رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

المفتي أمام البرلمان البريطاني: نعمل لاستقرار المجتمعات ولدينا تجربة رائدة في العيش المشترك

نشر
مستقبل وطن نيوز

 أكد فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن البرلمانات، وعلى رأسها البرلمانان المصري والبريطاني، بذلت وتبذل الجهود من أجل استقرار المجتمعات.. منوها بأن مصر لديها تجربة رائدة في العيش المشترك، وأن مشروع إعادة بناء عالم يسوده الوئام والتعاون يتطلَّب تضافر جهود جميع الأطراف الدينية وغيرها.
 

ووجه مفتي الجمهورية - في بداية كلمته التي ألقاها، اليوم الثلاثاء، أمام مجلسَي العموم واللوردات البريطاني ضمن زيارته الرسمية لبريطانيا - الشكرَ لجونثان لورد رئيس المجموعة البريطانية المصرية بمجلس العموم البريطاني، وسمير تكلا مستشار المجموعة البريطانية المصرية بالبرلمان البريطاني وأمينها العام، على دعوتهما الكريمة لفضيلته وإتاحة الفرصة للحديث حول دَور القيم الدينية المشتركة في تعزيز السلام العالمي.
 

وقال المفتي: "عندما دخلت من الباب الرئيسي لمجلس النواب البريطاني شعرت بالتاريخ يتحرك من أمامي، وهو تاريخ طويل من العطاء"، مشيرا إلى احتفال مصر قبل ثلاث سنوات بمرور 150 عاما على إنشاء البرلمان المصري العريق.
 

وأضاف: "اسمحوا لي أن أتوقف لحظةً للاعتراف بالجهود التي تبذلها البرلمانات الوطنية، مثل البرلمان البريطاني الموقر والبرلمان المصري، وكذا المنتديات العالمية والمؤسسات العلمية التي أشرف بالانتماء للكثير منها على مدى العقود القليلة الماضية في دعوة كافّة أطياف البشر للجلوس على الطاولة والدخول في حوار حقيقي بين الثقافات؛ فالتزامها بتعزيز التفاهم بين الثقافات أمر جدير بالإشادة حقيقة".
 

وأشار إلى تجربة مصر الرائدة في العيش المشترك، والتي تعد نموذجًا فريدًا في تطبيق مبادئ المواطنة، حيث عملت على التركيزَ على القواسم الدينية والجغرافية والتاريخية المشتركة بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين؛ لافتا إلى مشاركته في عدد من المبادرات العالمية المنظَّمة، والتي شملت: الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية، ومع رئيس أساقفة كانتربري، بالإضافة إلى قادة دينيين آخرين.
وشدد على أن الدساتير المصرية منذ دستور عام 1932، وصولًا إلى تعديلات الدستور المصري عام 2014، كانت حريصة على إقرار مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المصريين في الحقوق الواجبات وضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
 

وتابع مفتي الجمهورية: "إن الكثيرين يرون ما يسمى بـ"صراع الحضارات" أنه السمة الأبرز لواقعنا المعاصر فيما يبدو.. وقد استدل أصحاب نظرية الصراع على ذلك من زيادة مؤشر مشاعر العداء والكراهية بين المناطق الثقافية، لاسيما بين العالمينِ الإسلامي والغربي، التي ميزت الربع الأخير من القرن العشرين والعقدين الأولَينِ من القرن الحادي والعشرين". 
 

وأوضح أن من بين المشاكل التي تواجه العالم الحديث الآن هي مشكلة المرجعية؛ ففي الإسلام وغيره من الديانات نشهد ظاهرة تصدي غير المتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، بالرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق، وقد أدى هذا التوجه إلى أن فُتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام التي لا أصل لها، مؤكدا أن أحدا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام في أيّ من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشاكل، واعتمدوا على تفسيرات مشوهة ومنحرفة، ويهدفون إلى إشاعة الفوضى لتحقيق أهداف سياسية. 
 

واستطرد: "دورنا بوصفنا قيادات دينية قضت حياتها في دراسة النصوص الدينية هو إعادة المرجعية بإعادة مَن لهم قدم راسخة في العلم.. لقد بدأتُ من خلال منصبي الحالي في تقديم صورة للمرجعية الإسلامية من شأنها أن تسهم في فهم الإسلام كما ينبغي، وستساعد على العيش معا في سلام عادل ودائم، والتعاون فيما بيننا على أساس الشراكة والاحترام المتبادل.. وما تعلَّمناه هو أن الإسلامَ الحقّ منبعُه النص والفَهم الواضحُ للدين، وليس ما يدعيه بعضُ الأشخاص ممَّن نصبوا أنفسهم قادة دينيين، بالرغم من افتقارهم إلى المؤهلات العلمية التي تؤهلهم لإصدار تأويلات صحيحة للنص الشرعيّ، فالمسلمون يعتقدون أن الإسلامَ هو رسالةٌ للسلام حول العالم، وبناءً عليه فهي رسالة للناس كافة". 
 

ونوه بأن دار الإفتاء فطنت إلى أهمية التخصص والتأهيل العلمي لمن يقوم بمهمة الإفتاء، لذا كانت حريصة على تدريب المفتين وتزويدهم بالعلوم الشرعية والعلوم المعاصرة والمهارات الإفتائية حتى يكونوا قادرين على إدراك الواقع، وإصدار الفتاوى وفق رؤية صحيحة.. مبينا أن الدار قامت بتخريج دفعتين من أئمة بريطانيا بعد تأهيلهم وتدريبهم على الإفتاء، وذلك قبل انتشار جائحة كورونا، مؤكدًا استعدادها الكامل لاستقبال المزيد من أئمة بريطانيا وغيرها لتأهيلهم إفتائيًا وتزيدهم بالعلوم المتخصصة.
 

وشدد مفتي الجمهورية على أن دار الإفتاء المصرية، وهي واحدة من أهم المؤسسات الدينية في العالم، تبذل قصارى جهدها وتحرص على توفير الوسائل التي تتاح من خلالها العلوم لكل من يطلبها من أجل خلق بيئة علمية تسمح بحب التعلم واكتشاف العالم من حولنا، كما تصدر الفتاوى الصحيحة التي تؤكد حق المرأة في الكرامة والتعليم والعمل وتقلد المناصب العليا، وكذلك الفتاوى التي تحرم أفعالَ العنف والإرهاب باسم الدين، بالإضافة إلى دعم الحق في حرية الاعتقاد والرأي والتعبير في حدود حفظ الكرامة الإنسانية، والقيمَ الإنسانية المشتركة بين الديانات السماوية والديانات الشرقية، بما يضمن حرية الإنسان.
 

وذكر أن بعض المحللين من خارج العالم الإسلامي نظر إلى أعمال فئة قليلة لكنها عالية الصوت مثيرة للقلاقل في العالم الإسلامي، واعتبروهم ممثلين لمعتقدات أغلبية المسلمين، زاعمين أن الإسلام دين أساسه العنف، لافتا إلى أنه للأسف ساهمت وسائل إعلام في تأكيد هذا الرأي من خلال تناولها للإسلام. 
 

وحول محاربة التطرف والجماعات الإرهابية، قال مفتي الجمهورية "إن الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التي تقدم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدا من استئصال هذا الوباء إلا بحل عادل لهذه القضية، ولابد من فهم ذلك حتى نبني مستقبلا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذي يؤزم العالم". 
 

واستعرض مجهودات دار الإفتاء المصرية في مواجهة الفكر المتطرف وتفكيكه، حيث أنشأت الدار مرصد الفتاوى التكفيرية للآراء المتشددة عام 2014، والذي يعمل على مدار الساعة، حيث يرصد ويحلل ما تصدره التنظيمات الإرهابية من فتاوى وآراء ومواد مسموعة ومقروءة ومرئية، ثم يصدر التقارير التي تفكك هذا الفكر المتطرف وترد عليه بالحجة والبرهان والمنهجية العلمية المنضبطة، كما أصدر المرصد حتى الآن ما يزيد عن 700 تقريرا.
 

وأصدرت الدار "الدليل المرجعي لمواجهة التطرف"، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى العالم، ويقع في 1000 صفحة على قسمين: الأول وهو "قسم التطرف.. توصيف وتشخيص"، حيث انطلق إلى عرض حقيقة فهم التطرف، والبداية والنهاية، ثم يعرض فكرة التطرف والتشدد وأشكاله.. أما القسم الثاني فيأتي تحت عنوان "التطرف.. الدوافع والنتائج"، فيما يأتي القسم الثالث حول "تاريخ التطرف"، فضلًا عن محاربة الفكر المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي حققت فيه الدار نجاحات كبيرة، حيث بلغ عدد المتابعين للصفحة الرسمية لدار الإفتاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أكثر من 13 مليون متابع، فضلًا عن الصفحات باللغات المختلفة.
 

ورأى مفتي الجمهورية أن المطلوب لتحقيق الحوار والتعاون بين الدول والشعوب، من المنظور الإسلامي، هو تقديم فهم مناسبٍ لطبيعة الحوار مع الآخر والغرض منه، وبذل جهد واعٍ لإعادةِ بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، واكتشاف القواسم المشتركة بينها، حيث إنَّ هذه الأهداف هي جزء لا يتجزأ من فلسفةٍ كبرى للحوار قائمة على التعاليم الإسلامية الصحيحة من أجل مستقبلٍ أفضلَ للعالم الذي يجمع بين كل الثقافات والحضارات في وئام. 
 

وأوضح أن حتميةَ الحوار قائمة على رؤيةٍ للعلاقات بين الثقافات، تُشدد على التسامح والتفاهم والسعي الحثيث، مؤكدا أنه على الرغم من محاولات تعكير صفو العلاقات بين الإسلام والغرب، فإن الرد المناسب لا يكمن في الهجوم أو الدفاع -وكلاهما ذميم- وإنما في البيان والدعوة إلى التركيز على المشترك، وهذا المسار مؤسس على المبدأ القرآني: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]. 
 

واختتم مفتي الجمهورية، كلمته، قائلا: "إن مشروع إعادة بناء عالم يسوده الوئام والتعاون يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف الدينية وغيرها من أجل التعبير عن ثقتهم بالمسلمين، كما أن بناء عالم من قبيل ما أتصوره يحتاج إلى مشاركة قادة المجتمعات الدينية وغيرهم في التعبير عن ثقتهم بنظرائهم من المسلمين.. ولن يُحرز تقدم ما لم نعمل معا بإيمان وثقة، وليس من سلاح أقوى في وجه التطرف من التعليم الصحيح".

عاجل