رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

التضخم يثير قلق البنوك في العالم أكثر من البطالة

نشر
مستقبل وطن نيوز

ربما لا تكون أسواق العمل مضغوطة تقريباً على النحو الذي تشير إليه بيانات التوظيف، وهو ما يمثّل مشكلة بالنسبة للبنوك التي تحاول تقييم مخاطر الزيادة الطفيفة في مشكلات السداد للمقترضين، وفقا لما نشرته الشرق بلومبرج.

فالمسألة تقليدياً هي أن أكثر ما تهتم به البنوك لإقراض المستهلكين هو البطالة، لأنها يمكن أن تؤدي إلى انخفاضات كارثية في دخل المدينين، وهذا هو السبب في أنها واحدة من المُدخلات الأولى في اختبارات الإجهاد للبنك المركزي، إذ إن لها تداعيات بالغة على كل شيء، بدءًا من أسعار المنازل إلى الطلب على العقارات التجارية.

وانخفضت مطالبات البطالة الأولية في الولايات المتحدة مجدّداً، في بيانات الأسبوع الماضي، وتتوقع "بلومبرج إيكونوميكس" نمواً قوياً في جداول الرواتب بالولايات المتحدة لشهر أغسطس، لتواصل مسيرة دامت لأكثر من 18 شهراً وتعيد التوظيف إلى مستويات ما قبل الوباء، لابد أن هذه الأخبار رائعة للمقرضين.

مع ذلك، توجد دلائل، على أن القوة تتحول في أسواق العمل مرة أخرى نحو أرباب الأعمال، وهذا يفرض فترة أشد وطأة على صعيد تغيير الوظائف أو المساومة من أجل رواتب أعلى، في حين أن التضخم يقضي على الدخل المتاح. وهناك نسبة متزايدة، حتى من الطبقات المتوسطة، تفقد السيولة النقدية بعد دفع المصاريف الشهرية.

وربما يتسبّب هذا في مشكلات للمقرضين حتى بدون ارتفاع معدل البطالة، ويمكن أن تكون سبل عيش العديد من الأشخاص أكثر توازناً بالفعل مقارنة بما تشير إليه بيانات التوظيف الرئيسية القوية في الولايات المتحدة، وربما أكثر من ذلك في المملكة المتحدة وأجزاء من أوروبا، حيث ترتفع تكاليف الطاقة المحلية بشكل كبير.

البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا لم تشهد إشارات على وجود أي مشكلات للمقترضين في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، لكنها ما زالت تواجه لغزاً، فقد سجّلت جهات إقراض، مثل "سيتي جروب" (.Citigroup Inc) و"جيه بي مورغان" (.JPMorgan Chase & Co) و"بنك أوف أميركا" (Bank of America Corp) إنفاقاً قوياً على الرفاهية خلال الربع الثاني ولكن على خلفية معنويات بائسة للمستهلكين، وأظهرت نتائج الشهر الماضي أن العديد من العملاء ينفقون بحرية على الترفيه وتناول الطعام بالخارج بدعم من المدخرات العالية والقدرة على الاقتراض.

كان أليستر بورثويك، وهو كبير المسؤولين الماليين في بنك أوف أميركا، من بين أولئك الذين أشاروا إلى ارتفاع معدل البطالة باعتباره العامل الوحيد الأكثر أهمية الذي سيؤثر على الدخل ويلحق الضرر بالمقترضين، وساعد الطلب القوي على العمالة في إبقاء مخاطر الائتمان منخفضة حتى الآن.

يأتي الدليل على التأثير المتغير في أسواق العمل من سلسلة دراسات استقصائية أُجريت مؤخراً والتي يبدو أنها تظهر مساراً عكسياً في العديد من اتجاهات عصر الوباء، فعلى سبيل المثال، قال ما يقرب من 60% من المشاركين في استطلاع أجرته مؤسسة "هاريس" (Harris) لصالح "بلومبرج نيوز" هذا الأسبوع، إن أرباب العمل يتمتعون الآن بنفوذ أكبر في سوق الوظائف، بزيادة من 53% في يناير الماضي.

ربما يرجع جانب من التفسير إلى تخفيض الوظائف الذي أصاب شركات التكنولوجيا عالية النمو سابقاً، أو تلك التي استفادت مباشرة من القيود المفروضة بسبب الوباء، أمثال "ثينك آبل" (.Think Apple Inc) و"روبينهود ماركتس" (.Robinhood Markets Inc) و"بيلوتون إنتراكتيف" (.Peloton Interactive Inc) ونتيجة لذلك، كانت هناك زيادة طفيفة في أعداد "الموظفين العائدين"، فهم يعودون إلى أعمالهم التقليدية للدوام من 9 صباحاً إلى 5 مساءً بعد فترات عمل في شركات ناشئة أو وسائل التواصل الاجتماعي، وما إلى ذلك.

ربما يبدو هذا مناسباً ومثالياً، ولكن هناك أيضاً إشارات أوسع نطاقاً، فعلى سبيل المثال، نصف الشركات الأمريكية تجمّد التوظيف، وفقاً لمسح أجرته شركة "بي دبليو سي" (PwC) الأسبوع الماضي، كذلك يمكن رؤية سلطة أصحاب الأعمال في تخفيضات المزايا، مثل الإجازة الوالدية، وانخفضت نسبة الشركات التي تقدّم أكثر من الحد الأدنى القانوني لإجازة الأمومة أو الأبوة إلى 35% هذا العام، من 53% في 2020، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وتحتاج البنوك إلى مراقبة كل هذا عن كثب بسبب تأثير قوة أصحاب الأعمال على الدخل، في وقت تتزايد فيه تكلفة الأساسيات الشهرية وسداد الديون.

مع ذلك، فإن التضخم وحده قد يكون بدأ فعلياً في حرمان المقترضين من الدخل قبل أن يفقدوا وظائفهم، ويشكو تجار التجزئة بالفعل من أن أفراد الطبقة المتوسطة الأكثر ثراءً أصبحوا أكثر وعياً بالتكلفة، وتتراجع مشترياتهم في المتاجر الكبرى، مثل "كوهلز كورب" (.Kohl's Corp).

ويتوافق هذا الوضع مع ما أشارت إليه "ويلز فارجو آند كو" (Wells Fargo & Co) التي أشارت في نتائجها للربع الثاني إلى أن الإنفاق على الملابس وتحسين المنزل كان آخذاً في الانخفاض ​​بشكل حادّ، ويساعد وجود بيانات جيدة حول استخدام بطاقة الائتمان، جهات الإقراض على معرفة أوجه إنفاق العملاء لأموالهم، ومتى يبدأون في الاقتراض لدفع ثمن الضروريات.

لا يزال بإمكان المستهلكين تقليص مرات قضاء الأوقات والترفيه خارج المنزل، ولكن كلما زادت التكاليف الشهرية الأساسية للطعام والوقود والكهرباء التي تلتهم الدخل، فسرعان ما يعتمد المستهلكون على بطاقات الائتمان لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم حتى نهاية الشهر، وسرعان ما ستبدأ مشكلات السداد في الظهور أيضاً، سواء ارتفعت البطالة أم لا.

عاجل