رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

مع اضطراب الاقتصاد.. بريطانيا تختار رئيسة وزراء لا تخشى مواجهة المشاكل

نشر
مستقبل وطن نيوز

لا تخشى ليز تروس اكتساب أعداء جدد، فقد شبهت رئيسة وزراء المملكة المتحدة الجديدة البيروقراطيين بحيوانات "الغريملين" السينمائية، كما أهانت القادة المحليين والأجانب، وقالت إن العمال البريطانيين بحاجة إلى مزيد من المهارات.

صرحت ليز، التي تُطلق على نفسها وصف "المشاكسة"، بأنها مستعدة لاتخاذ قرارات لا تحظى بتأييد شعبي، وسيتوجب عليها الآن اختيار من ستعاديهم أكثر من غيرهم، في ظل مواجهتها أزمة تكلفة المعيشة المتضخمة بشدة التي تواجه الأسر والشركات.

تشير الدلائل إلى احتمالية تراجع تروس عن رفضها لتقديم منح مالية مباشرة، والتي حذرت منها وهي تتودد إلى أعضاء حزب المحافظين، ممن ستحاول استرضاءهم باستخدام التخفيضات الضريبية، وقد يزعج كلا الإجراءين الأسواق بسبب مخاوف تأجيج التضخم.

ويل جينينغز، أستاذ السياسة في جامعة ساوثهامبتون، توقع نسيان الوعود الانتخابية التي قُطعت أثناء السباق على منصب رئاسة الوزراء بسرعة، وقال: "سيكون هناك تحولاً وتغييراً ضخماً ومفاجئاً، وسيتطلب عمل ذلك مهارات كبيرة".

رغم هذا، فحتى أنصار تروس المقربين لديهم شكوك تجاهها، وخطاب فوزها يوم الاثنين لم يبدد كثير من الشكوك حول مهاراتها التواصلية، فقد أدى مدحها المتكلف للزعيم المنتهية ولايته بوريس جونسون إلى صمت محرج، قبل أن يفهم الجمهور ما يلمحان إليه.

في الأيام الأولى المحمومة لرئاسة تروس للوزراء، والتي تبدأ رسمياً الثلاثاء بعد اجتماع مع الملكة إليزابيث الثانية في اسكتلندا، سينصب التركيز على تحديد الكيفية التي تخطط بها لإصلاح الاقتصاد الذي يمر بأسوأ مراحله منذ السبعينيات.

تفاقم الضغوط

بعدما كشفت لمحات عن أفكارها الخاصة خلال حملتها الانتخابية؛ من المتوقع أن تشرح تروس، البالغة من العمر 47 عاماً، تفكيرها بشكل واضح في أول خطاب لها كرئيسة للوزراء بمقر داونينغ ستريت بعد ظهر الثلاثاء، حتى لو أجلت الكشف عن بعض من هذه الأفكار حتى وقت لاحق، ومن المتوقع صدور بيان مالي أو ميزانية طارئة لاحقاً هذا الشهر.

ثم ستبدأ بعدها في إعلان أبرز وزرائها، ومن المرجح أن يكون بينهم كواسي كوارتنغ كوزير للخزانة، وذلك استعدادًا لعقد أول اجتماع لمجلس الوزراء الأربعاء.

إلى جانب التضخم المتفشي، تتولى تروس مسؤولية دولة تواجه انهيارًا في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، والإضرابات العمالية التي تسببت في توقف شبكات النقل.

مخاطرة سياسية

من حيث السياسة الخارجية، تعيش لندن في خصومة مع بروكسل وواشنطن بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ويرجع ذلك جزئياً إلى المسار الذي اتخذته تروس كوزيرة للخارجية.

أما الضغط الذي سيُلقى على عاتقها فوراً، فهو اتخاذ قراراً مؤثراً حول فواتير الطاقة متزايدة الارتفاع، التي من المقرر تضاعفها 3 مرات تقريباً هذا الشتاء مقارنةً بالشتاء السابق، ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، ترغب تروس في الكشف عن حزمة دعم مالي مؤقتة للتصدي لارتفاع فواتير الطاقة بشكل فعال، مع اتخاذ إجراءات بشأن الأمن على المدى الطويل حول إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة.

لكن عمل ذلك -مع الاقتراض الإضافي المرجح اللجوء إليه بالتبعية- ينذر بتخييب آمال مؤيدي حملتها الانتخابية التي بُنيت على وعود التخفيضات الضريبية، مع تقليص مشاركة الحكومة إلى حد كبير، فقد كانت هذه الحملة مصممة لاستمالة حزب المحافظين الذي ما يزال يعيش على ذكرى الزعيمة السابقة مارغريت تاتشر.

يقول حلفاء تروس إن السباق الانتخابي أبرز مهارتها في استهداف المجموعة المناسبة من الأشخاص، وإنه لطالما تم التقليل من شأنها إلى حد كبير بسبب خطاباتها السابقة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

تعزيز نفوذها

استغلت تروس منصبها كوزيرة للدولة لشؤون التجارة الدولية في مجلس وزراء جونسون لتقديم نفسها على أنها بطلة البريكست، وعززت هذه الفكرة باستخدام منشورات منصة "إنستجرام" المرفقة بصور للعلم البريطاني وهو مرفوع في جميع أنحاء العالم، ودعم ذلك تفضيل القاعدة الشعبية في حزب المحافظين لها بجولة الإعادة مع ريشي سوناك، كما عزز استمرار دعمها لجونسون موقفها، بعدما بقيت في الحكومة بالوقت نفسه الذي استقال فيه سوناك من منصبه كوزير للمالية.

قال جو تانر، وهو محلل سياسي عمل كمستشار لجونسون عندما شغل منصب عمدة لندن، في مقابلة: "تروس تعرف كيف تكسب تأييد القاعدة الشعبية، وتعلم ماذا تريد هذه القاعدة، لقد طورت من نفسها عبر الظهور بإطلالات ذكية، والتحدث بلهجة صارمة، كما خففت من حدتها قليلاً، أعتقد أنها عززت مكانتها خلال الصيف بطريقة كان الناس ينصحونها بفعلها منذ سنوات".

كانت المسيرة المهنية السياسية لتروس مليئة أيضاً بالمتناقضات، ما يدلل على أنها يمكنها تعديل نهجها إذا استلزم الأمر ذلك، شنت حملة من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتبنى الـ"بريكست" عندما ذهبت التصويت في الاتجاه الأخر.

جرى اصطحابها للمشاركة في الاحتجاجات ضد حكومة المحافظين برئاسة مارغريت تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي عندما كانت طفلة قبل أن تقود الرابطة الديمقراطية الليبرالية في جامعة "أكسفورد"، فقط لتصبح فيما بعد حاملة الشعلة لليمين المحافظ.

لكن المنافسة دقت أيضاً ناقوس الخطر لدى بعض أعضاء حزب المحافظين، الذين يتساءلون عما إذا كان باستطاعتهم توحيد الحزب بالنظر إلى أنها نجحت في جولة الإعادة الأخيرة مع سوناك بصعوبة بالغة، كان يوجد عداء متبادل خفي منذ ذلك الحين حيث تنافس الخصمان للفوز بالأصوات خلال صيف العام الحالي.

بالنسبة لخلف الكواليس، حتى أنصار تروس يساورهم القلق من الغضب العام إزاء أسعار الطاقة وقصور الخدمات العامة، إذ أشار أحدهم إلى أن سيدة عنفت وزير الصحة ستيف باركلي جراء أوقات انتظار وصول سيارات الإسعاف.

جاء في نص التغريدة: هذا هو الوقت الذي قاطع فيها عضو غاضب من الجمهور مقابلة صحفية مع وزير الصحة ستيف باركلي ليسأله لماذا لم تقم الحكومة "بشيء" إزاء فترات الانتظار الطويلة لوصول سيارات الإسعاف.

إن عداء تروس الممتد لفترة طويلة تجاه موظفي الخدمة المدنية والنقابات العمالية غير مناسب بصورة واضحة لأزمة ستتطلب، على أقل تقدير، دعماً بيروقراطياً لطرح أي تدابير مساعدة، قال الأشخاص الذين عرفوها في "وايتهول" إن تروس يمكن أن تكون فظة في التعامل مع المسؤولين وتواجه صعوبة في التوصل لحلول وسط.

قال زميلها السابق بمجلس الوزراء ديفيد غوك: "كانت تمتلك باستمرار وجهة نظر تقول أن البلاد تجري عرقلتها من قبل رجال مؤسسة من كارهي المخاطرة الذين غير مستعدين، ولا يمتلكون شجاعة كافية، من أجل الانغماس فيها وإجراء إصلاحات جذرية، ويتمثل الخطر في أنها غالباً ما تتبع غرائزها، في حين أن الحكمة المكتسبة في الواقع تكون أكثر دراية ولديها وعي أعمق بالموقف".

دبلوماسية تروس

كانت تروس أيضا شرسة بصفتها أكبر دبلوماسية في حكومة جونسون، في حين أنها أذهلت قاعدة الحزب خلال منافسة الزعامة بقولها إن "القرار لم يصدر" حول ما إذا كان رئيس فرنسا حليفة المملكة المتحدة القديمة، إيمانويل ماكرون، "صديقاً أم عدواً"، فإن هذه الإهانة لن تسهم في نزع فتيل التوترات إزاء خططها الخاصة بإعادة كتابة أجزاء من اتفاق الانفصال للـ"بريكست"، ما يعد مخاطرة بنشوب حرب تجارية.

على الأرجح أيضاً سيسفر التمادي في هذه الخطة عن غضب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كثيراً ما حذر المملكة المتحدة من فعل أي شيء يخاطر بالسلام في أيرلندا الشمالية، من جهة أخرى، حظي موقف المملكة المتحدة إزاء روسيا وأوكرانيا عندما كانت وزيرة للخارجية بالإشادة وسط أوروبا الشرقية، بما فيها بولندا.

في نهاية المطاف، سيُحكم على تروس من قبل حزبها، الذي يتولى السلطة منذ 12 سنة، فيما يتعلق بطريقة قلبها تقدم حزب العمال في استطلاعات الرأي والاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية الكبيرة التي فاز بها جونسون في 2019.

قال غوك إنه آمن بأن تروس دخلت مجال السياسة لأنها أرادت أن تقوم "بأمور إيجابية للبلاد"، لكنها "ستُختبر فعلاً" من خلال صعوبات بالغة تجابهها حالياً، مضيفا: "أنا غير متأكد من أنها ستكون على صواب دائماً".

عاجل