رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

أثرياء روسيا محرومون من جنة «دافوس» للمرة الأولى منذ سقوط الشيوعية

نشر
«بوتين» في المنتدى
«بوتين» في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2009 -أرشيفية-

للمرة الأولى منذ سقوط الشيوعية في القرن الماضي، سيكون أثرياء روسيا محرومون من دخول جنة «دافوس»، التي لطالما أحيوا عددًا من أشهر الحفلات البراقة في المنتدى الاقتصادي العالمي، بسبب حالة البرود تجاه روسيا -حسبما نشرته الشرق بلومبرج-.

يبدأ المنتدى في جبال الألب السويسرية، في أول تجمع مباشر بعد عامين من التوقف المرتبط بـ"كوفيد"، وهو الاجتماع الذي تأخر عن جدوله الزمني المعتاد في أواخر يناير. ويختلف المنتدى من نواحٍ أخرى أيضاً، حيث تُخيم حقيقة الحرب المستعرة على بعد مئات الأميال على الاجتماعات والخطب والسهرات المسائية، بعدما وضع قرار الرئيس، فلاديمير بوتين، بغزو أوكرانيا نهاية مفاجئة لعقود من الوجود والنفوذ الروسي في دافوس.

من المتوقع أن تكون هناك نغمة أكثر هدوءاً بشكل عام، مع حضور المنتدى الاقتصادي العالمي مجموعة من المسؤولين الأوكرانيين الذين يسعون إلى إبقاء الاهتمام العالمي بمحنتهم مع دخول الحرب شهرها الثالث، وسيلقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي كلمة رئيسية، عبر الفيديو كونفرنس.

غياب المسئولين الروس لأول مرة

سيكون هذا أول منتدى اقتصادي عالمي في سويسرا منذ سقوط الشيوعية دون حضور مسؤول روسي واحد أو قائد أعمال روسي واحد، واستُبعدت الشركات الروسية كشركاء استراتيجيين، وهي مجموعة من الشركات الدولية كانت تلعب دوراً بارزاً في جدول الأحداث وتدفع مقابل رعاية بنحو 600 ألف فرنك سويسري (615 ألف دولار) سنويًا، ولن يشارك حتى مطعم "روسيا هاوس" - المشهور بالفودكا المبردة - في الفعاليات.

يعد هذا المشهد بعيدا كل البعد عن أيام سخاء موسكو في دافوس، عندما كانت حفلات الفودكا والكافيار برعاية الروس تشتهر باستضافتها مجموعات كبيرة من الشابات اللاتي زُعم أنهن مترجمات.

شهدت حرب بوتين عقوبات غير مسبوقة على روسيا بدءاً من قادتها السياسيين إلى الأوليجارشية والشركات الكبرى، وانسحبت الشركات الدولية بشكل جماعي من البلاد، وتبخرت التجارة والاستثمار من أوروبا والولايات المتحدة مع روسيا.

البحث عن ملاذ آمن جديد

يبحث المليارديرات الروس الخاضعون للعقوبات عن ملاذ آمن في مناطق مختلفة من العالم، ويرسلون يخوتهم الضخمة من ميناء إلى آخر لاستباق تنفيذ القانون، وفجأة أصبح يُنظر إلى أي شيء "روسي" على أنه من المحرمات. ولم يكن المنتدى الاقتصادي العالمي استثناءً من ذلك.

في الاجتماع الأخير في دافوس في عام 2020، كان كبار رجال الأعمال الروس، يحتلون ثالث أفضل تمثيل من حيث عدد الملياردير، لكن مستقبلهم في دافوس بدأ في الانهيار بعد ثلاثة أيام فقط من هجوم موسكو على أوكرانيا، عندما أصدر مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، والرئيس، بورج بريندي، بياناً يدين "عدوان روسيا على أوكرانيا، والهجمات والفظائع".

يتناقض ذلك مع المعاملة التي تلقتها روسيا بعد أن سيطر "بوتين" على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، فرغم تضاؤل الوجود الرسمي لروسيا في دافوس، إلا أن أصحاب المليارات وقادة الأعمال لم يقللوا تواجدهم.

قال رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لبنك "في تي بي" (VTB)، أندريه كوستين، بينما كان في طريقه إلى جبال الألب للاستمتاع بسياسة الحياد طويلة الأمد لسويسرا عام 2015: "لدينا أصدقاء هنا. أصدقاء أوكرانيون، أصدقاء أوروبيون، أصدقاء أمريكيون". في ذلك الوقت، أكد "كوستين" أنه رغم تضرر بعض العلاقات التجارية جراء العقوبات، فإن ذلك "لا يؤثر على العلاقات الشخصية".

في ذلك العام، أقام بنك "في تي بي" حفلة سهر في فندق "إنتركونتيننتال" في منتجع التزلج، حيث استقبلت الضيوف نساء بملابس مخروطية مرقطة بالذهب مع أشرطة من مصابيح "نيون ليد" (neon-LED) ملفوفة حولهن، وقُدم الكافيار وغنى رواد الحفلات مثل عازف الجيتار، آل دي ميولا، والعازف الروسي، ليونيد أجوتين، بالإضافة إلى المخرج أمير كوستوريكا وأوركسترا "ذا نو سموكينج" (The No Smoking).

في حين أن الحفلة لم تضاه بذخ الفعاليات التي استضافها قطب المعادن، أوليج ديريباسكا على مر السنين (صُمم إحداه على غرار منزل خشبي روسي)، فإنها اجتذبت حشداً قوياً ومن بينهم "شواب"، وبينما يبتعد عادة عن المناسبات الخاصة، فإنه قال عندما حضر الحفل إن السبب هو إظهار "لأصدقائنا الروس أنهم مرحب بهم في دافوس" وأنه "بعد كل شيء، روسيا دولة أوروبية مهمة للغاية".

حدث أساسي

بالنسبة لتاريخ روسيا بعد الشيوعية، لعب المنتدى الاقتصادي العالمي دوراً مهماً للغاية. 

ورسخ المؤتمر سمعته كحدث أساسي للنخبة الروسية في عام 1996، عندما وافق العديد من كبار رجال الأعمال على حشد مواردهم الإعلامية وقوتهم المالية لدعم الحملة المتعثرة لإعادة انتخاب، بوريس يلتسين، فيما أصبح يُعرف باسم "ميثاق دافوس".

نما الوفد الروسي من حيث الحجم والظهور على مدى ما يقرب من عقدين، وجذب شخصيات ذات ثقل كبير مثل الرئيس آنذاك، ديمتري ميدفيديف، وفي عام 2009، خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء.

في عام 2011، قدم بنك استثماري روسي ما أسماه "عرض الجليد المذهل" الذي أداه نجوم التزلج على الجليد.

في عام 2018، هددت روسيا بالمقاطعة بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال الأعمال فيكتور فيكسيلبرج و"ديريباسكا" و"كوستين"، وقال الكرملين إن منظمي المنتدى تراجعوا عن خطة لمنعهم من الحضور.

خطر الانزلاق إلى صراع

ألقى بوتين كلمة في المنتدى الافتراضي المحدود في عصر "كوفيد" العام الماضي، وقال إن هناك أوجه تشابه بين التوترات الدولية الحالية وثلاثينيات القرن الماضي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، واستخدم خطابه لتحذير العالم من خطر الانزلاق إلى صراع "الكل ضد الكل".

الآن، أدى هجومه على أوكرانيا إلى نقل الصراع إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وقتل آلاف لا حصر لها ونزوح الملايين من ديارهم. وأيد بعض أباطرة المال الروس موقف الكرملين، بينما سعى آخرون إلى النأي بأنفسهم عن دعاية الرئيس للحرب.

ووصف "ديريباسكا"، الذي وضعت صلاته ببوتين اسمه على قوائم العقوبات، في أواخر مارس، الحرب بأنها "جنون"، وحذر من أن القتال قد يستمر "لعدة سنوات أخرى".

اقرأ أيضا: يخوت أثرياء روسيا تتجه لجزر المالديف وسيشل بعد فرض العقوبات

لكن ذلك لن يكون كافياً لدعوته إلى أي مكان مثل دافوس مرة أخرى قريباً، وفي غضون ذلك، تعد العديد من وجبات الإفطار، وحلقات النقاش، والفعاليات المسائية التي يشارك فيها مسؤولون أوكرانيون.

أما بالنسبة لـ"روسيا هاوس"، فإن الخطة الآن هي إعادة تسميته، إذ تعتزم مؤسسة فيكتور بينشوك، وهي مجموعة خيرية سُميت على اسم داعمها الملياردير، تحويل الموقع إلى "دار جرائم الحرب الروسية"، وستضم معرض عن جرائم الحرب التي يُزعم أن القوات الروسية ارتكبتها في أوكرانيا.

عاجل