولقد نذكر أننى حذرت من غدر العدو على أساس تجارب 1948 و1956 و1967 - لكن علينا لكى نكون بشرًا - أن نعرف أن كلمة وقف إطلاق النار لها تأثير على القوات المتحاربة، ومع ذلك فإن القوات تنبهت واستطعنا حصر منطقة الثغرة، وحاولنا ضغطها بكل الوسائل.

هيكل: كيف تقدر خسائر العدو؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: التقديرات الأمريكية تكفينى.. هذه التقديرات تعد خسائر إسرائيل بما يلى: "التقديرات الأمريكية تقول 3 آلاف قتيل، ورأيى بما شاهدته بعينى أن هذا الرقم يقل عن نصف الرقم الحقيقى، و20 ألف جريح، و970 دبابة، و150 طائرة".

هيكل: ما هو تقديرك لخسائرنا؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: خسائرنا أعرفها يقينًا وليس تقديرًا، وأكتفى بالقول بأن خسائرنا لا تتناسب مع حجم ما حققناه.. إذ كانت التقديرات العالمية كلها لخسائرنا المحتملة فى عملية العبور وحدها تتراوح ما بين 25 ألفًا إلى 30 ألفًا شهيد، وذلك لم يحدث، وأستطيع أن أقول بصفة إجمالية أن خسائرنا كلها مع كل ما حققناه بالحرب كانت أقل من خسائرنا فى سنة 1967، ولم نحقق بها شيئًا".

هيكل: أريد أن أسألك عن نتائج حرب 6 أكتوبر، النتائج الإيجابية التى تراها أمامك وقد تحققت.. من وجهة نظرك؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: هناك نتائج محققة، وهذه النتائج يمكن تقسيمها إلى مجموعات مختلفة.. فهناك مجموعة من النتائج العسكرية أعدها كما يلى:

1 - لقد زالت خرافة الجندى الإسرائيلى بعد أن كادت تثبت فى بعض الأذهان بطريقة خطيرة، لقد وجدناه جنديا عاديا.. دُرب تدريبًا حسنًا عزز من قدرته القتالية، وهذا هو كل شىء.. أى أنه فى مقدور جندى آخر غيره درب تدريبًا حسنًا يعزز قدرته القتالية أن يتصدى له وأن يهزمه.

2 - لقد ثبت أمامى أن الجندى المصرى من أشجع الجنود وأصلبهم فى العالم، ويكفيه صبره وجسارته.. ولقد مرت علينا أيام كان لنا فيها جنود يعيشون على نصف التعيين المقرر لغذائهم، ولكن استعدادهم للقتال لم يتأثر.

3 - أن أى عمل يحسن التخطيط له علمياً، ويحسن التدريب عليه عملياً قابل للنجاح بنسبة مائة فى المائة.

4 - هناك دروس أخرى مستفادة، فى نواح فنية، ولا أظنها مما يهم الناس بصفة عامة، وإنما هى تهم القوات المسلحة بصفة خاصة.

5 - لقد غيرنا صورتنا أمام العالم كله، وبعد أن كان يظننا جثة هامدة، فلقد رآنا قادرين على الحركة.. قادرين على القتال.. قادرين على الانتصار، ولم تتغير صورة مصر وحدها أمام العالم، ولكن تغيرت صوره الأمة العربية كلها.

هيكل: كيف تتصور جيش المستقبل فى مصر؟

الفريق أول أحمد إسماعيل: جيش المستقبل فى مصر لابد أن يكون هدفًا من أهم أهداف مصر الوطنية.. لابد لمصر باستمرار من جيش قوى.

عاجل