رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

أبو الغيط يدعو إلى ضرورة إقامة نظام أمني عربي جامع لمواجهة التحديات

نشر
مستقبل وطن نيوز

دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى ضرورة إقامة نظام أمني عربي جامع يقوم على قواعد والتزامات متبادلة بين مختلف الأطراف، والمصارحة الكاملة بين الدول العربية، وعلى قاعدة من تلبية الحاجات الأمنية المختلفة لهذه الدول، سواء كانت تلك الحاجة هي أمن الخليج في مواجهة التهديد الإيراني، أو الأمن المائي المصري والسوداني في مواجهة المخاطر القادمة من إثيوبيا، أو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية أو غير ذلك من القضايا والمخاطر التي تشغل دولنا من المحيط إلى الخليج.

وقال أبو الغيط - في محاضرة أمام كلية الدفاع الوطني بسلطنة عمان بعنوان "المتغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على العمل العربي المشترك" وزعتها الجامعة العربية اليوم الثلاثاء، إن موقفنا في مواجهة القوى الإقليمية هو محصلة لقدرتنا على العمل المشترك كعرب، معربًا عن الأسف لأن المنطقة العربية تُعد المنطقة الوحيدة في العالم تقريباً التي تفتقر إلى نظام أمني جامع.

وأكد أن الحوار مع الأطراف الإقليمية، سواء إيران أو تركيا أو إسرائيل أو إثيوبيا، لابد أن ينهض على أساسٍ من التنسيق العربي الجماعي، وإلا فسوف يُفرَض علينا خوض مثل هذا الحوار بأوراقٍ ناقصة، وعناصرَ قوةٍ غير مكتملة.

واستعرض أبو الغيط، جوانب التحول في النظام الدولي الذي يمر بمرحلة حرجة ودقيقة، وانعكاس ذلك على الإقليم وعلى العالم العربي على وجه الخصوص، قائلًا: إننا نشهد اليوم لحظة نادرة في تاريخ النظام الدولي كما عهدناه منذ أكثر من سبعة عقود، تأسس هذا النظام، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبهدفٍ رئيسي هو منع نشوب نزاع جديد على هذا النحو المدمر، ولعبت الولايات المتحدة، التي تمتعت ساعتها بلحظة تفوق وهيمنة غير مسبوقة مع 50 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي و75 بالمئة من الإنفاق العسكري، مضيفًا "أنها لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل النظام الجديد، ومؤسساته، سواء الأمم المتحدة أو البنك الدولي وصندوق النقد".

وأشار إلى أن أي نظام دولي ينهض على توازن معين للقوى التي تتربع على قمته، وأيضا على مبادئ وتقاليد تحكم العلاقات بين هذه القوى والنظام الدولي، الذي أسسه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية بزعامة أمريكا، قامت أركانه على مبدأ جوهري هو عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، باعتبار أن الاعتداء على هذا المبدأ كان ما أدى إلى انزلاق العالم نحو الحرب بسبب طموحات ألمانيا واليابان نحو التوسع الإقليمي.

وقال إن النظام الدولي انطلق أيضا من فرضية جوهرية هي أن الدول ليست متساوية، وأن لبعضها امتيازات تفوق الأخرى، وهو ما يُجسده نظام مجلس الأمن الذي يضم خمس دول فقط لها حق النقض، مشيرًا إلى أن هذه الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أوكل لها مهمة الشرطي الذي يقوم على "حفظ النظام" إن جاز التعبير.

ولفت إلى أن هذا النظام الدولي، وبرغم ما شهده من تنافس بين قطبيه في زمن الحرب الباردة، أسهم في تعزيز درجة معقولة من السلم الدولي في العالم عبر عقود، وليس أدل على ذلك من تراجع ظاهرة الغزو العسكري والاستيلاء على الأرض بالقوة، التي لم تحدث سوى في حالات معدودة، ربما كان أبرزها العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية.

وأوضح أن هذا النظام الدولي قام أيضاً على التوازن بين القوى الكبرى، وعلى امتلاك هذه القوى للسلاح النووي الذي شكل رادعاً متبادلاً منع اندلاع الحرب الشاملة فيما بينها، واستمد النظام قوته من قدرة القطب المهيمن -أي الولايات المتحدة- على الاستمرار على قمته، ضابطاً لتفاعلاته، رادعاً لمحاولات تحدي قواعده، كما حدث، على سبيل المثال، في حالة العدوان العراقي على الكويت.

وتابع أبو الغيط: "غير أن الناظر إلى الوضع الدولي الآن يُدرك كم تغيرت الأسس التي قام عليها منذ سبعة عقود، فالواضح أن لحظة الهيمنة الأمريكية المطلقة تُشارف على نهايتها، فما نشهده اليوم هو حالة "انتشار للقوة" على مساحة أوسع، إذ لم يعد القرار الدولي مُحتكرًا في يد قوة واحدة، وإنما موزع على عدد أكبر من القوى الدولية، ولم تعد الإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية محصورة في القلة، وإنما صارت أيضاً أكثر انتشارًا من ذي قبل".

وأضاف: "إننا أمام توازن جديد يتشكل في عالمنا، هذا التوازن قد يقود إلى نظام مختلف غير ذلك الذي عهدناه خلال العقود المنصرمة، وقد يؤدي أيضاً إلى حالة من اللانظام والفوضى أي غياب القواعد الناظمة للعلاقات بين القوى الكبرى، لذلك إننا في لحظة نادرة تحمل من الأسئلة المركبة أكثر مما تقدم من الإجابات الحاسمة، حيث يظل المستقبل مفتوحاً على سيناريوهات مختلفة لا يُمكن الجزمُ بتحقق واحدٍ منها".

وقال أبو الغيط "هناك سيناريو الصراع والتنافس الذي نشهد ملامحه وبوادره اليوم، حيث تسعى قوة صاعدة هي الصين، إلى تحدي القوة المهيمنة، وهي الولايات المتحدة، وبينهما قوة أخرى تعود لتفرض وجودها على الساحة الدولية هي روسيا، وكما نعرف من تاريخ العلاقات الدولية، فإن القوة المهيمنة تسعى دائماً إلى احتواء وتطويق القوة الصاعدة، وربما إعاقة صعودها".

وأضاف أن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بالسبق، وبمسافة كبيرة، في مصادر القوة المختلفة، العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة- أي القوة الثقافية وجاذبية النموذج- ولا توجد دولة في العالم تكافئ هذا المزيج المتنوع، غير أن ثمة عاملًا مهمًا في حسابات التوازن العالمي يتعين أن نلتفت له، وهو إرادة استخدام القوة والاستعداد للقيام بدورٍ عالمي وتحمل تبعات وتكلفة هذا الدور، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة شاركت في الحرب العالمية الأولى، بل وأسهمت في حسم نتيجتها، ولكنها ما لبثت أن انكفأت على نفسها بعد انتصار تيار الانعزال داخلها، وهكذا لم يجد النظام العالمي قوة تحميه، وسرعان ما تفككت عصبة الأمم، لتمهد الطريق إلى حرب عالمية جديدة.

وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية: "لا يسع المراقب سوى أن يرصد ملامحًا لهذا الميل الانعزالي لدى الولايات المتحدة، وهو ميلٌ له قبول داخلي قوي في الولايات المتحدة عبَّر عنه "دونالد ترامب" في فترة رئاسته، كما اكتسب تيار الانعزال أيضاً زخماً كبيراً بعد تجربتي تدخل فاشلتين في أفغانستان والعراق"، لافتا إلى أن القوى الصاعدة ترصد هذه النزعة الأمريكية لتجنب التورط العسكري، كما تُدرك ما تمر به أمريكا والذي يمكن تسميته بـ"الإنهاك الاستراتيجي"، ولا شك أيضا في أن هذا هو ما شجع تلك القوى، وبخاصة الصين وروسيا، على كسب مساحات جديدة والتقدم خطوات في تحقيق أجندتها.

وأشار إلى أن الصين لديها أجندة عالمية، وهو ما تعكسه مبادرة الحزام والطريق، وكذلك الخطاب الصيني العلني بالسعي إلى إعادة توحيد البلاد، أي استعادة تايوان، وإن كانت الصين تُفضل أن تتحقق هذه الوحدة بطريقة سلمية، وليس باستخدام القوة، وتريد الصين كذلك أن تُعامل باحترام يليق بقوة كبرى، ندٍ للولايات المتحدة، كما ترفض أن يتدخل الغرب في شئونها الداخلية أو يوجه النقد لنظامها السياسي، وأخيراً، هي ترغب في مواصلة الصعود الاقتصادي من دون أن تعمل الولايات المتحدة على تعطيل أو إعاقة هذا الصعود، بتطويقها تكنولوجيا أو اقتصاديًا.

وقال أبو الغيط إن روسيا، تسعى كما عبر الرئيس "بوتين" في أكثر من مناسبة، إلى تصحيح "الكارثة الاستراتيجية" الأكبر في القرن العشرين، أي تفكك الإمبراطورية السوفيتية، وظهور الناتو على أعتاب روسيا، وفي جوارها القريب، وقد أعلنت موسكو عن مطالبها بوضوح وتحدٍ غير مسبوق في أزمة الحشود على الحدود الأوكرانية كما تابعنا مؤخراً، وهي الأزمة التي تعد -من وجهة نظري- أخطر تهديد تواجهه المنظومة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة.

ونبه أبو الغيط إلى أن هذه الحالة التنافسية، التي تلامس حد الصراع، بين القوى الكبرى، سوف تُلقي بظلالها على كافة مناطق العالم، وستفرز قدراً هائلاً من انعدام اليقين في التفاعلات الدولية، مشيرًا إلى أن هناك منطقتين على وجه الخصوص يُمكن اعتبارهما نقطتي احتكاك رئيسيتين في العالم: بحر الصين وشرق أوروبا، وفي هاتين المنطقتين، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على قوة الردع والدفاع، فيما تهدف الصين وروسيا إلى تحدي الهيمنة الأمريكية والغربية على نحو غير مسبوق، مضيفا "أنه لا ينبغي استبعاد أية احتمالات لتطور الموقف على هذين المسرحين الساخنين، بما في ذلك احتمال اندلاع الصراع المسلح".

وتابع أبو الغيط: "غير أن عوامل أخرى تجعل الصورة في عالم اليوم أكثر تعقيداً، فثمة قضايا لم تكن موجودة في لحظة تأسيس النظام العالمي اكتسبت اليوم أهمية طاغية، بل صارت لها أولوية على ما عداها-على سبيل المثال- قضية التغير المناخي، بمختلف تبعاتها البيئية والاقتصادية والأمنية، فضلاً عن عما يصاحبها من الظواهر المناخية المتطرفة والكوارث الطبيعية، والتي صارت –كما نُلاحظ جميعاً- أكثر تواتراً من ذي قبل.

وأكد أن التعامل مع قضية وجودية مثل التغير المناخي يقتضي تعاوناً استثنائياً بين الدول، وبخاصة القطبين الأهم، الولايات المتحدة والصين، وقد لاحظنا أن البيان الختامي في قمة جلاسجو الأخيرة COP 26 لم يكن ليصدر سوى بتوافق معين بين بكين وواشنطن.

 ونبه أبو الغيط إلى أن المنطقة العربية تجد نفسها، بموقعها وإمكاناتها الاقتصادية وما تتوفر عليه من مخزون الطاقة، في قلب هذه التحولات والمنافسات العالمية، مشيرًا إلى قضايا ومسائل تنطوي على أهمية كبيرة في المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها المسألة الأمنية.

كما نبه أبو الغيط إلى أن البيئة العالمية والإقليمية سوف تفرض على الدول العربية، وأجهزة صنع القرار فيها، درجات أعلى من الحذر والتحسب والقراءة الدقيقة للمتغيرات، وإيقاعاً أسرع في التعامل مع مقتضيات الواقع، وقدرةً أكبر على التكيف مع التبدل السريع الذي يجري على أكثر من صعيد، وخيالاً أوسع في تصور المستقبل وسبل الاستعداد له، ومرونة أكبر في بناء التحالفات ومد جسور الصداقة في زمن ستكون السيولة طبيعته الأساسية، والتغير هو ثابته الوحيد.

عاجل